زهور الجنة

الإصابة بالتوحد قد تؤدي إلى مخاطر أعلى للوفاة لدى بعض الأشخاص في وقت أبكر من المعتاد

أظهرت نتائج دراسة حديثة أن الإصابة بالتوحد أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط قد تؤدي إلى مخاطر أعلى للوفاة لدى الأشخاص في وقت أبكر من المعتاد. غير أنّ “كاتالا لوبيز”، العالم في المدرسة الوطنية للصحة العامة، وفي مركز شبكة البحوث الطبية الحيوية بالصحة العقلية، التابعَين لمعهد كارلوس الثالث للصحة في العاصمة الإسبانية مدريد، قال: “لا ينبغي النظر إلى هذه الاكتشافات على أنها حكم بالإعدام.

وفي هذا السياق تقول شبكة (سي إن إن) الأمريكية, أن العديد من الدراسات السابقة أشارت إلى أنّ اضطرابات النمو العصبي قد ترتبط بزيادة معدل خطر الوفاة المبكرة. غير أنّ هذه الاكتشافات غير متّسقة بحسب نتائج تحليل شمولي جديد لدراسات سابقة عدّة، أو مراجعة لبيانات خاصة بالعديد من الدراسات السابقة، نُشرت في مجلة “JAMA Pediatrics”.وشمل التحليل بيانات 27 دراسة توزّعت بين أمريكا الشمالية وأوروبا، ونُشرت بين عامي 1988 و2021، وبلغ عدد المشاركين فيها 642 ألف شخص.

وتوصلت الدراسة إلى أنّ الوفاة المبكرة، وفق التحليل الشمولي، كانت تحدث في مرحلة الطفولة أو منتصف العمر، لأسباب طبيعية أو أخرى غير طبيعية، وفاق معدلها الضعفين لدى المصابين بالتوحّد واضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه مقارنة مع عامة السكان، بحسب ما أكده المؤلف الرئيسي للدراسة الباحث “فيران كاتالا لوبيز لشبكة (سي إن إن).

أما الأسباب فشملت تلك الطبيعية، مثل الأزمات والنوبات القلبية، وتلك غير الطبيعية مثل الإصابات غير المقصودة، والانتحار، والقتل.

وبين المصابين باضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه، بلغ عدد حالات الوفاة المبكرة الناجمة عن أسباب غير طبيعية 847 حالة، وهو رقم يفوق ما كان متوقعًا، لكن خطر الموت المبكر لأسباب طبيعية لم يرتفع كثيرًا كما هو الحال لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، بحسب نتائج التحليل الشمولي.

وقال “كاتالا لوبيز”، لشبكة (سي إن إن), إنّه “لا يجب تفسير نتائج دراستنا على أن من يعانون من هذه الاضطرابات سيموتون بالضرورة قبل الأوان بسبب حوادث سير، أو بسبب تسمّم، أو انتحار”.

في حين, سلّط “راسل أ. باركلي”، و”جيرالدين داوسن”، الخبيران الاختصاصيان في مجال النمو العصبي غير المشاركين في البحث، الضوء في تقريرهما حول نتيجة التحليل الشمولي، وكيف يمكن للرعاية الصحية الوقائية إحداث فرق.

وكتب باركلي، وداوسن الأستاذ السابق في الطب النفسي السريري بالمركز الطبي في جامعة فرجينيا كومنولث، أنّ “في النهاية، متوسط العمر المتوقّع مرن”. كما أشار البروفسور بالطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة ديوك الأمريكية ويليام كليلاند إلى أهمية “تغيير العوامل الصحية وأسلوب الحياة الضار الذي يؤثر على متوسط العمر المتوقع، ويمكن للمرء أن يحسن نوعية الحياة، وبالتالي سنوات حياته“. 

وأوضحا أيضًا أنّ الأشخاص المصابين بالتوحد أو اضطراب فرط النشاط ونقص الانتباه “يموتون باستمرار لأسباب طبيعية يمكن الوقاية منها”. وتابعا أنّ “هذه المعرفة تتطلّب اعترافًا واسع النطاق وإجراء فحص منهجي واتباع أساليب وقائية.

