ريادة

نبيل الموجي.. العلم والبيزنس في خدمة “الهوهوبا”

سمعت عنه لأول مرة من الدكتور طارق قابيل أستاذ التكنولوجيا الحيوية المساعد في كلية العلوم، بهرتني قصته، فقررت زيارته، تم ترتيب اللقاء بشكل سلس، ومن ثم كانت الزيارة، وقد بدت لي التجربة جديرة بالكتابة والتأمل.

إنها تجربة رجل أعمال مصري صميم، لم ولن يقتحم ميدان السياسة، ولا ولن يحتكر سلعة أو معرفة، بل كرس حياته وحياة شركته وأعماله لنشر الوعي بالنبات الذي يرى فيه أمل مصر، وهو تنمية الصحراء، ويرى في النموذج المتكامل للتنمية الذي يقدمه ما يغنيه عن أضواء السياسة ومزالقها.

إنه الأستاذ نبيل الموجي بطل حكاية “الهوهوبا” المصرية، الذي يقدم نموذجا يحتذى لرجل الأعمال ودوره في التنمية من خلال عمله ومشاريعه.

النموذج وبداية الحكاية

خلاصة هذا النموذج هو تكامل الزراعة والصناعة والتجارة، وفوق ذلك، وهو الملمح الأبرز، البحث العلمي، وذلك عبر نبات “الهوهوبا”.

أما الحكاية فيرويها على موقع “الشركة المصرية للزيوت الطبيعية”: كانت البداية في شتاء عام 1984 أثناء رحلة عمل في مجال الكمبيوتر، حيث قرأت في إحدى المجلات الأمريكية خبرا صغيرا مفاده أن مصر استوردت عام 1980, 40 % من احتياجاتها الزراعية، ومن المتوقع أن تزيد النسبة عام 2000 لتصبح 80 % شعرت ساعتها بألم لتقديرات هؤلاء الخبراء وقررت أن أستثمر في مجال الزراعة في مصر، ثم كان أن قرأت يوم الثلاثاء 7/5/1985 مقالا في إحدى الصحف العربية عن زراعة الصحراء، حيث ذكر كاتبه أننا كعرب نشتكي من أن أغلب أراضينا صحراء قاحلة والمياه قليلة، بينما هناك نباتات تناسبها هذه الظروف وعائدها مجز جدا، وعلى رأسها شج يرة “الهوهوبا”، والتي يصل عائد الفدان منها إلى خمسين ألف دولار سنويا، ومنذ هذا التاريخ بدأت رحلتي مع “الهوهوبا”.

التجربة وعناصر النجاح

أما ملامح الرحلة والتي تتبلور فيها عناصر النجاح فهي كما يلي:

-جمع المعلومات العلمية: بدأت في تجميع معلومات عن الهوهوبا، فقمت بالاشتراك في المجلة العلمية للهوهوبا، كما قمت بالاشتراك في جمعية منتجي الهوهوبا وجمعت كل الأبحاث الخاصة بالهوهوبا، سواء الخاصة بالزراعة أو الاستخدامات والتطبيقات الخاصة به، واكتشفت أنه تعقد مؤتمرات دولية دورية عن الهوهوبا، وفي أوائل عام 1990 قمت بزيارات خارجية للوقوف على زراعات الهوهوبا في دول العالم المختلفة، وكانت محصلة الزيارة والمناقشات العلمية مع الخبراء في مختلف الدول، أنه لإدخال زراعة الهوهوبا إلى دولة معينة يجب تجربتها أولا على نطاق محدود لمدة زمنية من أربع إلى ست سنوات للتأكد من مدى ملاءمتها للظروف المناخية والبيئية للدولة، وللوصول إلى أفضل المعاملات والسلالات من أشجار الهوهوبا بعد زراعتها بالبذور، حيث إنه لا تتوافر شتلات ناتجة بالإكثار الخضري ومنتخبة من أمهات عالية الإنتاج للوصــول إلى أفضل الشجيرات (الأمهات) التي يمكن أن تكون أساسا للتوسع في زراعة الهوهوبا.

جمع المعلومات الميدانية: في نهاية عام 1988 حضرت محاضرة لوكيل وزارة الزراعة في هذا الوقت، وكانت حول الزراعة في الأراضي الجديدة، وكان ملخصها أن أول تجربة للزراعة في الوادي الجديد فشلت تماما لأن الأراضي الجديدة تحتاج إلى فكر جديد، ولا يمكن نقل فكر الوادي القديم إليها، وسألته عن الهوهوبا، فأبلغني أن منظمة الأغذية والزارعة بها مشروع كبير لإدخال شجيرة الهوهوبا في الشرق الأوسط، ومسئول البرنامج في مصر هو الدكتور البرقوقي، فاتصلت به، وأثناء حديث لي معه عام 1990 سألته لماذا لم يتم زراعة الهوهوبا في مصر؟ فأبلغني بأن القطاع الخاص ليس على استعداد لزراعة نبات لا يعرف ماذا سيفعل بمحصوله، كما أن الجهات الحكومية تفضل زراعة القمح والذرة على الهوهوبا، فسألته: ولكن كيف ستتقدم مصر وتتطور الزراعة والتصنيع الزراعي بها والجميع يخشى الجديد في الزراعة؟ وحينما أبلغته برغبتي في زراعتها والعمل على نشرها كان رده: “الله يعينك ويوفقك على هذا الحمل الثقيل”.

المبادرة : وعلى هذا الأساس قمت بشراء مزرعة في الإسماعيلية مساحتها 22 فدانا تروى بمياه آبار بها نسبة ملوحة متوسطة، وعرضت نتائج تحليل التربة والمياه على الدكتور البرقوقي، وأبلغني بمناسبة الهوهوبا لهذه التربة والمياه، وبعد استخارة الله قمت بتقسيم أرض المزرعة إلى أربع قطع، كل قطعة مساحتها حوالي خمسة أفدنة، وفي أوائل عام 1991 زرعت مساحة خمسة أفدنة بالهوهوبا عن طريق البذور، وتم زراعة نخيل حولها بهدف معرفة مدى مناسبة التربة والجو في مصر للهوهوبا وكذلك للوصول إلى أفضل الشجيرات المنتجة للبذور، والتي عن طريق الإكثار بالعقل يمكن توفير شتلات لنشر زراعتها في مصر، وزرعت بباقي مساحة المزرعة نخيلا وزيتونا وعنبا على أساس أن الهوهوبا في حالة نجاحها سأستفيد منها وأنشر زراعة جديدة في مصر، وفي حالة عدم نجاحها يتم الاعتماد على النخيل والزيتون والعنب، فقناعتي هي أن مجتمعنا لن يتقدم دون أن نقدم له الجديد، وخاصة في مجالي الزراعة والتصنيع الزراعي.

التجربة والملاحظة: ومنذ بداية عام 1991 وأنا أتابع نمو الهوهوبا، حيث ثبت لي خلال السنوات الماضية أنه من أنسب النباتات للزراعة في الصحراء المصرية لاحتياجه القليل للمياه وقدرته ال كبيرة على تحمل العطش لفترة يمكن أن تصل إلى عدة أشهر، وتحمله للملوحة حتى 000ر10 جزء في المليون، وقلة حاجته للرعاية من ناحية التسميد والتقليم والخدمة، وندرة إصابته بالأمراض وقلة حاجته للرش الوقائي أو العلاجي، ومناسبة جو الصحراء المصرية له، حيث يحتاج للحرارة صيفا و برودة لا تصل لدرجة التجمد شتاء، وإنتاجه آمن، بمعنى أنه لا ينتفع به غير المتخصصين، فلذلك لا يحتاج إلى حراسة، ويمكن جمع الإنتاج فور نضجه أو بعد ذلك بفترات طويلة عند توفر العمالة اللازمة للجمع، كما يمكن تخزين المحصول لفترات طويلة.

هوهوبا من خلال العقل المنتخبة من شجيرات مؤنثة عالية الإنتاج لتوفير الشتلات اللازمة البناء على نتائج التجربة: وفي عام 1994 قمت بإنشاء مشتل في المزرعة لإنتاج شتلات للتوسع في زراعة الهوهوبا واكتساب الخ برة اللازمة لإنتاجها، وبحمد الله تم اكتساب الخبرة بعد تجارب استمرت ثماني سنوات، وقد لاحظت أن الهوهوبا المنزرعة بجوار النخيل هي أفضل شجيراته، مما يعني أن التوافق بينهما كبير، بحيث يمكن زراعتهما متجاورين بكفاءة عالية مما يحقق أفضل استغلال للأرض، وفي بداية عام 1996 قمت بشراء أرض إضافية لزراعتها بالهوهوبا والنخيل فقط، حيث ثبت أنه يمكن زراعة فدان نخيل وفدان هوهوبا في نفس الوقت، حيث يمكن الحصول على عائد إضافي من زراعة النخيل والهوهوبا، بحيث لا يقل دخل الفدان الصافي.

بعد ذلك تساءلت كيف يسوق المزارعون الجدد محصولهم ويحصلون على عائد مجز، ومن هذا المنطلق قمت بتأسيس الشركة المصرية للزيوت الطبيعية عام 1996 مع شركاء مقتنعين بأهمية الهوهوبا، للعمل على نشر زراعة الهوهوبا من خلال التعاقد مع المزارعين على الزراعة وشراء محصولهم، وقد قامت الشركة بإنشاء معصرة صغيرة في العاشر من رمضان لعصر بذور الهوهوبا بالإضافة إلى استيراد كميات من الزيت لتوفير المادة الخام لفتح آفاق جديدة لاستخدام منتجات الهوهوبا قبل زراعته بكثافة.

-البحث العلمي.. عملية مستمرة : قمت بالاشتراك في العديد من المؤتمرات العلمية منذ 1997 تابعت فيها آخر الأبحاث عن الهوهوبا، كما قمت بزيارة المزارع ال كبيرة للهوهوبا في ولايتي أريزونا وكاليفورنيا الأمريكية، كما قامت الشركة بتمويل العديد من الأبحاث العلمية بالتعاون مع المؤسسات العلمية المصرية للتوصل إلى منتجات جديدة، وذلك من خلال خطة بحثية ذات ثلاثة محاور: الأول قصير المدى للأبحاث في مجالات الطب والصيدلة والتجميل، والثاني متوسط المدى للأبحاث في مجالات المبيدات الطبيعية والصناعة وإضافات الزيوت الصناعية، والثالث طويل المدى للأبحاث في مجال زيوت المحركات والوقود الحيوي، وذلك لاستيعاب الإنتاج المحلي والعربي بمنتجات قادرة على زيادة القيمة المضافة لإنتاجنا الزراعي.

الترويج والتسويق: قامت الشركة بمجهودات كبيرة للتعريف بنبات الهوهوبا، وذلك بإذاعة عدة حلقات عنه في برامج تليفزيونية مختلفة منذ عام 1996 ،والكتابة عنه في أهم الصحف المحلية لنشر الوعي بأهمية زراعته في الأراضي الجديدة وتعريف المزارعين الجدد بأهميته، كما تم الاشتراك في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والاشتراك في معارض صحارى الزراعي منذ عام 1996 لتعريف المزارعين بأهمية النبات واستخداماته وجدواه الاقتصادية.

-توثيق التجربة: وهنا لا بد من تسجيل الإشادة بحرص صاحب التجربة على توثيقها في الشكل الحكائي الذي أورده على موقعه تحت عنوان “التجربة المصرية”، فتوثيق التجارب والخبرات سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي هو “ألف باء النهضة”، فمن خلال التوثيق يستطيع صاحب التجربة أن يبني عليها ويطور فيها، فيصبح يومه خيرا من أمسه، وغده خيرا من يومه.

التجربة تجليات.. وثمرات

وإذا كانت التجربة قد تكاملت فيها عناصر النجاح، فقد كان لهذا النجاح تجليات وثمرات: التجليات :حيث أنجزت الشركة من خلال مسيرة البحث العلمي المستمر تسجيل وإنتاج أدوية ومركبات تجميلية مصرية جديدة تستخدم زيت الهوهوبا كماده فعالة أساسية والحصول على براءات اختراع محلية ودولية لها وطرحها في الأسواق وتصديرها إلى الدول العربية، وتسجيل وإنتاج أول مركب طبيعي للقضاء على الحشرات والآفات الزراعية والعمل على التوصل إلى مركبات جديدة أخرى، والتوصل من خلال أبحاث مع الجامعات المصرية إلى وقود حيوي للسيارات (بديل للبنزين) ومحركات الديزل (بديل للسولار)، وإلى زيوت محركات طبيعية وإضافات لزيوت المحركات والزيوت الصناعية، والتوصل إلى استخدامات جديدة للزيت في مجالات الطب البيطري والصناعة.

الثمرات: في يونيو من عام 2002 تم اختيار الشركة المصرية للزيوت الطبيعية كأفضل مشروع ابتكاري في غرب آسيا في مؤتمر الابتكارات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المنعقد في البحرين تحت إشراف منظمتي الإسكوا واليونيدو، كما قامت منظمة أشوكا العالمية باختيار رائد زراعة وتصنيع الهوهوبا في مصر (نبيل الموجي) عام 2007 كأحد زملاء أشوكا والذين يتم اختيارهم على أساس أنهم يقدمون خدمات جليلة لبلادهم، حيث يطلق عليهم اسم “المبدعين الاجتماعيين” والذين يساهمون في تقدم مجتمعاتهم.

د. مجدى سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى