منوعات

دراسة سعودية تربط بين الارتباط الإيجابي بين الصيام وتحسين الإدراك

رغم أنّ نصائح الغذاء التقليدية تشجّع على تناول الطعام بانتظامٍ للحفاظ على صحةٍ جيدة، فإنّ الانسان القديم الذي كان يعتمد على الصيد والجمع، لم يكن لديه إمكانية الوصول المنتظِم للغذاء كما هو الحال الآن، لذلك اتخذ من الصيام آليةً للبقاء، بعد أن طوّر جسمه على مدى آلاف السنين آليات بيولوجية تمكّنه من أداء جميع وظائفه دون مصدر ثابت للجلوكوز، كما يقول العلماء.

وقد أظهرت دراسات سابقة أن الأكل باستمرار، لا يتيح للجسم الراحة بشكلٍ صحيح، لذلك فإنّ الصيام يسمح للجسم بتنظيف نفسه، واستخدام العناصر الغذائية المتبقية من وجبات اليوم السابق، ممّا يؤدي إلى عملية تسمى بـ “التحول الأيضي” (Metabolic Switching)، الذي يؤدي بدوره إلى إبطاء عمليات الشيخوخة، والحماية من الأمراض، ويعزّز فقدان الوزن لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة.

كما أظهر عدد من الدراسات أنّ للصيام المتقطع فوائد هامة للحفاظ على صحة الدماغ. فبالإضافة إلى إبطاء عملية الشيخوخة، فإنّ التبديل الأيضي يزيد من المرونة العصبية في الدماغ مما يساعد في تحسين وظائف المخ وزيادة مقاومة الدماغ للإصابة والمرض. كما يؤدّي أيضًا إلى عملية تسمى الالتهام الذاتي، والتي تعمل على درء مرض الزهايمر ومرض باركنسون .

وفي دراسة مراجعة جديدة نُشِرت مؤخرًا في دورية (European Review for Medical and Pharmacological Sciences) العلمية، قام فريقٌ من الباحثين من كلية الطب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالدمام السعودية بتسليط الضوء على الأدلة الداعمة للارتباط الإيجابي بين الصيام وتحسين الإدراك. وبحسب المؤلّفين فإنّ العديد من الأدلة، تشير إلى أنّ الصيام يؤدّي لتحسين الأداء في الاختبارات المعرفية للذاكرة والمعالجة البصرية المكانية، والتي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على منطقة الحصين في الدماغ. غير أنّ الآليات المسؤولة عن هذه التحسينات المعرفية لا تزال غير مفهومة تمامًا، على الرغم من أنّ الأدلة الحالية تشير إلى أنّ المرونة العصبية تلعب دورًا مهمًّا في ذلك.

الصيام يحسّن الذاكرة والتعلم

يقول الباحثون إنّ نتائج الدراسات الحديثة تشير إلى أنّ الصيام يحسّن الأداء في المهام المعرفية المتعلّقة بالانتباه والوظيفة التنفيذية والذاكرة. ووفقًا لدراسةٍ أجريت في عام 2008، فإنّ تقليل تناول السعرات الحرارية، نتيجة للصيام، يحسّن أداء الخلايا العصبية عبر عدة آليات مثل: تقليل الالتهاب، والإجهاد التأكسدي العصبي، ويعزز اللدونة المشبكية  (synaptic plasticity)التي هي إحدى أهم الأسس العصبية الكيميائية للتعلّم والذاكرة.

كما يمكن أن يؤدي كذلك إلى إبطاء شيخوخة الدماغ. ويتم هذا من خلال زيادة تخليق المواد الغذائية العصبية (Neurotrophins)، والتي تلعب دورًا أساسيًا في مقاومة أمراض الدماغ المرتبطة بالعمر، وفي إطالة عمر الخلايا العصبية ومقاومة الإجهاد.  وقد أظهرت دراسة نشرت في عام 2017، أنّ تقييد السعرات الحرارية المعتدل يقلّل من حدوث أمراض التنكس العصبي المرتبطة بالعمر وأعراض الاكتئاب، كما يقاوم التأثير السلبي للشيخوخة على الجينات المشارِكة في النقل العصبي(synaptic transmission)  مما يؤدّي إلى تعزيز الذاكرة بشكلٍ أفضل.

وبحسب المؤلفين، فإنّ الصيام المتقطّع يزيد من المرونة والدقة، ويقلّل الاندفاع أثناء أداء المهام التي تتطلّب استجاباتٍ سريعة ومستمرة. ففي دراسة أجرِيَت على كبار السن يعانون من ضعف إدراكي معتدل (MCI) ، ثبت أنّ الصيام المتقطع  يعزّز  من الأداء المعرفي بشكلٍ كبيرٍ في مجموعة متنوعة من المجالات مثل: تحديد الاتجاه والذاكرة والحساب والانتباه واللغة.

علاوةً على ذلك، وجد الباحثون أنّ الصيام المتقطّع يساعد في خفض سلوكيات الإدمان وتحسين ضبط النفس، إلى جانب تحسين الذاكرة العاطفية عن طريق تنشيط مناطق الدماغ المرتبطة بالعاطفة مثل: اللوزة والقشرة الأمامية المدارية والحصين. وتوصّلت دراسة أُجريت بهدف فحص التأثير الوقائي للصيام المتقطع على وظائف الدماغ لدى الفئران الصغيرة، إلى أن طبقة الخلايا الهرمية في منطقة الحصين في أدمغة الفئران قد زاد سمكها مع زيادة في بروتين شجيري يسم ” drebrin ” في القشرة الدماغية والحصين، مما يشير إلى أن الصيام يحسّن وظائف المخ في المتعلقة بالذاكرة والتعلم.

الصيام يحسن من الوظائف الادراكية

كما أن للصوم دورٌ مساعدٌ في خفض تأثير الإجهاد -الذي يعدّ أحد العوامل التي تؤثّر على الإدراك على المدى الطويل- من خلال خفض هرمون الإجهاد المعروف باسم “كورتيكوستيرون”. وأظهرت إحدى الدراسات التي تمّت على الفئران التي تعاني من نقص هرمون الاستروجين أنه يحمي كذلك من تدهور الوظيفة الإدراكية ويحسّن الذاكرة عن طريق تقوية إشارات الأنسولين في الحصين.

وأظهرت تجربة شارك فيها رياضيون مسلمون خضعوا لاختبارٍ نفسي عصبي محوسَب أثناء الصيام، أنّ الأداء المتعلق بالوظيفة الحركية والذاكرة والقدرة على التعلم كان أفضل في الصباح لكنه انخفض في وقتٍ متأخّر بعد الظهر.

ووجدت دراسة جديدة شملت 43 مشاركًا يعانون من السمنة تتراوح أعمارهم بين 35 و 75 عامًا، أنّ التغذية المقيدة بالوقت تزيد من عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، وتبطئ شيخوخة الدماغ.  كما تزيد من نشاط بعض الإنزيمات، بما في ذلك إنزيمات إصلاح الحمض النووي، مما يساعد في حماية الوظيفة الإدراكية لكبار السن عن طريق الحدّ من تلف الحمض النووي.

ويمكن للصيام المنتظِم أن يعكس الضعف الإدراكي المعتدل، بحسب إحدى الدراسات التي وجدت أن  30% من الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و 80 عامًا أظهروا تحسنًا في الذاكرة اللفظية.

من جانبٍ آخر، أوردت دراسة المراجعة أيضًا، نتائج تجربة علمية امتدت على مدى 12 أسبوعًا أجرِيت على مجموعةٍ من النساء البدينات وخُصّصت لتقييد السعرات الحرارية، وأظهرت نتائجها تحسنًا ملموسًا في ذاكرة التعرّف مع زيادة حجم المادة الرمادية في منطقة الحصين. وقد كشفت أيضًا أنّ الأشخاص الذين يعانون من السمنة لديهم انخفاض في الحجم الكلي للدماغ والمواد الرمادية مقارنةً بالأشخاص الطبيعيين، مما يشير إلى أن الصيام المتقطع يمكن أن يمنع هذا الانخفاض عن طريق خفض مؤشر كتلة الجسم.

وخلص الباحثون في هذه الدراسة إلى أن هناك أدلة علمية على أن الصيام خلال شهر رمضان يحسّن بعض الوظائف المعرفية مثل تلك المتعلقة بالذاكرة والتعلم، لكنهم يشيرون إلى أنّ هناك حاجة لإجراء دراسات حول عينات أكبر حجمًا يمكن أن تلقي مزيدًا من الضوء حول تأثير صيام رمضان على الوظيفة الإدراكية لدى الإنسان.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى