زهور الجنة

لقبت بأم الهمم.. نانسي الطويل أخصائية تربية خاصة وأم لثلاثة أبناء توحد

“نانسي الطويل”, سيدة فلسطينية أم لـ 3 أبناء وبنتين 3 منهم يعانون من إعاقة ذهنية وتوحد. تقول السيدة نانسي “أى أم تُحب أن يكون عندها أولاد وبنات لم أشعر بالخوف من تكرار الإنجاب, هذه رسالة موجهة إلى والحمد لله ربا العالمين”.

نانسي حاصلة على ماجستير في التربية الخاصة وتعمل مشرفة تربية خاصة في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. تقول نانسي “أشكر الله انه بسبب أولادي اخترت هذه التخصص وأسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراة واتمنى أن انهيها بنجاح”.

ولكن ترى.. كيف تعاملت نانسي مع أولادها لتوفر لهم حياة آمنة تناسبهم؟

تقول نانسي “البيت تغير تماماً.. أنا اعتبرته مملكتهم قبل ما اعتبره مملكتي فهيأت كل الزوايا وكل الإمكانيات بما يناسب اضطراباتهم”.

تمكنت نانسي وهي التي تعيش في مدينة رام الله أن تصنع حكاية جميلة مع أطفالها، برغم الاحتلال وظلمه وبرغم كل العقبات استطاعت أن تعبر، وأن تفتح عيونها وعيون من حولها من أجل أطفالها فقط، ليفهمهم العالم ويحتضنهم ويتقبلهم أكثر.

استطاعت نانسي بالتعاون مع زوجها مواجهة ظروفها بإيمانها القوي بالله، تؤكد ان أولادهما هدية من الله أكرمهما بهم ليقدما رسالة سامية. ورسالتهما رعاية الأولاد بالحب والرحمة، وتكريس الأيام والمشاعر والجهد الشيء الكثير.

تقول نانسي “بصراحة أنا أشعر أن وجودي في هذه الحياة مرتبط بأولادي.. أحبهم.. أحبهم وأحمد الله لأنهم هنا.. وهذا حقاً ما يعطيني القوة للاستمرار”.. 

ابنها الأكبر كان طفلاّ عادياً، أما أخته التي جاءت بعده فقد كانت مصابة بطيف التوحد والإعاقة الذهنية، في البداية لم تبدُ عليها أي من الأعراض، كانا يلعبان معاً، إلا أنها مع الوقت لم تكن تتجاوب معه في اللعب، فكان يتساءل “لماذا لا تلعب معي؟” فنجيبه بأن أختك لا تعرف كيف تلعب.. أنت الأكبر فعلمها..

بعدها رزقت نانسي بطفلها الثالث الذي تبين أنه مصاب بطيف التوحد ونقص الانتباه مع فرط الحركة، وبعده رزقت بابنة ثانية كانت عادية يليها أخوهم الأصغر الذي كان مصاباً وشخص مثل أخويه الأكبر منه.

كانت الابنة الصغرى تتساءل كثيراً: “لماذا لا تأخذني اختي الكبرى إلى البقالة كما تفعل أخوات صديقاتي” وغير ذلك الكثير من الأسئلة.. فكانت الأم توضح لها أن بعض الأطفال يكونون مختلفين عن غيرهم، وأنه عليك أنت أن تساعدي أختك وتتفهمي اختلافها.

تقول نانسي ” كانت الأمور صعبة جداً على الأخوين العاديين، لكننا كنا قدوة لهما في التعامل مع اخوتهم، فلم نتذمر أو نتكلم بطريقة سلبية عن اخوتهم في أي مكان وأمام أي كان.. كنا دائماً أقوياء أمامهم وأمام الجميع”.

الابن الأكبر تزوج قبل فترة، وفي يوم الزفاف اقترح البعض على الأم أن تبقي أطفالها المصابين في المنزل، إلا أنها رفضت فجهزتهم للمشاركة بالعرس وألبستهم أجمل الثياب، وفي ذلك اليوم رقصوا وغنوا واحتفلوا جميعهم.. كانوا جميلين جداً،.. كانت لحظات أكثر من رائعة..

تقول الأم “سعادتي من سعادتهم.. وما يحزنهم يحزنني.. لقد حاربت كثيرا أنا وزوجي من أجل الدفاع عنهم وعن كل ما يخصهم.. وأحمد الله مئة مرة لأننا استطعنا أن نرعاهم ونحميهم من كل شيء في هذا العالم، فهم أجمل الهدايا وأثمنها”..

العلاج والدعم

وحول أبرز سبل العلاج والدعم التي لجأت إليها نانس مع أولادها تقول الأم “للأسف كان الدعم قليلاً جداً ووسائل العلاج قليلة جداً، فنحن نعيش تحت الاحتلال، فلا يمكن لكل الأدوية والعلاجات أن تمر بسهولة عن طريق الحواجز، بالإضافة إلى أنه في منطقتنا تحدث الكثير من المواجهات وضرب لقنابل الغاز الأمر الذي انعكس سلباً على حالة أطفالي”.

وفى ظل هذه التحديات قررت الأم مساندة أطفالها بنفسها تقول “أعتمد على المعالجين بشكل كامل، فمنهم من كان يغير مكان عمله أو يرحل لظرف خاص، لكنني كنت أتعلم منهم”.

تعلم الأم من أخصائية النطق كيف تتعامل مع أطفالها ومن أخصائي العلاج الوظيفي تعلمت الطرق التي عليها أن تلاعبهم عن طريقها.

كما أنها تخصصت في التربية الخاصة، حيث حصلت على درجة الماجستير بالتربية الخاصة بهدف رعاية أطفالها وأطفال غيرها من ذوي الاحتياجات الخاصة.

نانسي الآن تعمل كموظفة في وزارة التربية والتعليم في دائرة التربية الخاصة، أي أنها اختارت أن يكون عملها متعلق بذوي الإعاقة لتتمكن من تقديم للأمهات في فلسطين خلاصة تجربتها وكل ما تعلمته في هذا المجال.

قامن الأم بإعطاء أطفالها بعض الأدوية التي كانت تريحهم لبعض الوقت لكنها لم تكن معالجة لهم، وكانت تتابع حالتهم مع أحد الأطباء في الأردن الذي دعمها وساعدنها في متابعة حالة أطفالها بشكل كبير، فكانت تصور أطفالها قبل استخدام الدواء وبعده ثم تسافر إليه في عمان كل شهرين ليتابع حالاتهم ويقدم لها المشورة والدعم.

نظرة المجتمع

وحول تعامل المجتمع مع نانسي واطفالها توقل الأم” للأسف، أتعبتني نظرة المجتمع كثيراً، فمفهوم “التوحد” في حد ذاته لم يكن معروفاً أو متداولاً خاصة لدى الجيل القديم، كنت أسمع الكثير من الأوصاف والعبارات التي يطلقها الناس على أطفالي دون أن ألقي لها بالاً”.

تستطرد الأم “في المقابل طبعاً كان البعض الآخر متفهماً ومتقبلاً لأطفالي، وهم من قال لي بأن معاملتهم لأطفالي هي انعكاس للطريقة التي يرونني أتعامل بها معهم، فأيقنت أن المجتمع هو مرآة لأفعالنا وتعاملنا مع أبنائنا ليس أكثر”.

نانسي لا تعتبر أولادها عائقاً أمامها في أي مكان تذهب إليه، فكانت تأخذهم إلى الخباز واللحام وإلى المولات والمحلات التجارية دون أن تشعر بأي حرج أو ضيق، فقد كانت فكرة الدمج ضرورية بالنسبة لها، حتى لا يشعر أطفالها بأن المجتمع مكان موحش وغريب عليهم”!

تقول الأم “طبعاً الوعي في أيامنا أفضل مما كان عليه قبل 25 عاماً، إلا أننا نحتاج إلى المزيد من الخطوات من أجل زيادة الوعي والدمج لذوي الإعاقة بشكل أكبر”.

فحص الجينات والبصمة الوراثية

قامت الأسرة بإجراء فحص للجينات فى كندا للتأكد إن كانت ثمة عوامل وراثية وراء هذا المشكلة أم لا، ولم يتبين وجود أي مشكلة جينية لديهم، لكن الطبيب قال لهم أن هذا لا يعني عدم وجود مشكلة، فربما مع تقدم العلم يصبح الفحص أكثر تطوراً ودقة ليكشف عن مشكلة قد لا تكون ظاهرة الآن.

وعن فحص الـ DNA تقول الأم “لم نقم به أنا وزوجي، ببساطة لأننا لم نشعر بحاجتنا لذلك، فإذا كانت المشكلة من طرفي فزوجي لا يريد أن يعرف ذلك، وإذا كان العكس فأنا لا أريد أن أعرف أيضاً، ومهمتنا الآن أن نكرس حياتنا وطاقتنا كلها من أجل أبنائنا ورعايتهم”.

الدروس المستفادة

وحول الدروس المستفادة للأم من هذه الحكاية تقول نانسي “هذه التجربة علمتني الكثير، وجعلت علاقتي بزوجي وبكل من هم حولي ممن دعموني أقوى وأفضل، هذه التجربة جعلتني أدرس وأتخصص في التربية الخاصة، وهو ما لم أتخيل نفسي أفعله في يوم من الأيام.. جعلتني أكتشف مكامن للعطاء في داخلي لم أعلم بوجودها من قبل، حتى صار هدفي في عملي وحياتي كلها أن أساعد باقي الأمهات في تعاملهن مع أطفالهن من ذوي الاحتياجات الخاصة”.

تضيف الأم “أما الرسالة التي أرغب بإيصالها للمجتمع والناس، فهي أن ما حدث لأطفالي قد يحدث لأي طفل آخر من حولكم، لذلك أرجو منكم أن تتقبلوا هؤلاء الأطفال وأن تتوقفوا عن إلقاء المسميات والألقاب عليهم جزافاً.. فكلمة إحسان واحدة كفيلة بأن تغير مجتمع بأكمله”.

تستطرد “ولكل من يمرون في مثل تجربتي، أقول لهم أن هذه هي الرسالة العظيمة التي اختاركم الله من بين باقي الناس لحملها وإيصالها”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى