منوعات

من “ابن خرداذبة”.. إلى ” القلقشندي”.. العرب وكروية الأرض

كان الشائع بين كثير من الأمم القديمة أن الأرض منبسطة, وانها مسطحة, كما تبدو لعين الناظر, ثم جاء ارسطو فحاول ان يثبت أنها ليست بمسطحة, ثم أعقبه بطليموس السكندري صاحب كتاب المجسطي, ليتبنى الفكرة, ويبحث في الأرض باعتبارها كرة, وقد شاعت هذه الأفكار القائلة بالتسطيح والكروية بين العلماء المسلمين, ولكنهم لم يقتصروا على ترديدها, بل نخلوها ومحصوها, وأضافوا إليها, حتى أجمعوا على القول بكرويتها, في الوقت الذي أجمعت فيه أوروبا خلال العصور الوسطى على تسطيحها, بل حاكموا من قال بغير ذلك, واعتبر القديس أوغسطين راعى الكنيسة ان كروية الارض من المسائل التي لا يجوز الخوض فيها, ولا يمكن التسليم بها.

والعلماء المسلمون القائلون بكروية الأرض أكثر من ان يحصوا نأتي على طائفة منهم بحسب الترتيب الزمني, فهذا ابن خرداذبة (272هـ) يقرر ان الاراض مدورة, فيقول: ان الارض مدورة كتدوير الكرة, موضوعة فى جوف الفلك كالملحة, في جوف البيضة,  والنسيم حول الارض, وهو جاذب لها من جميع جهاتها الى الفلك, وبيته الخلق على الارض ان النسيم جاذب لما فى أبدانهم من الخفة…, والارض جاذبة لما فى أبدانهم من الثقل..

اما ابن رستة (بعد 290هـ) فيذكر آراء السابقين في القول بتسطيح الارض, ثم يعقب بقوله: ان الله جل وعز قد وضع الفلك مستديرا كاستدارة الكرة, أجوف دواراً, والارض مستديرة ايضا كالكرة مصمتة في جوف الفلك, قائمة فى الهواء, يحيط بها الفلك من جميع نواحيها بمقدار واحد من اسفلها وجوانبها كلها, ثم يدلل على ذلك, فيقول: والدليل على ذلك أن الشمس والقمر وسائر الكواكب لا يوجد طلوعها ولا غروبها على جميع من فى نواحي الارض فى وقت واحد, بل يرى طلوعها على المواضع المشرقية قبل غيبوبتها من المغربية, ويتبين ذلك من الأحداث التى تعرض فى العلو, فإنه يرى وقت الحدث الواحد مختلفاً فى نواحي الارض مثل كسوف القمر, فإنه إذا رصد فى بلدين متباعدين بين المشرق والمغرب, فوجد وقت كسوفه فى البلد الشرقي منهما على ثلاث ساعات من الليل مثلاً, فأقول وجد ذلك الوقت فى البلد الغربي على أقل من ثلاث ساعات بقدر المسافة بين البلدين, فتدل زيادة الساعات فى البلد الشرقي على ان الشمس غابت عنه قبل  غيبوبتها عن البلد الغربي.

وهذا بن عبد الاندلسي (القرن الثالث الهجري) وهو من رجال الادب والشعر, يهجو أبا عبيدة البلنسي لقوله بكروية الارض:

أبا عبيدة, والسمئول عن خبر

يحكيه الا سواء الذي سألا:

أبيت الا شذوذا عن جماعتنا

ولم تصب تراى من ارجا, ولا اعتزلا

والارض كوترية, حف السماء بها

فوقا وتحتا, وصارت نقطة مثلا

صيف الجنوب, شتاء للشمال بها

قد صار بينهما هذا, وذا أولا

هذا الدليل, ولا قول عززت به

من القوانين يجلى القول والعملا

أما الهمداني (334هـ) فيذكر فى كتابه (صفة الجزيرة) قائلاً:

اعلم ان الارض ليست بمسطحة, ولا ببساط مستوى الوسط والاطراف, ولكنها مقبية..”, كما يعرض إخوان الصفا (القرن الرابع الهجري) لفكرة كروية الارض, وهم بسبيل الحديث عن النفس الكلية, وقالوا: ان الكرة الارضية مع مجموعة الكواكب تتحرك كلها فى دائرة الفلك, وان الذي يحركها هو النفس الكلية, التى هى ملك من الملائكة, وان هذا الملك هو أكبر من الفلك, وأقوى وأعظم وأقدم واشرف, وأعلى من سائر الخلائق, وهو يقدر على تسكين الأفلاك وتحريكها..”.

وهذا الشريف الإدريسي (590هـ) نستمع إلأيه وهو يقول : ان الارض مدورة كتدوير الكرة, والماء لاصق بها, وراكد عليها ركودا طبيعياً لا يفارقها, والارض والماء مستقران فى جوف الفلك كالمحة فى جوف البيضة, ووضعهما وضع متوسط, والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما, وهو جاذب لهما إلى جهة الفلك, أو دافع لهما.., والله العلم بحقيقة ذلك…”.

وهذا ابن طفيل (581هـ) يقول: ان الشمس كروية الشكل, وان الارض كذلك, لكن حجم الشمس أكبر من حجم الارض, وان الجزء المقابل للشمس, لاذي يبلغ أكثر من نصف الارض هو لاذي يستمد النور منها”, اما القزويني (682هـ) فيقول: إذا فرضنا ان دائرة معدل النهار تقطع كرة الارض بنصفين: يسمى أحد النصفين جنوباً, والآخر شمالاً, وإذا فرضنا دائرة تبعد عن قطبهما مصدر النهار, ويقطع اراض صارت كرة الارض أربعمائة باع”.

وهذا ابن فضل الله العمري (748هـ) يقول وهو بسبيل الحديث عن محيط الارض ومساحتها: واستدارة الفلك في موضع خط الاستواء ثلثمائة وستون درجة, والدرجة خمسة وعشرون فرسخاً, والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع, ولاذراع أربعة وعشرون أصبعاً, والاصبع سبع حبات شعير مصفوفة ملصقة بطون بعضها لظهور بعض, وتكون بهذه النسبة إحاطة الارض أحد عشر ألف فرسخ, وذلك بحساب أهل الهند..”.

أما ابن خلدون (808هـ) فيقول: قد تبين لي فى كتب الحكماء الناظرين فى أحوال العالم, ان شكل الارض كروي, وانها محفوفة بعنصر الماء, كأنها عنبة طافية عليه, وانحسر الماء عن بعض جوانبها.., لما أراد الله سبحانه من تكوين الحيوانات فيها, وعمرانها بالنوع البشري الذي له الخلافة على سائرها..”.

وهذا القلقشندي (821هـ) يعرض فى مقالته الثانية من كتابه (صبح الأعشى) للمسالك والممالك, فيقول: وأما شكل الارض, فقد تقرر في علم الهيئة, ان اراض كروية الشكل.., وقيل: هى مسطحة., وقيل: كالترس.., وقيل: كالطبل.., والتحقيق الأول”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى