السعودية.. تطويع قواعد البيانات من أجل صحة أفضل للبشر
ثمة نظرية حديثة يطرحها علم الإحصاءات الجغرافية المكانية في سبيل مواجهة التحديات الصحية المختلفة، تبدأ النظرية من رصد النقاط الساخنة للخلايا السرطانية إلى مشاكل تلوث الهواء.
ومن المتوقع أن تؤتي الجهود المبذولة من المملكة العربية السعودية, ممثلة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) ومؤسسات متخصصة، بثمارها في سبيل فهم أفضل لأسباب الأمراض وكيفية مكافحتها من أجل تحسين الأحوال الصحية. هذه الامر لن يعود بالفائدة فقط على أبناء المملكة, وإنما على كل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الجمع بين علوم الأرض والبيئة والصحة
تمخض عن علم الإحصاءات الجغرافية المكانية ومجال المراقبة الصحية بروز مجال علمي جديد يحمل اسم (GeoHealth)، والذي يجمع بين علوم الأرض والبيئة والصحة بهدف الإجابة على الأسئلة العلمية المهمة لصحة البشر وكوكبنا. بشكل عام، يمكن القول بان هذا العلم يسعى إلى فهم العلاقات بين الأشخاص، والمكان أو الموقع، والبيئة، والوقت، والصحة.
ويستخدم هذه المجال العلمي الواعد، قواعد بيانات من مصادر متعددة بهدف إنشاء خرائط تتبع أمراض كل منطقة جغرافية، ومن ثَم يعمل تقديم المعلومات بهذه الطريقة الإحصائية على تمكين صُناع السياسات من معرفة أماكن الأمراض وكيفية انتشارها، وبالتالي يصبح لدى المختصين معرفة بأسباب المرض، والقدرة على توزيع الموارد بشكل أكثر فعالية. وخلال العقد الماضي، ظهر تطوران أسهما في لفت الأنظار لمجال (GeoHealth) لوضعه في المقدمة. يكمن التطور الأول في البيانات الرقمية المستنبطة من عدد غير مسبوق من المصادر، من بينها السجلات الحكومية، وصور الأقمار الاصطناعية، والمسوحات الميدانية، بالإضافة إلى بيانات شبكة الإنترنت والهاتف، فيما يأتي التطور الآخر عبر حواسيب قوية قادرة على معالجة البيانات.
خريطة انتشار
وعن هذه الجهود، توضح عالمة الإحصاء، الدكتورة (باولا موراغا)، لموقع جامعة كاوست, والتي تتولى قيادة الفريق البحثي: “إن الخوارزميات الأساسية المتضمنة تُعدّ حوسبةً مكثفة للغاية، ففي السابق كان إعداد خريطة انتشار المرض يستغرق شهرين، أما الآن فالمهمة تُنجز في غضون خمس دقائق.” وأضافت: “لقد مكنتنا الحواسيب التي تتميز بالسرعة الفائقة من تطوير نماذج وأساليب جديدة“.
وكانت موراغا قد استخدمت تقنيات (GeoHealth) قبل انضمامها لـ «كاوست» في عام ٢٠٢٠، بهدف تقييم فعالية طرق الوقاية من مرض الملاريا في ملاوي، وكذلك التوصل إلى أفضل طرق مكافحة داء “البريميات”، وهو مرض بكتيري ينتقل عبر الجرذان، وينتشر في الأحياء البرازيلية الفقيرة. كما قامت بتصميم أطلس السرطان الأسترالي، وهو عبارة عن خريطة تفاعلية عبر الإنترنت، تكشف بدقة عالية حجم التباين في عبء المرض في جميع أنحاء البلاد.
“النقاط الساخنة”
علاوةً على ذلك، تعمل موراغا مع متخصصين في كلاً من«كاوست»، ومستشفى الملك فيصل التخصصي، ومركز الأبحاث في الرياض، لإنشاء أطلس لمرض السرطان للملكة العربية السعودية. ورغم ان معدل الإصابة بالسرطان منخفض نسبياً في وسط فئة الشباب داخل المملكة، إلا ان تشخيص المرض غالباً لا يتم إلا في مرحلة متأخرة، لذا فإن المعلومات المتوفرة حول “النقاط الساخنة” لانتشاره، والأنماط الأخرى، ستمد يد العون لعلماء الأوبئة.
كما تضطلع موراغا بمهمة أخرى تكمن في المساهمة في الحدّ من الآثار الصحية الناجمة عن تلوث الهواء من خلال تثبيت أجهزة تنقية الهواء في مساكن وقع عليها الاختيار. بعدها يقوم الفريق بفحص الحالة الصحية للمقيمين في هذه المساكن كل ثلاثة أشهر، ومن ثَم تتم مقارنتها مع المجموعات التجريبية، مثل الأشخاص الذين يعملون خارج المنزل، أو من لا يمتلكون أجهزة لتنقية الهواء داخل المنزل.
ثمة تحديات أمام هذا المشروع الطموح، منها تصميم شبكة تكون مصدراً للبيانات الموحدة من جميع البلدان المعنية، وهو ما يتطلب تدريب الأطباء والمسؤولين المشاركين، على عملية تحديد وجمع معلومات معينة.
ومن المحتمل أن تشكل عملية جمع بيانات عالية الجودة ٩٠ في المئة من جهود مجال (GeoHealth)، وهو ما تؤكده موراغا بقولها:” لديّ القدرة على تغذية النموذج الإحصائي من خلال استخدام البيانات، ولكن تكمن الصعوبة في عملية الحصول على البيانات نفسها“.
تعزيز ثقافة حفظ السجلات
ومع ذلك، فبمجرد بدء الدراسة والعمل على الشبكة التي تعتمد عليها، ستظهر الفوائد التي تعود على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما ستلعب «كاوست» دوراً رائداً في تحقيق منفعة عامة تهمّ العالم العربي بأكمله.
وتأمل موراغا أن يسهم عملها مستقبلاً في تعزيز ثقافة حفظ السجلات بشكل شامل، وفي هذا الصدد تقول: “يمكن تحديد جودة النموذج بناء على قدر البيانات التي يعتمد عليها”. وتضيف: “بمجرد أن يرى الناس قيمة مثل هذه المعلومات، فإنهم سيولون أهمية أكبر لوضعها“.