عبرات

رسالتها لذوي الإعاقة: “لا تيأس؛ فالحياة جميلة”.. التشكيلية السعودية “هيلة المحيسن”.. ترسم وتبدع دون يدَيْن

أول ما يلفت الانتباه إلهيا هو مرحها وخفة روحها التي تغمر كل من يخاطبها، اللغة التي تتحدث بها تسافر بك إلى فضاءات ممتدة من الأمل والتفاؤل وعشق الحياة. نعم، عشق الحياة الوقود الحقيقي في طريقها لتجاوز محطات الإعاقة والألم والانكسارات. تربت في كنف أسرة عظيمة، وهبت طفلتها بدل الذراعين الحضن الدافئ والعزيمة والقوة لمواجهة الأيام والحاجة، وحولتها إلى معجزة إنسانية وفنية. هى تشكيلية سعودية, صغيرة العمر, كبيرة الإبداع, ترسم من منزلها وطناً, وترسم من وطنها عالماً شاسعاً, فتحول النافذة لشرفة, والجدار إلى أفق, واللوحة إلى حياة مفعمة بالجمال وبالبشر والبشر بجرة قدم. وُلدت “هيلة المحيسن”, من دون يدَيْن، ولم تمنعها الإعاقة من أن تمارس حياتها الشخصية بنفسها من دون أي عائق. رسالتها لذوي الإعاقة: “لا تيأس؛ فالحياة جميلة”.

وزاد من إصرارها على التميز أنها دخلت عالم الفن وهي صغيرة في السن، إضافة إلى إصرارها على دخول المدرسة حتى أكملت المرحلة المتوسطة.

بدأت الرسم منذ أن كان عمرها خمس سنوات كتجربة، ورسمت نفسها باستخدام قدميها؛ لأنها كانت معتادة على استخدام قدميها في جميع حياتها الشخصية.
رغم معاناتها في المدرسة؛ لأن المنضدة كانت مرتفعة، لكن إحدى الأمهات قامت بإعداد منضدة خاصة لها لاستخدامها في المدرسة.

والديها كانا أول الداعمين لها عن طريق التشجيع والدعم المعنوي، وكانت بدايتها بالرسم باستخدام الرصاص، ثم قامت بتطوير موهبتها مع الفنانة التشكيلية “شعاع الدوسري” منذ سنة باستخدام الألوان.

تستخدم “هيلة”, رجليها فى عمل كل شيء في حياتها، كاستخدام برامج الشات في الجوال والرسم والكتابة والطبخ.. وتتمنى أن يكون لديها مركز خاص، تستطيع من خلاله أن تدرب أصحاب الظروف الخاصة؛ ليتجاوزوا العقبات في طريق نجاحهم. تتدرب في أحد المراسم الخاصة؛ لتطور مهاراتها في الرسم.

أعمالها

في  لوحات ورسومات “هيلة”, نجد السيدات من العصر الفيكتوري الكلاسيكي وراقصات الباليه، والهنود الحمر المحاربين، وصيادي الأدغال الأفارقة، تقف جنبًا إلى جنب بجوار رسومات لرجال ونساء سعوديين يتزينون بملابسهم التراثية في تناغم رائع لمخيلة إبداعيه.

وفي أحيان أخرى تعكس لوحاتها السريالية المشاعر المختلطة. كسلحفاة على شكل حوت تحمل شجره بلا أوراق ربما تشير لآلام التصحر البيئي والعاطفي. إلا انه في كل الوجوه المرسومة هناك سمات مشتركه إذ تعكس جميعها غموض ومثابرة وصبر وقوه تشع من العيون دون أدنى مؤشر على الضعف تظهر احتفال الوان قوي  حافل بالتنوع والتعايش.

وضعت “هيلة”, بصمه لها وبإسلوبها الفريد في الرسم فازت به بالعديد من الجوائز داخل المملكة العربية السعودية وخارجها

فعلى مدى السنوات الماضية منذ بداية احترافها الرسم، أنتجت أكثر من 200 عمل فني معظمهم لوحات مرسومه. كما قامت أيضًا وبناء على طلب متابعيها بإنشاء قطع بالديكوباج وبلوحات كلاسيكية لعملائها وبرسومات متنوعه

كما شاركت في العديد من المعارض الفنية والمعارض في مدن مختلفة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج. كما ظهرت أعمالها في العديد من الصحف وعلى أغلفة المجلات، وشاركت في دورات وورش عمل فنية أيضًا وتوجت موهبتها بالكثير من الدروع وشهادات التقدير.

وفي أوقات فراغها عندما لا تشارك في المعارض الفنيه أو ورش العمل الخارجيه، تجدها غالباً في مرسمها ترسم وتنتج أعمالًا فنية جديدة، تشارك جمهورها في مراحل إعدادها على وسائط التواصل الاجتماعي، غالبا في انستجرام” و”سناب شات” والذي تتواجد هيله فيه بنشاط ترد وتعلق بكل احترافية علي متابعينها وتشارك تعليقاتهم حول عملها وفي أحيان أخرى ترسم البسمة على وجههم بنشر تعليقات وصور مضحكه تزيد من محبه جمهورها لشخصيتها المبدعة.

ولا تتوانى التشكيلية السعودية عن مساعده متابعيها في ان يكونوا فنانين أفضل اذ تقدم لهم دورات تدريبيه في اساسيات الرسم والألوان، وكذلك أي مهارات أخرى يرغبون بها كما وإعطاء النصائح لمتابعيها. ليس هذا فحسب بل تطلب أيضاً من متابعيها ملاحظاتهم ونصائحهم حول رسوماتها، كما يمكنهم التواصل معها بخصوص طلبات رسوماتها.

الوالدة تتحدث

تتحدثت والدة “هيلة”, عن موقفها مع ولادة ابنتها الأولى قائلة: “في بداية الأمر لم أر ابنتي؛ إذ أخفاها الأطباء عني معللين السبب بمرضها، لكني لم أستطع الصبر؛ فطلبت أن أراها، وعند مشاهدتي لها نزلت دموعي، وأُصبت بصدمة كونها الأولى لي، لكن مع أني حزنت في بداية الأمر إلا أني ارتحت؛ لأن هذا أمر الله، فحمدته، واسترجعت على ما قدر، وأصبحتُ فَرحة بها، والآن أنا أعاملها مثل أي واحدة من أخواتها في البيت”.

الطفولة
وعن مرحلة الطفولة تقول الأم أنها كانت تتساءل “كيف ستكون حياة بنتي؟ وكيف ستحبو مثل الأطفال؟ وكيف ستقضي احتياجاتها من لبس الثياب؟ أو كيف تأكل؟ لكنها بدأت تلاحظ أن ابنتها أصبحت تعتمد على رِجليها في كل شيء حتى عندما تبكي كانت تضع رجليها على وجهها؛ لتمسح دموعها، بل صارت تستخدم رجليها في كل احتياجاتها، سواء في الأكل أو في الكتابة أو في الرسم، وتعيش حياتها بشكل عادي جداً”. مؤكدة أنها لم تكن تتوقع أن ابنتها ستكون في يوم من الأيام متميزة دراسياً ومبدعة مهارياً في الرسم.

رسالة
ووجهت أم هيلة رسالة للأمهات اللاتي يرزقهن الله بمواليد لديهم إعاقات قائلة: “عليكِ بأن تحمدي الله قبل كل شيء؛ لأن عقلها سليم. وثانياً تعطيها الثقة بنفسها، فلا تحسِّسي ابنك أو بنتك بأي نقص مهما كان؛ لأنهم سيستمدون الثقة منكِ، فعليك ألا تكوني مهزوزة أو محبطة لهم، أو تخفيهم عن الناس حتى لو كانت إعاقة بسيطة كفقدان أصبع؛ لأنها قد تجعلها تحس بإعاقة شاملة”.

أما رسالتها للفتيات ذوات الإعاقة فقالت: “دائما انظري إلى إعاقة غيرك ستجدين أنك الأفضل، فقط قولي الحمد لله، أنا بخير؛ لأن هذه ليست إعاقة، لكنها قدر من الله عز وجل، فأنت تستطيعين تحويلها من إعاقة إلى معجزة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى