(أنا غازي ولدت وعشت, وأنا غازي وأرحل وأنا غازي.. أنا ككل العرب والخليجيين, أحمل الصحراء والبحر فى أغوار عقلى الباطن, أحمل هذا التراث الشاسع من الغيلان والسحالى والسراب والواحات كما أحمل أساطير السندباد ورحلات ابن ماجد. هذا التاريخ المثير من أسماك القرش واللؤلؤ, وتجار اللؤلؤ.. نشأت فى مزيج من الثقافات وأستطيع أنا أتكلم باللهجة الحجازية بطلاقة.. كما أستطيع عن اتكلم اللهجة النجدية واللهجة التى يتكلم بها أهل المنطقة الشرقية لأننى كنت أسمع كل هذه اللهجات فى البيت, لاشك أن قدري المهني كان معقداً بعض الشئ.
هل تعرف شاعراً لدية خبرة واسعة في التدريس الجامعي وتشغيل القطارات وإدارة الموانئ والتسويق الصناعي وشبكات توزيع الكهرباء والطب الوقائي والحصانات الدبلوماسية؟.
حاولت فى كل موقف صغيراً كان أو كبيراً أن أكون مع التنمية وضد التخلف.. مع الحرية وضد التسلط, إلا أن الخيار نادراً ما كان بين الأبيض والأسود, كانت هناك درجات مختلفة من الظلال, ومحصلة تجربتي الطويلة فى الخدمة المدنية, جملة واحدة لا أمل من تكرارها: “التعليم بكل وجوهه, النظرية والتدريبية والعملية هو مفتاح التقدم, وما عداه باطل الاباطيل وقبض الريح”.
وسواء كنا نتحدث عن الدبلوماسية أو الوزارة أو عن الصداقة والحب أو عن الحياة عموماً, أنت لا تأخذ إلا بقدر ما تعطي.
وأخيراً: أسمح لنفسي هنا أن أتوقف لأقول أننى أتصور أن داخل كل إنسان عدة شخوص وأن الحياة الغنية هى التى تعطي كل شخص موسمه).
بتلك الكلمات سطر الشاعر العربي الكبير غازي القصيبي (1940م- 2010م) مختصر حياته وسيرته الذاتية.
هو “غازي عبد الرحمن القصيبي”، شاعر وأديب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي، قضى سنوات عمره الأولى في “الأحساء” ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها، بل كان يريد دراسة القانون الدولي في جامعات أخرى من جامعات أمريكا، وبالفعل حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة ولكن لمرض أخيه نبيل اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا وبالتحديد في لوس أنجلوس ولم يجد التخصص المطلوب فيها فاضطر إلى دراسة العلاقات الدولية أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه حياة في الإدارة.
بيئة مشبعة بالكآبة
ولد القصيبي “في بيئة مشبعة بالكآبة”، تمامًا كما يرسمها بنفسه. فجده لأمه رحل عن الدنيا قبل ولادته بأيام، وأمه رحلت بعد تسعة أشهر من ولادته. يروي: “ترعرعت متأرجحًا بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة (كان الخروج إلى الشارع محرّمًا على سبيل المثال)، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)”.
هكذا، نشأ القصيبي بين مطرقة السلطة الأبوية القاسية وسندان الجدة الحنون. وهكذا عاش بين ضفتين أينما ذهب، وهذا يمكن أن يكون عامل نجاحه في مناصبه كلها: شديد كالرمح، رؤوم كالأم.
غازي عبد الرحمن القصيبي كان سياسي ليبرالي، دبلوماسي، بروفيسور، محامي، أديب روائي وشاعر سعودي، يعد من بين كبار التكنوقراطيين في المملكة العربية السعودية، شغل العديد من الوظائف الهامة في الدولة، كما قدم أعمال أدبية متنوعة جعلته من أهم الأدباء السعوديين. تعرف على السيرة الذاتية الإنجازات والحكم والأقوال وكل المعلومات التي تحتاجها عن غازي بن عبد الرحمن القصيبي.
رجال في رجل
يقول الكاتب والأكاديمي البحريني المختص في العلاقات الدولية، عبدالله المدني، في القصيبي إنه يختلف عن غيره من مبدعي وأعلام الخليج في نواح عديدة، “إذ يمكن اعتباره مجموعة من الشخصيات المثيرة اندمجت في شخصية واحدة جذابة متميزة بالتواضع الجم والكرم اللامحدود والانفتاح على الجميع.. شخصية أدهشت الناس بقدرتها الفذة على العمل في أكثر من حقل من حقول المعرفة، وأثبتت علو كعبها لجهة خوض السجالات والمعارك الفكرية المحركة للمياه الراكدة والمنتجة لرؤى إنسانية جديدة. أضف إلى ما سبق وطنيته النادرة وولاؤه العميق ونزاهته المشهودة وخدماته الكثيرة لوطنه وبني دينه وعروبته”.
يضيف: “أستطيع أن أقول جازمًا، بحكم علاقة الصداقة التي ربطتني بالراحل الكبير بسبب تشابه الأفكار والرؤى من ناحية، وتقاطع تخصصه الأكاديمي وبعض جوانب سيرته الدراسية واهتماماته في سنواته المبكرة مع سيرتي واهتماماتي وتخصصي من جهة أخرى – رغم فارق السن والمقام بطبيعة الحال- أن القصيبي لم يكن يرد أحدًا يطرق بابه. بمعنى آخر، حرص حتى آخر يوم في حياته، وفي حدود صلاحياته ونفوذه وعلاقاته، أن ينتصر للمظلوم والمكلوم، وأنْ يرسم الابتسامة على الشفاه التي تعذبت جراء غرور موظف متعجرف، أو لائحة بيروقراطية مقيتة، أو فساد مسؤول حكومي، وأن يساعد بالنصيحة والرأي السديد والتوجيه كل إنسان طموح يسعى إلى تحقيق حلم ما.”
إنجازات القصيبي
بعد حصوله على إجازة في القانون من جامعة القاهرة تولى أول مهامه على الصعيد المهني، حيث عاد إلى السعودية واحتل منصب أستاذ مساعد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في الرياض عام 1965،
كما عمل منذ بداياته كمستشار قانوني في مكاتب استشارية في وزارة الدفاع والطيران، وزارة المالية ومعهد الإدارة العامة،
نال غازي القصيبي منصب عميد كلية التجارة في جامعة الملك سعود عام 1971 بعد حصوله على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن، ثم مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية في 1973،
أسس خلال تلك الفترة علاقات قوية مع الأسرة الحاكمة وخاصة مع الأمير نايف والأمير فهد اللذان مهدا دخوله لمجلس الوزراء عبر تشكيلته الجديدة لعام 1975،
كانت أولى المناصب الرفيعة التي تولاها القصيبي تسلمه لوزارة الصناعة والكهرباء عام 1976، ثم وزير الصحة في 1982، قدم فيها العديد من الإنجازات الهامة في تاريخ المملكة وقد ساعده على ذلك التسهيلات الملكية، إلى أن تعرض للفصل بسبب مواجهته لشركة رفيق الحريري وعلاقته بالأمير فهد بقصيدة “القلم تم بيعه وشراؤه”، بعد فصله انتقل للبحرين وبناءً على رغبته أصبح غازي سفيرًا للسعودية لدى البحرين في 1984، تلاها سفيرًا للسعودية لدى بريطانيا في 1992، ليعود إلى المملكة من السلك الدبلوماسي إلى مجلس الوزراء وزيرًا للمياه والكهرباء عام 2003، ثم وزيرًا للعمل عام 2005، بين إلقاء المحاضرات التعليمية، السياسة والسلك الدبلوماسي برز غازي القصيبي كأهم الأدباء السعوديين، فعلى الرغم من تنوع مهامه وتعددها كان للأدب المكانة الأهم لديه، حيث لجاء لدواوين الشعر والروايات التي تجاوزت الستين مؤلفًا، التي قدمها لتعبر عن مواقفه ومشاعره وآرائه على كافة الأصعدة، يبرز منها الوجه السياسي الذي كان يعارض بعض الأحيان السياسات السعودية وهو من الأمور الغير مسبوقة في المملكة، أهم ما قدم الأديب القصيبي من أعمال روائية: شقة الحرية، حياة في الإدارة، العصفورية، سعادة السفير، الجنية، العودة سائحًا إلى كاليفورنيا، حكاية حب، وآخرها نشرت بعد وفاته بفترة وجيزة هي أقصوصة الزهايمر،
كما برز له من دواوين شعرية “الشرق والصحراء” الذي قام بتقديمه شعرًا باللغتين العربية والإنجليزية الصادر في 1971، وديوانه الثالث “معركة بلا راية” الذي تعرض للكثير من الاعتراض والنقد بحجة انتهاكه للدين والحكم.
كذلك قام بترجمة أحد أعمال الكاتب إيريك هوفمان إلى العربية بعنوان “المؤمن الصادق”، وقدم إسهامات الهامة وعديدة في المجال الصحفي من مقالات تنموية وسياسية.
كما ساهم بشكل بارز في الأعمال الخيرية والاجتماعية ولعل أبرز ما قدمه في المجال الإنساني هو تأسيس جمعية خيرية للأطفال المعاقين لأول مرة في المملكة، وعمل دون مقابل مادي لآخر 30 سنة من حياته.
نظرًا لمسيرة القصيبي الحافلة بالإنجاز والمراكز المفصلية في المملكة السعودية حاز على اعترافات وألقاب عديدة، كوسام الكويت للطبقة الممتازة 1992، ووسام الملك عبد العزيز السعودية وغيرها.
كما أن القصيبي غير كثيرًا من ملامح الأدب الخليجي على الصعيد السياسي خصوصًا، عد على أثرها أهم أدباء المملكة السعودية ومن أكثرهم تأثيرًا.
الزواج
تزوج غازي القصيبي من امرأة ألمانية الأصل نشأت في البحرين، ولهما فتاة وثلاثة صبية.
وفاة القصيبي
أجرى القصيبي عملية جراحية في الرياض كشفت إصابة متقدمة بسرطان القولون الذي أدى إلى وفاته في 15 أغسطس من عام 2010 عن عمر ناهز السبعين عامًا.
نشر له بعد وفاته أقصوصة الزهايمر وتم تأسيس جائزة تمنح كل سنتين باسمه للشركات الصغيرة والمتوسطة برعاية مؤسسة الأمير الوليد بن طلال العالمية.