الأسباب

ولم يحصل مؤلفو التحليل الشمولي على تفاصيل نمط حياة المشاركين/ أو العوامل الاجتماعية والاقتصادية، أو الأسباب المحدّدة التي أدّت إلى الوفاة. لكن، سلّط بحث سابق الضوء على العديد من العوامل التي يمكن أن تفسّر سبب ارتفاع معدل الوفاة المبكرة بين الأطفال والشباب المصابين بالتوحد أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وفقًا للمؤلفين.

النسب العالمية

وتبلغ نسبة الأشخاص المصابين بالتوحّد 1٪ من مجمل سكان الأرض، في حين أنّ نسبة من يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه تصل إلى نحو 5٪، بحسب استطلاعات جمعية التوحد ومنظمة الصحة العالمية.

ورأوا أن الأشخاص الذين لديهم إصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو التوحد، أكثر عرضة لخطر الإصابة بالاضطرابات العقلية، والحالات العصبية، مثل الاكتئاب، أو القلق، أو إساءة استخدام الدواء، أو اضطرابات الأكل، إلى الصرع، واضطرابات في السلوك، والتشنجات اللاإرادية.

كما تم ربط هاتين المجموعتين بارتفاع معدلات السمنة، ورضوض الأسنان أو التسوّس، بالإضافة إلى السلوك الخامل، أو المشاركة المتدنية في التمارين، ومشاكل النوم، والصداع النصفي، والإصابة بأمراض القلب، وتورُّط أقل بالممارسات الوقائية المتعلقة بالصحة، والتغذية، وصحة الأسنان، وفقًا لما كتبه باركلي وداوسن.

ويمكن أن تؤدي السلوكيات الاندفاعية أو من دون انتباه، وهي سمة هذا النوع من الاضطرابات، إلى وقوع الإصابات والحوادث غير المقصودة، وفقًا للتحليل الشمولي.

ورأى كتّاب مقدمة الدراسة أن الوفاة المبكرة يمكن أن تفسّر أمرًا لطالما حيّر الباحثون السريريون لعقود، وهو تراجع نسبة شيوع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع تقدم العمر. وقد يستوفي حوالي 5٪ إلى 8٪ من الأطفال معايير تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فيما تتراجع هذه النسبة إلى 5٪ لدى البالغين، وتقارب نسبة 3٪ لدى كبار السن.

واعتقد بعض الباحثين أنّ سبب هذا التراجع يعود إلى تدني أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع تقدمهم في السن، أو لعدم إعادة التشخيص. لكن النتائج “توضح أن ثمة تفسير آخر مردّه إلى خسارة هؤلاء الأفراد الذين يعانون من هذه الحالات مع الوقت بسبب ارتفاع معدل الوفاة بينهم مقارنة بأقرانهم العاديين”، وفق ما كتب باركلي وداوسن.

الاحتياجات

وجاء في نتائج التحليل الشمولي وما كتبه المؤلفون أنّ معالجة مسألة الوفاة المبكرة لدى الأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة، ونقص الانتباه والتوحد، أمر صعب، ويبدأ مع مقدّمي الرعاية الصحية. وكتب مؤلفو التحليل الشمولي أنه “يفترض تشجيع الأطباء واختصاصيي الرعاية الصحية على جمع المعلومات بشكل روتيني حول الحالات السلوكية، والطبية، والنتائج الصحية المتعلقة باضطراب طيف التوحد/ اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والتركيز على الحاجة للتعرّف إلى نقاط الضعف القابلة للتعديل، ومعالجتها، وعدم التأخر في تقديم الرعاية الصحية اللازمة”. ووفقًا لما جاء في مقدمة باركلي وداوسن فإن “هذه المقاربة ضرورية للأفراد المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو اضطراب طيف التوحد، بحيث يمكن تقليل خطر الوفاة المشار إليه في هذه المراجعة من خلال الإقدام على ذلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى