الحكيم

الطبيبة المكسيكية (ماريتشوي).. وإحياء قضايا المهمشين والمضطهدين

من العقل أن يقرأ المرء الواقع قراءة حقيقية لا يخدع بها نفسه، ولا يخدع بها أتباعه، فلا يعطي تحديات الواقع أقل من حجمها، ولا يبالغ في مقدار قوته، ومن ثم لا يسرف في أحلامه، ويحمل من وراءه بعواقب خيبات الرجاء في توقعات وآمال كبيرة لا يدعمها شيء من الواقع. لكن كل هذا لا يعني الاستسلام إلى البقاء في المياه الراكدة الآسنة لواقع مليء بما يستحق التغيير.

قد تكون هذه هي أقرب قراءة لواقع حملة السيدة ماريتشوي Marichuy (والمعروفة أيضاً باسم Maria de Jesus Patricio Martínez) في السباق الرئاسي المكسيكي، وهي الحملة التي كان يدرك أصحابها استحالة أن تحقق هدف وصولها إلى سدة الحكم في البلاد، ولم يكونوا يريدونه حقا.

ماريتشوي.. وأبعاد قضة المهمشين

ولإدراك أبعاد القصة سأعود إلى المقال الذي كتبته الباحثة والناشطة الأمريكية مكسيكية الأصل ديانا لوز موراليس Diana Luz Morales التي كتبت في 31 يناير 2018 على موقع تشيسبا Chispa تقول: كانت انتفاضة زاباتيستا – وهي مجموعة ثورية مسلحة من السكان الأصليين في ولاية تشياباس – عام 1994 معارضة واضحة من السكان الأصليين لتوسع القوى السياسية والعالمية والشركات التي سعت لإزالة السكان الأصليين من أراضيهم المجتمعية. واليوم، يواصل جيش زباتيستا للتحرر الوطني، والمجلس الوطني للسكان الأصليين، الذين عبّروا عن هذه المقاومة، الضغط من أجل حقوق الشعوب الأصلية في الكرامة باستراتيجية جديدة، عبر التشويش على الانتخابات الوطنية عن طريق مرشحهم الرئاسي الخاص.

ومن ثم، ففي 28 مايو 2017، تم اختيار ماريا دي يسوس باتريسيو مارتينيز، المعروفة أيضا باسم ماريتشوي، بالإجماع من قبل المجلس الوطني لتمثيل السكان الأصليين في انتخابات الرئاسة في عام 2018 وذلك بحضور 840 ممثل عن 60 مجتمع من السكان الأصليين في المكسيك. وماريتشوي هي إحدى النساء الممارسات للطب في ناهوا Nahua – وهي إحدى مجموعات السكان الأصليين الموجودة في كل من المكسيك والسلفادور – التي تواصل ممارسة طب الأعشاب والعلاج التقليدي في مجتمعها. وهي تمثل نساء الشعوب الأصلية في المكسيك اللواتي يعبرن عن الحقيقة والتغيير.

ولمعرفة المزيد عن ماريتشوي رجعنا إلى الويكيبيديا، والتي قالت أن ماريتشوي قد ولدت في 23 ديسمبر عام 1963، في مجتمع ناهوا في توكسبان بولاية خاليسكو الحالية. أكملت المدرسة الثانوية لغرض تكريس نفسها للحفاظ على مجتمعها من خلال دراسة الأدوية التقليدية. وبعد تعزيز هذه الأحلام أصبحت طبيبة تقليدية، ثم أسست عيادة كالي تيكولواكاتا توكان في عام 1992. يدعم المركز الصحي الذي أسسته استمرارية وتطوير الطب التقليدي التقليدي لمجتمع ناهوا.

ماريتشوي تحظى باحترام الجميع

حظيت ماريتشوي باحترام واسع منذ عام 1994، منذ مشاركتها في حركة زاباتيستا الأصلية، بالإضافة إلى كونها عضو مؤسس في المؤتمر الوطني للسكان الأصليين. حملت ماريتشوي دائما هم نساء الشعوب الأصلية، ومن ثم تحدثت في عام 2001، تحدثت مارشيه أمام مجلس الاتحاد المكسيكي حول أوضاعهم على الصعيد الوطني، وهو ما دفع المشرّعين المسؤولين بشكل مباشر وغير مباشر عن الانتهاكات المحلية لحقوق الإنسان في المكسيك لعدم الحضور الجلسة التي تحدثت فيها.

ماريتشوي وجائزة الاستحقاق

وفي مايو 2015، قام مجلس حكومة بلدية توكسبان بتسليم جائزة الاستحقاق إلى ماريتشوي، والتي تمنحها وحدة دعم مجتمعات السكان الأصليين في جامعة جوادالاخارا (UACI)، وتنسيقية الروابط والخدمات الاجتماعية في البلدية. وقد أعطيت الجائزة لماريتشوي في مجال العلوم والثقافة، لعملها في الحفاظ على الأدوية التقليدية والعشبية.

بعد اختيارها من قبل المجلس الوطني للشعوب الأصلية، قادت ماريتشوي والمجتمع الداعم لها قافلة طافت ببلدات السكان الأصليين الممثلين في المجلس، من أجل خلق الوحدة بين المجتمعات المهمشة والمضطهدة الموجودة. حيث يمثل ترشيح ماريتشوي أهمية للتعبير عن الآلاف من نساء وأبناء الشعوب الأصلية في المكسيك، بل وعبر أمريكا اللاتينية والعالم. إنها تمثل حركة متجذرة في خلق رؤية ووعي بنمط الحياة التي لم تهتم بها الحكومات المكسيكية المتعاقبة. هذه ليست حركة تركّز على النشطاء السياسيين، ولكنها بدلاً من ذلك أخرجت آلاف الشعوب الأصلية التي لم يُسمع صوتها – لتعبر عن نفسها -، وهي تعبر عن حملة مناهضة للرأسمالية تركز على الحاجة الملحة للدفاع عن الأرض الأم – رمز البيئة لدى الشعوب الأصلية – وعن نساء الشعوب الأصلية.

ماريتشوي والنضال السياسي

وكما أكد فرانسيسكو أورتيز أحد أعضاء المجلس الوطني للشعوب الأصلية فإن مصلحة المجلس ليست في الفوز في الانتخابات، ولكن في دعوة جميع المواطنين إلى تنظيم أنفسهم لتغيير الطريقة التي تتم بها ممارسة السياسة في المكسيك، وتحقيق التغيير من أسفل، بغض النظر عما يحدث في الانتخابات، وبحسب تعبيره فإن ترشيح ماريتشوي ليس اقتراحا انتخابيا، بل هو اقتراح للنضال، إنه اقتراح شامل، ليس فقط من قبل السكان الأصليين ومع السكان الأصليين، ودفاع عن كل المستغلين والمضطهدين والمتعرضين للتمييز في الأرض الخاصة به، بغض النظر عن أصولهم العرقية أو القومية وخصائصهم الثقافية.

بدأت ماريتشوي حملتها في 15 أكتوبر 2017 لجمع التوقيعات المطلوبة البالغ عددها 866 ألف و593 مناصر لحملتها في 17 ولاية خلال 120 يومًا. وقد كشفت عملية التوقيع الرقمي INE عبر الهاتف الخلوي عيوب خطيرة ترجح مصالح الناخبين الأكثر ثراء. وكما قالت ماريتشوي: “لقد وضع المعهد الوطني للإحصاء قائمة من الموديلات والطرازات الهاتفية بحيث يجب أن يكون لديك على الأقل نظام تشغيل أندرويد 5.0 أو أعلى وساعات عديدة لبدء تنزيل التطبيقات في الأجهزة، وهو أمر لا يتوافر لأغلبية سكان المناطق الفقيرة في المكسيك ومنهم الشعوب الأصلية. تقول ماريتشوي: مع هذا التمييز الطبقي، والعنصرية وتدابير الاستبعاد تدرك أن هذا النظام الانتخابي لا يصنع لهؤلاء الفقراء، وأن قوانين ومؤسسات الدولة تصنع من أجل الرأسماليين والطبقة السياسية الفاسدة.

بالطبع لم تستطع ماريتشوي استكمال جمع العدد الكافي للداعمين لها في حملتها، رغم جهود المتطوعين فيها، ومن ثم لم تدخل السباق الرئاسي الذي حسم في 1 يوليو 2018 التي فاز فيها أندريس مانويل لوبيز، لكنها استطاعت أن تصنع من أصوات الشعوب الأصلية وغيرهم من المهمشين والمضطهدين حركة، وهذا كان هدف حملتها بالأساس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى