العالم المصري “رشدي راشد”.. رائد تاريخ علوم الرياضيات وفلسفتها في العصور الوسطى للبلاد العربية والإسلامية
الدكتور “رشدي راشد”, عالم رياضيات مصري، وفيلسوف ومؤرخ. من مواليد عام 1936. ولد فى حى الحسين وبدأ دراسته في مدرسة الجمالية الإبتدائية، في أحد أحاديثه عن مسيرته يقول أن تعليم اللغة الأجنبية كان يبدأ من سن الثامنة! بعد المدرسة الإبتدائية إلتحق بمدرسة فاروق الأول الثانوية بالعباسية (في تلك الأيام كانت الإبتدائية تتبعها خمس سنوات من الثانوية ودون مرحلة إعدادية)، نجد هنا أن نشأة الدكتور رشدي رشاد فى حى الحسين والعباسية ساهمت في تكوين وعيه وتوجيهه لدراسة المرحلة الذهبية العلمية للعالم العربي والإسلامي.
حصل الدكتور راشد على ليسانس الفلسفة من جامعة القاهرة (في العشرين من العمر) وكان محباً للرياضيات ولكنه إتجه إلى الفلسفة (مع مواظبته على حضور محاضرات في الرياضيات أيضاً) للإجابة على تساؤلات ميتافيزيقية كانت تطرأ على ذهنه (حسب قوله) لذلك عندما سافر إلى فرنسا للدراسة وكان في ذلك متأثراً بالدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم حصل من هناك على ليسانس الرياضيات ودكتوراه الدولة في تاريخ الرياضيات وتطبيقاتها.
أثناء دراسته الجامعية حسن وطور لغته العربية على يد محمود شاكر علامة اللغة العربية آنذاك وفي نفس الوقت كان يستعير كتب الفلسفة من محمود أمين العالم وكل من المحمودين فتحا لهذا الصبي مكتبتهما لينهل منهما ما يرد وهو كان صغير السن وقتها (16 عاماً).
وتعلم فى جامعة القاهرة وسافر فى بعثة إلى باريس منذ عام 1956م ويعيش فيها إلى الآن. يعمل أستاذًا بجامعة باريس ديديرو وعدد من جامعات العالم. عضو الأكاديمية الملكية للعلوم والآداب والفنون الجميلة في بلجيكا. حصل على البكالوريوس في الفلسفة من جامعة القاهرة، والبكالوريوس في الرياضيات ودكتوراه الدولة في تاريخ الرياضيات وتطبيقاتها من جامعة باريس.
بعد إنتهاء الدكتور راشد من الدكتوراه عمل باحثاً في المركز القومي للبحث العلمي في باريس ثم تدرج في المناصب من مدير وحدة الإبستيمولوجيا (علم يدرس نظريات المعرفة) وتاريخ العلوم حتى أصبح أستاذاً في جامعة باريس ديدورو (Paris Diderot University) وتُعرف أيضاً باسم جامعة باريس 7 وأستاذاً بجامعة طوكيو في اليابان وأستاذاً زائراً بجامعات عديدة في مختلف أنحاء العالم (منها جامعة المنصورة عندنا في مصر) بالإضافة إلى إدارته لمركز تاريخ العرب العلمي في العصور الوسطى وفلسفتها حتى عام 2001 بباريس… والعديد من المناصب العلمية والشرفية التي يضيق المكان هنا عن ذكرها كلها بالإضافة إلى إدارة تحرير مجلات عديدة ومرموقة في تاريخ العلوم العربية مثل مجلة “العلم والفلسفة العربية: مجلة تاريخية” (Arabic Sciences and Philosophy: a historical journal) تصدر عن دار نشر جامعة كيمبريدج وسلسلة تاريخ علوم عند العرب والتي تصدر من بيروت كما أشرف على إصدار موسوعة تاريخ العلوم العربية التي صدرت في طبعتها الأولى في لندن ونيويورك عام 1996 … وغيرهم الكثير.
تم تعيينه بالمركز القومي للبحث العلمي في باريس، وأصبح مديراً للأبحاث من الطبقة الممتازة وإدار وحدة الابستيمولوجيا وتاريخ العلوم الدقيقة وقسم الدكتوراه في فلسفة العلوم وتاريخها.
حقق الدكتور “رشدي راشد” كتب علماء العرب الرياضيين وترجم المخطوطات العربية إلى الفرنسية وشرحها تاريخيًا وفلسفيًا ورياضيًا وعلق عليها. كما أعاد إحياء تراث ابن الهيثم والخوارزمي والكِندي وعمر الخيام والسموأل وقدم عنهم حقائق تاريخية لم تكن معروفة من قبل.
مواقفه السياسية
يتخذ الدكتور رشدي راشد موقفا نقديا صارما من كل من الفكر الناصري وفكر “الإسلام السياسي”. وهو ينقد الفكر الذي قام في المرحلة الناصرية بدءا من عام 1952 لسبب أساسي هو كبت الحريات. ويقرر بأنه قد قرر عدم العودة لهذا السبب. كما يرى أن ذلك هو السبب الأساسي في حدوث كارثة 1967. يعبر عن ذلك في حوار مع جريدة المصري اليوم (2009) كما يلي،
كان هذا هو المناخ العام فى مصر، ليبرالية فكرية وسياسية، انتهت ملامحها مع النظام الجديد الذى جاء فى يوليو ١٩٥٢ والذى تنبأت منذ وصوله بأنه سيزيد الأمور سوءاً، رغم أننى لا أشكك فى وطنية أى من رموزه، ولكن الوطنية شىء والسياسة شيء آخر.
لم يكن فى بالى وقتها أن أستقر بعيداً عن مصر، ولكن الله منحنى هبة احترام العقل، وتقدير مسؤولية وأمانة الكلمة، وحدث فى العام ١٩٥٩ أثناء اجتماع لنا فى السفارة المصرية أن كان الحديث عن الوحدة بين مصر وسوريا، فأخذت الكلمة وأكدت أن الوحدة ليست استعماراً، وأن ما بين مصر وسوريا مآله الزوال حتى لو استمر لبعض الوقت.
بالطبع غضب نظام عبد الناصر وبخاصة أنه كان من بيننا كمبتعثين، من يكتب التقارير لأجهزة الأمن فى القاهرة، وبالمناسبة منهم من يتبوأ الآن مناصب عليا فى الدولة، فجاء قرار إلغاء بعثتى، وحاولوا أخذ جواز سفرى، لكننى رفضت وأكملت الدراسة على حسابى، سافرت إلى ألمانيا وعملت كمعيد بجامعة «همبولدت» فى برلين لمدة عام ونصف تقريباً، ولكننى لم أتحمل مناخ الحياة هناك فرجعت إلى فرنسا وأنهيت رسالة الدكتوراه.
وفى العام ١٩٦٥ نظمت القاهرة مؤتمراً للمبعوثين فى فرنسا، جاءت دعوتنا للحضور إلى مصر ولقاء الرئيس عبد الناصر الذى منحنا الأمان فى السماح لنا بالعودة لفرنسا إن أردنا. فتحدث عبد الناصر، مؤكداً قوة مصر السياسية والعسكرية وغير هذا من الأمور، يومها شعرت أنه لا وجود لفكر المواطن سواء أكان مثقفاً أو غير مثقف.
فكان قرارى بالعودة لفرنسا، حيث خيرت بين العمل فى المركز الفرنسى القومى للبحوث، أو العمل فى السوربون، وقتها كان لايزال لدى تفكير فى الرجوع لمصر، فاخترت العمل فى مركز البحوث، لتكون العودة أسهل. ولكن مع وقوع نكسة ٥ من يونيو سنة ٦٧ كان قرارى بالبقاء هناك. وزاد يقينى به بعد كارثة الانفتاح التى أتت على الأخضر واليابس. فكان قرار اللاعودة.. (حوار مع المصري اليوم، 10 مايو 2009)
فلسفة الدكتور رشدي
جوهر الفكر الفلسفي للدكتور رشدي راشد هو فلسفة التاريخ وفلسفة العلم، والعلاقة الفلسفية بينهما. والرابط بين هذين الجانبين هو المنطق والرياضيات. فالتاريخ هو أحد موضوعات الفلسفة، وفي ذات الوقت هو أحد موضوعات العلوم الاجتماعية. وبصفته فلسفة يخضع للعقلانية وللتنظير الفلسفي، ويرتبط من حيث كونه كذلك بفهمنا لفكر الحداثة وللمستقبل الإنساني. وبصفته علما يخضع لفلسفة العلم ولتطبيق المنهجيات العلمية الحديثة. والأداة المنهجية الأساسية في الفلسفة الحديثة هي المنطق، في حين أن الأداة المنهجية الأساسية للعلم الحديث هي الرياضيات، لذلك يجب أن يخضع التاريخ بصفتيه الفلسفية والعلمية للمنطق والرياضيات.
