طبيبك الخاص

“النيسيرية السحائية”: طريقة الانتقال.. عوامل الخطر.. التشخيص والوقاية

يشير مرض المكورات السحائية إلى أي مرض تسببه بكتيريا تسمى النيسيرية السحائية Neisseria meningitidis. غالباً ما تكون هذه الأمراض شديدة ويمكن أن تكون مميتة. وهي تشمل التهابات بطانة الدماغ والنخاع الشوكي (التهاب السحايا Meningitis) والتهابات مجرى الدم (تجرثم أو تسمم الدم Meningococcemia).

تنتشر هذه البكتيريا من خلال تبادل إفرازات الجهاز التنفسي. يعالج الأطباء مرض المكورات السحائية بالمضادات الحيوية، وتعتبر العناية الطبية السريعة مهمة للغاية. وتعد مواكبة اللقاحات الموصى بها أفضل دفاع ضد مرض المكورات السحائية.

الكائن المسبب

النيسيرية السحائية N. Meningitides عبارة عن مكورات ثنائية سالبة الجرام، تحتوي على أغشية خارجية وداخلية مع طبقة رقيقة من الببتيدوغليكان بينهما. يتراوح حجمها 0.6-1.0 ميكرومتر. موجبة لفحص إنزيم السيتوكروم سي أوكسيديز.

النيسيرية السحائية تشكل جزءاً من النبيت الميكروبي في البلعوم الأنفي لدى ما يقارب من 5 الى 30% من البالغين. حيث تستعمر وتصيب البشر فقط، ولم يتم عزلها أبداً عن الحيوانات. ويعتقد أن هذا ينبع من عدم قدرة البكتيريا على الحصول على الحديد من مصادر أخرى غير الترانسفيرين البشري واللاكتوفيرين.

يتم تصنيف السلالات المسببة للمرض وفقاً لتركيب المستضد “الأنتجين” للكبسولة المغلفة للبكتيريا والمكونة من عديد السكر Polysaccharide capsule. يختلف توزيع النمط المصلي بشكل ملحوظ حول العالم. من بين 13 سلالة التي تم تحديدها من النيسيرية السحائية، هناك ستة (A، B، C، W135، X، Y) مسؤولة عن معظم حالات المرض في جميع أنحاء العالم. كان النوع A هو الأكثر انتشاراً في إفريقيا وآسيا، ولكنه نادر في أمريكا الشمالية. في الولايات المتحدة، تعتبر المجموعة المصلية B السبب الرئيسي للمرض والوفيات، تليها المجموعة المصلية C. وقد أعاق تعدد الأنواع الفرعية المتعددة تطوير لقاح شامل لمرض المكورات السحائية.

طرق الانتقال

ينقل البشر الحاملين او المصابين ببكتيريا المكورات السحائية لأشخاص آخرين عن طريق مشاركة إفرازات الحلق التنفسية (اللعاب أو البصاق). وبشكل عام، يحتاج اتـصال وثيق (على سبيل المثال، السعال أو التقبيل) أو الاتصال المطوّل مع مريض مصاب بمرض المكورات السحائية. ولحسن الحظ هي ليست مُعدية مثل الجراثيم التي تسبب نزلات البرد أو الأنفلونزا. لا يصاب الناس بالبكتيريا من خلال الاتصال العرضي أو عن طريق استنشاق الهواء حيث يكون الشخص المصاب بمرض المكورات السحائية.

عوامل الخطر

يتعرض بعض الأشخاص لخطر متزايد للإصابة بمرض المكورات السحائية. فالسن يلعب دوراً مهماً، حيث يقوم الأطباء بتشخيص مرض المكورات السحائية بشكل أكثر شيوعاً عند الرضّع والمراهقين والشباب. وتميل الأمراض المعدية إلى الانتشار حيثما تتجمع مجموعات كبيرة من الناس. فقد أبلغت العديد من الجامعات عن تفشي مرض المكورات السحائية من المجموعة المصلية B في السنوات الأخيرة. هناك بعض الحالات الطبية والأدوية التي تعرض الأشخاص لخطر متزايد للإصابة بمرض المكورات السحائية، كالإصابة بنقص المناعة مثل مرضى الايدز AIDS أو المرضى الذين يتناولون المثبطات لإصابتهم بنقص بعض المكونات المناعية Complement component deficiencies. السفر أيضاً قد يشكل عامل خطورة، فقد يكون المسافرون إلى مناطق انتشار التهاب السحايا معرضين لخطر الإصابة بمرض المكورات السحائية.

الأعراض

يمكن أن تظهر أعراض مرض المكورات السحائية أولاً كمرض شبيه بالإنفلونزا وتتفاقم بسرعة. النوعان الأكثر شيوعاً من عدوى المكورات السحائية هما التهاب السحايا وتسمم الدم. كلا النوعين من العدوى خطير للغاية ويمكن أن يكون يؤدي للوفاة في غضون ساعات.

عندما يصاب شخص ما بالتهاب السحايا بالمكورات السحائية، فإن البكتيريا تصيب بطانة الدماغ والحبل الشوكي وتسبب التورم. تشمل الأعراض الشائعة: حمّى، صداع، تصلّب الرقبة. غالباً ما تكون هناك أعراض إضافية، مثل: غثيان، تقيؤ، رهاب الضوء (تكون العيون أكثر حساسية للضوء) وتغير الحالة العقلية (الارتباك).

قد لا يعاني حديثو الولادة والأطفال أو قد يكون من الصعب ملاحظة الأعراض الكلاسيكية المذكورة أعلاه. بدلاً من ذلك، قد يكون الطفل بطيء أو غير نشيط، أو سريع الانفعال، أو يتقيأ، أو يتغذّى بشكل سيء، أو يكون لديهم انتفاخ في البقعة اللينة من الجمجمة (اليافوخ الأمامي). بالنسبة للأطفال الصغار، قد يفحص الطبيب أيضاً إلى ردود أفعال الطفل بحثاً عن علامات التهاب السحايا.

أما عن تسمم الدم (عدوى مجرى الدم) الناجم عن النيسيرية السحائية “تسمم الدم بالمكورات السحائية”. عندما يصاب شخص ما بتسمم الدم بالمكورات السحائية، تدخل البكتيريا إلى مجرى الدم وتتكاثر، مما يؤدي إلى إتلاف جدران الأوعية الدموية. ما يسبب نزيف في الجلد والأعضاء.

قد تشمل الأعراض: (حمى وقشعريرة, التعب, التقيؤ, برودة اليدين والقدمين, أوجاع شديدة أو ألم في العضلات أو المفاصل أو الصدر أو البطن, تنفس سريع, إسهال، قد يظهر في المراحل اللاحقة, طفح جلدي بنفسجي غامق).

مرض المكورات السحائية خطير للغاية ويمكن أن يكون مميتاً في غضون ساعات. لذا فإن التشخيص والعلاج المبكران مهمان للغاية. قد يكون من الصعب تشخيص مرض المكورات السحائية لأن العلامات والأعراض غالباً ما تكون مشابهة لتلك لأعراض أمراض أخرى. أما إذا اشتبه الطبيب في الإصابة بمرض المكورات السحائية، فسيقوم بجمع عينات من الدم أو السائل النخاعي (السائل بالقرب من الحبل الشوكي). ثم يرسل العينة إلى المختبر لفحصها. إذا كانت بكتيريا النيسيرية السحائية موجودة في العينة، يمكن للمختبرات زراعة البكتيريا حيث تسمح بمعرفة النوع المحدد من البكتيريا المسببة للعدوى. معرفة هذا يساعد الأطباء على تحديد المضاد الحيوي الذي سيعمل بشكل أفضل. في حين تعذر التعرف عليها من خلال المزرعة يمكن للاختبارات الأخرى في بعض الأحيان الكشف عن البكتيريا مثل الفحوصات المصلية وتقنيات الوراثة الجزيئية.

المضاعفات

على الرغم من استعمال المضادات الحيوية للعلاج، يموت 10 إلى 15 من كل 100 شخص مصاب بمرض المكورات السحائية. ويعاني ما يصل إلى 1 من كل 5 ناجين من إعاقات طويلة الأمد، مثل فقدان أحد الأطراف أو الصمم أو مشاكل الجهاز العصبي أو تلف الدماغ.

العلاج

يعالج الأطباء مرض المكورات السحائية بعدد من المضادات الحيوية. من المهم أن يبدأ العلاج في أسرع وقت ممكن. حين الاشتباه في الإصابة بمرض المكورات السحائية، يُعطى المريض المضادات الحيوية على الفور. حيث تساعد المضادات الحيوية في تقليل خطر الموت. اعتماداً على مدى خطورة العدوى، قد يحتاج الأشخاص المصابون بمرض المكورات السحائية إلى علاجات أخرى، بما في ذلك دعم التنفس، أدوية لعلاج انخفاض ضغط الدم، جراحة لإزالة الأنسجة الميتة والعناية بالجروح لأجزاء الجسم المصابة.

الوقاية

مواكبة اللقاحات الموصى بها أفضل دفاع ضد مرض المكورات السحائية.  أيضاً الحفاظ على العادات الصحية، مثل الحصول على قسط كبير من الراحة وعدم الاتصال الوثيق بالمرضى. يجب أن يتلقى الأشخاص المخالطون لمرض المكورات السحائية المضادات الحيوية لمنعهم من الإصابة بالمرض. ويعرف هذا العلاج بالعلاج الوقائي (prophylaxis). مثل الأشخاص في نفس المنزل أو رفقاء الغرفة أو أي شخص على اتصال مباشر بالإفرازات الفموية للمريض (اللعاب أو البصاق).

تساعد اللقاحات في الحماية من المجموعات المصلية الثلاثة (B و C و Y) لبكتيريا النيسيرية السحائية الأكثر شيوعًا في الولايات المتحدة. كما هو الحال مع أي لقاح، فإن لقاحات المكورات السحائية ليست فعالة بنسبة 100٪. هذا يعني أنه لا تزال هناك فرصة للإصابة بمرض المكورات السحائية بعد التطعيم. يجب أن يعرف الناس أعراض مرض المكورات السحائية لأن التشخيص المبكر للمرض والعناية الطبية السريعة لهما أهمية كبيرة جداً.

تمت إتاحة لقاحات عديد السكريات منذ أكثر من 30 عاماً للوقاية من المرض. هذه اللقاحات متاحة إما على شكل ثنائي التكافؤ (للسلالتين A و (C أو ثلاثي التكافؤ (A و C و (W135 أو رباعي التكافؤ (A و C و Y و(W135.

منذ عام 1999، تم إتاحة اللقاحات المقترنة Conjugated المضادة للسلالة  C واستخدامها على نطاق واسع. وفي العام 2005، تم ترخيص لقاح رباعي التكافؤ مضاد لكل من  A و C و Y و W لاستخدامه لدى الأطفال والبالغين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا. في ديسمبر 2010، أُدخِل لقاح جديد مقترن  من الزمرة A ضد المكورات السحائية  يستهدف الأشخاص من الفئة العمرية انطلاقاً من عام واحد إلى 29 عاماً في عموم أرجاء بلدان الحزام الأفريقي للوقاية من التهاب السحايا.

فيما يخص السلالة B، لم يكن بالاستطاعة استحداث لقاحات عديد السكاريد بسبب تشابهها مع عديد السكريات الموجود في الانسجة العصبية البشرية. لكن في عام 2014، أُطلِق أول لقاح مضاد للنيسيرية السحائية من الزمرة B، وهو مصنوع من توليفة مكونة من عناصر بروتينية. ولا توجد لقاحات متوفرة لمكافحة مرض المجموعة المصلية X.

توصيات

يوصي مركز السيطرة على الأمراض CDC بإعطاء لقاح MenACWY في سن 11 إلى 12 عامً وجميع المراهقين بعمر 16 سنة. تمنح جرعة التعزيز في سن 16 عاماً للمراهقين حماية مستمرة خلال الأعمار التي يكونون فيها أكثر عرضة للخطر. ويمكن أيضًا للمراهقين والشباب (من سن 16 إلى 23 عامًا) الحصول على لقاح MenB، للحصول على أفضل حماية يجب الحصول على جرعات متعددة والالتزام بها، ويجب الحصول على نفس العلامة التجارية لجميع الجرعات. بالعادة لا يحتاج الأطفال والبالغون الصغار إلى لقاحات المكورات السحائية. ومع ذلك، يوصي مركز السيطرة على الأمراض بنوع واحد أو كلا النوعين من لقاحات المكورات السحائية للأشخاص ذوي الحالات الطبية المعينة، إذا ما كان هنالك خطط للسفر إلى المناطق التي ينتشر فيها المرض، العاملين في مجال الميكروبيولوجي، أو إذا ما كان هناك خطورة الإصابة بسبب تفشي مرض المكورات السحائية.

لقاحات المكورات السحائية آمنة ولكن يمكن أن تحدث آثار جانبية، يعاني حوالي نصف الأشخاص الذين يتلقون لقاح MenACWY من مشاكل خفيفة بعد التطعيم، ظهور احمرار أو ألم في مكان الحقن، حمّى، وعادةً ما تتحسن ردود الفعل هذه من تلقاء نفسها في غضون يوم إلى يومين، ولكن من الممكن حدوث ردود فعل خطيرة.

أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة

  الجامعة الإسلامية – غزة/ دولة فلسطين

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى