تأثير البلاستيك على الغدد الصماء
بالتعاون مع خبراء كيميائيين من الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات International Pollutants Elimination Network (IPEN)، أصدرت مجموعة دولية من العلماء والأطباء والأكاديميين العاملين في مجال الغدد الصماء، تقريراً جديداً موثقاً بملخص للبحوث الدولية حول الآثار الصحية للمواد الكيميائية المخلّة بعمل الغدد الصماء.
ويصف التقرير الذي نشر قي مجلة جمعية الغدد الصماء The Endocrine Society، تلك الآثار الصحية المقلقة للتلوث الواسع الانتشار من المواد الكيميائية المعيقة لعمل الغدد الصماء في البلاستيك، والتي تدخل ضمن ما يعرف بالملوثات العضوية الثابتة وهي نوع من المركبات العضوية المقاومة للتدهور أو الانحلال البيئي من خلال العمليات الكيميائية والبيولوجية والتحلل الضوئي.
وقد لوحظ أن هذه الملوثات تستمر في البيئة وذلك بسبب قدرتها على الانتقال البعيد المدى، وتتراكم في الأنسجة البشرية والحيوانية، ولها تأثيرات هامة محتملة على صحة الإنسان والبيئة.
ووفقا للتقرير فأنه ضمن هذه المواد الخطرة هناك المواد البلاستيكية التي تحتوي على مواد كيميائية خطرة تتسرب منها مواد كيميائية مسببة لاضطرابات الغدد الصماء، تعرف باسم المواد الكيميائية المعطلة للغدد الصماءEndocrine- Disrupting Chemicals EDCs، وهي مواد كيميائية تتداخل مع عمل أنظمة الغدد الصماء (أو الهرمونات) في جرعات معينة.
ويمكن أن تسبب هذه المواد الأورام السرطانية، والعيوب الخلقية، واضطرابات النمو الأخرى، ولذلك فإن أي نظام في الجسم يتم السيطرة عليه بواسطة نظام الغدد الصماء يمكن أن يخرج عن مساره بسبب هذه المواد، وعلى وجه التحديد قد تترافق اضطرابات الغدد الصماء مع صعوبات التعلم، واضطراب نقص الانتباه الشديد، ومشاكل النمو المعرفي للدماغ، وكذلك تشوهات الجسم (بما في ذلك الأطراف)، وسرطان الثدي، وسرطان البروستاتا، وسرطان الغدة الدرقية وغيرها من أنواع السرطان، وكذلك مشاكل النمو الجنسي مثل اكتساب الذكور للصفات الأنثوية أو اكتساب الإناث للصفات الذكرية وما إلى ذلك.
وكانت جمعية الغدد الصماء قد أصدرت مؤخراً بياناً عن المواد الكيميائية التي تعطل الغدد الصماء، والتي تتضمن تحديداً السمنة، والسكري، والسرطانات الحساسة للهرمونات الأنثوية، وسرطان البروستاتا في الذكور، وسرطان الغدة الدرقية، كما يتأثر التطور العصبي والأنظمة العصبية الصماء بسبب التعرض لهذه المواد.
وأشار التقرير إلى أن المواد الكيميائية التي تتسرب من البلاستيك والتي تهدد صحة الإنسان تضم مائة وأربعة وأربعون مجموعة كيميائية أو مجموعة كيميائية معروفة بأنها خطرة على صحة الإنسان تُستخدم بنشاط في البلاستيك لوظائف تتراوح من النشاط المضاد للميكروبات إلى الملونات، ومثبطات اللهب Flame Retardants ، والمذيبات، ومثبتات الأشعة فوق البنفسجية , UV-stabilizers ، والملدنات، بالإضافة إلى ثنائي الفينول والمواد الكيميائية ذات الصلة، والفثالات Phthalates ، والمواد البولي فلوروكيل متعدد الفلور Polyfluoroalkyl Substances (PFAS)، والديوكسينات Dioxins ، والمعادن السامّة مثل الرصاص والكادميوم Cadmium.
وأضاف التقرير بأن مثل هذه المواد الخطرة تشمل على نطاق واسع مواد التعبئة والتغليف، والبناء، والأرضيات، وإنتاج الأغذية والتغليف ، وأدوات الطهي، والرعاية الصحية، ولعب الأطفال، والسلع الترفيهية، والأثاث، والإلكترونيات المنزلية، والمنسوجات، والسيارات ومستحضرات التجميل.
وحول أخطار التعرض لمثل هذه المواد وتأثيرها على الغدد الصماء، قالت الدكتورة بوليينا دامديموبولوPauliina Damdimopoulou من معهد كارولينسكا في ستوكهولم Karolinska Institutet ، والمؤلفة المشاركة في هذا التقرير: “إن التعرض للمواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء ليس فقط مشكلة عالمية اليوم، ولكنه يشكل تهديدًا خطيرًا للأجيال القادمة”.
وتضيف الدكتورة بوليينا: “عندما تتعرض المرأة الحامل لمثل هذه المواد الكيميائية الخطرة، يمكن أن تؤثر على صحة جنينها وأطفالها بل ويمكن أن يتوارث أحفادها أمراض اضطرابات الغدد الصماء في نهاية المطاف”.
وتظهر الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن هذه المواد يمكن أن تسبب تعديلات في الحمض النووي لها تداعيات عبر أجيال متعددة.
ومن ناحية أخرى، طالب خبراء الملوثات العضوية الثابتة Persistent organic pollutants POPs المجتمع الدولي إلى تبني سياسة عامة فعّالة لحماية الصحة العامة والحدّ من المواد الكيميائية المخلّة بعمل الغدد الصماء، والتي أصبحت تُعَدّ مشكلة صحية دولية، إذ أنها تغمر شحنات النفايات البلاستيكية السامّة من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة بعد أن تزايد وتسارع الإنتاج الحالي للبلاستيك والذي من المتوقع أن يزداد بنسبة 30-36% في السنوات الست المقبلة.
وفي هذا الصدد قال المؤلف الرئيسي للتقرير الدكتور جودي فلوز Jodi Flaws، من جامعة إلينوي: إن العديد من المواد البلاستيكية التي نستخدمها يوميًا في المنزل والعمل تعرضنا لمزيج ضار من المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات الغدد الصماء وبالتالي فأن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات حاسمة على المستوى العالمي لحماية صحة الإنسان وبيئتنا من هذه التهديدات”.
المصدر: منظمة المجتمع العلمي العربي