يعتمد الدكتور راشد في فهمه وتحليله للتاريخ على فكرة “التقاليد” “tradition“، فالتطورات التاريخية، من الناحيتين الفلسفية والعلمية، تعتمد على ظهور تقاليد فلسفية وعلمية جديدة تؤشر على ظهور هذه التطورات وانتهائها. لذلك يعتمد تحليله التاريخي من الناحيتين الفلسفية والعلمية ليس على المقارنة الصورية للنماذج التاريخية المختلفة، وإنما على التحليل المجتمعي التفصيلي للظروف المصاحبة لظهور التقاليد التاريخية المختلفة. لذلك يمكن القول بأن التحليل التاريخي للدكتور راشد ينتمي بشكل أساسي إلى مجال علم اجتماع المعرفة الذي يربط بين الوقائع والشروط الاجتماعية والتاريخية وبين نشوء وتطور المعرفة العلمية.
وقد طبق الدكتور راشد وطور هذا المنهج على ظهور وتطور العلم العربي/الإسلامي القديم، وعلى بيان علاقته التطورية بالعلم اليوناني السابق عليه والعلم الغربي الحديث اللاحق له. وأمكن له بواسطة هذا المنهج أن يكشف عن الطبيعة الخاصة للعلم العربي/الإسلامي وللمجتمعات العربية/الإسلامية التي أنتجته وكيفية تميزه عن العلوم السابقة واللاحقة عليه. كما أمكن له أن يثبت نوعا من الاستمرارية والتطور في الفكر العلمي عموما، وفي العلاقة بين الفكر العلمي العربي/الإسلامي القديم والفكر العلمي الحديث خصوصا. وهو ما غير من نظرة المجتمع العلمي الإنساني المعاصر لتاريخ العلم وللعلاقات المجتمعية المؤدية إلى نشأة العلم، وأدى كذلك إلى احتلال العلم العربي/الإسلامي القديم مكانا أساسيا فيه.
المشروع الفلسفي
على هذا الأساس يتكون المشروع الفلسفي للدكتور راشد من شقين، مشروع عام يعبر عن المستوى العمومي لهذا الفكر، ومشروع خاص يعبر عن التطبيق التاريخي له. المشروع العام هو صياغة التصورات النظرية لكيفية تطبيق الرياضيات على العلوم الاجتماعية عموما والتاريخ خصوصا. أما المشروع الخاص فهو تطبيق لهذه التصورات على تاريخ العلم العربي/الإسلامي القديم.
في مناقشة جاءت في مقدمة كتاب بعنوان “من زينون الإيلي إلى بوانكرييه: مجموعة دراسات مهداة إلى رشدي راشد”، عام 2004، يشرح الدكتور راشد تصوراته عن مشروعه العام كما يلي،
عندما أتيت إلى باريس، كان هناك أستاذين يعلمان في السوربون المنطق وفلسفة العلم، رينيه بوارييه “René Poirier” و جورج كونجيلام “Georges Canguilhem“. قمت بتسجيل موضوع البحث مع رينيه بوارييه، فقد أردت أن أعمل على موضوع كان في صيغته الأولية، “موضوعية القوانين السوسيولوجية”، والذي تحول بعد ذلك، ليكون حول ترييض المذاهب غير الصورية “la mathematization des doctrines informes“. بعد سنتين، أقنعني أحد أصدقائي بأن أذهب إلى “معهد تاريخ العلم”، هذا كان عام 1959، حيث بدأت عملي مع جورج كونجيلام حتى سفري إلى ألمانيا.
المؤلفات:
وضع رشدي راشد أكثر من 30 كتاباً.
- تاريخ الرياضيات العربية
- علم المناظر وعلم انعكاس الضوء
- الجبر والهندسة في القرن الثاني عشر: مؤلفات شرف الدين الطوسي
- علم الهندسة والمناظر في القرن الرابع الهجري (ابن سهل – القوهي – ابن الهيثم)
- تاريخ الرياضيات العربية: بين الجبر والحساب
- “موسوعة تاريخ العلوم العربية”، مركز دراسات الوحدة العربية ومؤسسة عبد الحميد شومان، 1996.
- حقق كتاب “الباهر في الجبر ” للمسؤول المغربي مع الدكتور صلاح الأحمد.
- أعمال الكندي العلمية
جوائز وتكريم
- ميدالية CNRS (Centre national de la recherche scientifique) من فرنسا عام 1977 .
- ميدالية فارس الشرف (Knight of the Honour Legion). أيضاً من فرنسا عام 1989 .
- ميدالية الأكاديمية الدولية لتاريخ العلوم (ميدالية ألكسندر كويري) عن أعماله عام 1990.
- وميدالية بن سينا الذهبية من اليونسكو عام 1999 .
- وجائزة الكويت للتقدم العلمي سنة 1999 .
- جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية لعام 2007.