العالم يقرأ

“سبع خواجات”.. يُعيد بَعث رواد الصناعة الأجانب في مصر

سبع خواجات.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر

سبع خواجات.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر“.. كتاب جديد للمترجم والروائي مصطفي عبيد, يتناول فيه سير سبعة من أبرز رجال الاستثمار والصناعة الأجانب في مصر وتجاربهم في إنشاء صناعات رائدة قبل “ثورة” 1952.

يكشف كتاب” سبع خواجات” الجوانب الخفية والمطموسة فى التاريخ الحديث خاص بالمستثمرين الأجانب، والذي تعرض للتحريف والتشوية بعد ثورة يوليو في ظل المد القومى والاشتراكى، ويتعرض لحكايات “هنرى نوس”، رائد صناعة السكر في مصر، وأول رئيس لاتحاد الصناعات المصرية وهو بلجيكى الجنسية، وصموئيل “سورناجا رائد” صناعة الطوب والخزف، وهو إيطالى الجنسية، فضلا عن اليوناني “ثيوخارس كوتسيكا” رائد صناعة السبرتو، كما يعيد الكتاب رسم سير وتجارب السويسرى “لينوس جاش” رائد صناعة المنسوجات، و”جوزيف ماتوسيان” رائد صناعة السجائر، وأرنست “ترامبلى الأب” الروحي لصناعة الأسمنت، والكونت “دى زغيب” رائد صناعة المربى، مدعما حكاياته بصور ووثائق نادرة.

كتاب: “سبع خواجات”.. محاولة لإعادة اكتشاف شخصيات تعرض تاريخها للتجاهل

يقول المؤلف مصطفى عبيد “إن الكتاب محاولة لإعادة اكتشاف نجوم عظيمة تعرض تاريخها للتجاهل والتشوية، ويوضح أنه من الضرورى رد اعتبار شخصيات عظيمة كانت لها بصمات إيجابية على مصر، حتى لو كانوا غير مصريين”.

قالوا عن كتاب: “سبع خواجات”.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر

كتب الروائي إبراهيم عبد المجيد في القدس العربي، عن كتاب “سبع خواجات” قائلاً:

“أخذني عنوانه الفرعي “سِيَر رواد الصناعة الأجانب في مصر”. وكما توقعت هو ليس مجرد سيرة لسبع رجال أعمال أجانب فقط، لكنه أيضا إطلالة رائعة علي زمن انتهي. زمن  كان يجسد المعني العميق لمقولة “مصر أم الدنيا”، وهو المعني الذي مشي مع تاريخها طويلا ثم انطفأ في العصور الوسطي ليعود من جديد بشكل أكثر اتساعا مع تولي محمد علي باشا وأبناؤه من بعده لحكم مصر.

جاء الأجانب إلي بلد النيل الساحرة والتسامح الكبير بين الأديان والأجناس. وحديث عظيم عنهم يتناثر بين فصول الكتاب وكيف عرفت مصر الفرنسيين بكثافة علي رأسهم السان سيمونيين في مواجهة لانجلترا، ليحققوا مدنهم وخيالاتهم علي الأرض. وكذلك اليونانيون إلي الإسكندرية بعد شق ترعة المحمودية وربط الميناء بالنيل وازدهار المدينة الجديد وهي في التاريخ مدينتهم. ومثلهم فعل الإيطاليون الذين كانوا في الصناعة وتركوا وراءهم في البناء أعظم الانجاذات التي كان وراءها مهندسون إيطاليون صاروا مصريين – راجع في ذلك إذا شئت التوسع كتابا مثل “إيطاليا في الإسكندرية” للدكتور محمد عوض أستاذ العمارة العظيم بالإسكندرية وهو كتاب باللغة الإنجليزية أتمني أن تظهر له ترجمة في المركز القومي للترجمة.

أما الشوام فحدث ولا حرج عن النهضة في المسرح والصحافة والسينما ولن تتوقف بالإضافة إلي الصناعة والزراعة. مثلهم جاء اليهود الذين فروا من الاضطهاد في أوربا ومثلهم الأكراد وغيرهم. كيف صاروا مواطنين مصريين بحكم أعمالهم العظيمة الرائدة، واتسعت لهم الحياة الليبرالية المصرية.

يتسع الكتاب لهذا الحديث ولأعداد الجاليات وأعلامها بينما المؤلف مصطفي عبيد يتحدث عن السبعة الذين اختارهم. حياتهم الأولي في بلادهم وأسباب هجرتهم وحياتهم في مصر وحياة أبنائهم بعدهم.

“هنري نوس” مؤسس اتحاد الصناعات المصرية

يبدأ بـ “هنري نوس” الذي أسس اتحاد الصناعات المصرية وكان تحت اسم “جمعية الصناعات المصرية” عام 1922.

رحلة البحث مضنية ومحزنة أيضا فتقريبا كل الوثائق ضاعت ومابقي هو ما بعد ثورة يوليو 1952 التي رأت ورأي كتابها في هؤلاء خونة ومستغلين والأمر لم يكن كذلك أبدا.

لقد كانت انجلترا هي التي تحتل مصر وكانت تريدها سوقا لمنتجاتها، وكان المجتمع الأهلي وفي قلبه رجال مثل “طلعت حرب” يريدون وجودا مصريا في كل شي، وانضم له أعلام من الجاليات الأخري، منهم “هنري نوس” الذي ولد عام 1875 في بلجيكا ووفد إلي مصر. كانت الجالية البلجيكية من أقل الجاليات ومن بينها بزغ هو و”البارون إمبان” مؤسس مصر الجديدة التي لا بد يبكي لما جري بها الآن. حديث طويل عن صناعة السكر وماجري لها في مصر بسبب الحرب الأهلية الأمريكية والحروب في العالم ثم الحرب العالمية الأولي وكيف كان هنري نوس منقذا لها.

اختاره أصحاب المصانع مديرا لها وكانت إدراته سبيل انقاذ الصناعة، وأصبح بعد الحرب العالمية الأولي أهم رجال هذه الصناعة وقائدا لها، وكيف مع رجل الأعمال الإيطالي الذي سيأتي في الفصل التالي، “صامويل سورناجا”، انشغلا بسياسة الصناعة المصرية أمام الواردات البريطانية فدعوا رجال الصناعة مصرين ومغتربين وأنشأوا الجمعية المصرية للصناعات التي تغيراسمها عام 1930 إلي اتحاد الصناعات المصرية ولم تكن أبدا من منتجات ثورة يوليو كما يظن الجميع. كانت مفتوحة لكل الصناعات المصرية وأهم أعمالها حمايتها أمام الاستيراد من الخارج. وتاريخ عن صناعة السكر ودخول “عبود باشا” المصري بها وتأميم ذلك كله فيما بعد.

لقد توفي “هنري نوس” في زيارة لبروكسل عام 1938. كان عاشقا للنيل فبني فيلا جميلة هي الآن مقر القنصلية السعودية في الجيزة.

“صامويل سورناجا” رائد صناعة البناء والخزف

أما الثاني فهو “صامويل سورناجا”، وكان رائدا لصناعة “البناء والخزف”، وغزا بها العالم إذ جعل منها تجليا للثقافة والفنون المصرية من فرعونية وإسلامية، وكانت منتجاته تعرض في العالم ومصر في معارض فنية. كان رائدا في صناعة الطوب ورحلته لا تختلف عن رحلة نوس. كان سورناجا إيطاليا. كيف لايكون إيطاليا من يصنع الطوب والإيطاليون يبنون كل المباني الجميلة للدولة وللباشوات وغيرهم. لقد وصل إلي مصر في العشرين من عمره في عهد الخديوي عباس حلمي الذي توسع في الاستعانة بغير الانجليز، ويحفل الكتاب باسمائهم كما يحفل بتاريخ الجالية الإيطالية وماجري لهم من أزمات خاصة أثناء الحرب العاليمة الثانية حين تحالفت إيطاليا مع المانيا، لكن سورناجا ومافعله كان كفيلا أن ينجو به من الأزمة. حديث طويل عن صناعة الطوب والخزف وكيف تميز سورناجا.

لقد توفي عام 1981. كان يهوديا إيطاليا ومثل كثير من اليهود في مصر ساهموا في النهضة بكل جوانبها الثقافية والصناعية فلا أحد يقف عند الديانة.

ثيوخارس كوتسيكا امبراطور “السبرتو”

الثالث في الكتاب هو “ثيوخارس كوتسيكا” امبراطور السبرتو كما أسموه أو الكحول الذي علي اسمه لا تزال محطة مترو قرب حلوان حيث كانت مصانعه. كوتسيكا يوناني ولقد رأي في صناعة الكحول مجالا هاما، لوجود قوات الاحتلال والحروب التي شهدت قوافل من الجنود الأجانب ولوجود الأجانب أنفسهم  فهو يدخل في صناعة الخمور ثم الكولونيا والبارفان وغيرها.

ولد عام 1857 في اليونان وجاء إلي الإسكندرية عام 1875 بحثا عن سحر المكان والمغامرة والثروة والنجاح وفعلها وهو الشاب الصغير. لقد حذا حذوه يوناني أخرهو سبيرو سباتس فانتج المشروب الوطني الذي كان يحمل اسمه بعيدا عن الخمر. مساهمات كوتسيكا لا تُنسى في ظهور هيئة الاسعاف 1916 والمستشفي اليوناني في الإسكندرية قبل الحرب العالمية الثانية الذي تبرع له بمائتي وخمسين ألف جنيه، وكان ولا يزال من علامات الإسكندرية ويحمل الآن اسم جمال عبد الناصر.

لينوس جاش السويسري المطور الأكبر لصناعة الغزل

الرابع هو لينوس جاش السويسري المطور الأكبر لصناعة الغزل ومعه غيره وحكايات رائعة عن منافستهم للشركات البريطانية التي كانت تورد المنسوجات لمصر وكيف أفلسوها حتي اضطر أصحابها لمشاركتهم في مصر ثم شرائهم لحصة الإجليز وتعاونهم مع طلعت حرب وحكاية نشأة مصانع الغزل الأهلية في مصر عموما وفي الإسكندرية وكفر الدوار وغيرها من الحكايات التي تؤكد رغبته العظيمة في صناعة مصرية.

جوزيف ماتوسيان.. وصناعة الدخان

ينتقل الحديث إلي الخواجة الخامس جوزيف ماتوسيان الأرمني وصناعة الدخان  وياله من حديث مثير اختلط فيه الدخان بالفن والفنانين في الدعاية وأنواع المنتجات. ثم السادس أرنست ترامبلي الأب الروحي لصناعة الأسمنت الذي وصل مصر في السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر وينتهي الكتاب الرائع بالكونت دي زغيب الشامي  صانع المربي الأول الذي أقام مصنعه عام 1901 وهنا تتسع الصفحات للشوام في كل شيئ ..

يفتنك مجهود الباحث مصطفي عبيد في العودة إلي المراجع والوثائق والسفر إلي أميركا لمقابلة أحد الأبناء، والاتصال بباول هارلينج حفيد لينوس جاش الذي وجد اسمه علي مقبرة جده في المقبرة السويسرية بالإسكندرية بعد أن زاره وكتب فوقها كلمة رثاء بها بريده الالكتروني وسافر إلي سويسرا حيث يعيش، وكيف يتصل به مصطفي عبيد ويراسله بالإيميل ويعرف منه معلومات قيمة وغير ذلك.

كما يكشف أخطاء بعض الكتاب الذين اعتبروا هنري نوس يهوديا وهو مسيحي كاثوليكي وغير ذلك ولايفوته الحديث عن سنوات الأربعينيات حين بدأ حزب مصر الفتاة يهاجم الأجانب دون تفرقة بين انجلترا وهؤلاء البناة الحقيقيين للنهضة، وكيف تأثر هؤلاء وغيرهم، لكنهم استمروا وأعيدت إليهم الثقة لأنهم كانوا يحمون الصناعة المصرية ويبنونها، وليسوا مستغلين مثل التجار الإنجليز، وما جري بعد ذلك لهم ولإنجاذاتهم مع التأميم. الكتاب رحلة مع سبع خواجات حقا، لكنه رحلة مع مصر فكريا وفنيا وإنسانيا بلغة الكاتب الجميلة، وتقصيه الحقائق كأنه يبني لك بيوتا من الخيال. إنها مصر التي افتقدناها للأسف”.

 

المسكوت عنه

فيما كتب مصطفى بيومي قائلاً: “أن تكون روائيا موهوباً وباحثاً تاريخياً واقتصادياً متخصصاً ومترجماً جاداً وصحفياً تعي شرف الكلمة، فضلاً عن عشق عقلاني للوطن المثقل بالهموم والتحديات؛ فهذا يعني أنك مثقف ملتزم يعمل في دأب وإصرار اسمه مصطفى عبيد.

كتابه: “سبع خواجات”، ينهض دليلاً عملياً على تفرد المؤلف وخصوصية توجهه، فهو ينأى بنفسه عن معالجة الشائع التقليدي الأمن من القضايا التي لا جديد فيها أو ابتكار، ويقتحم منطقة شائكة مزروعة بالألغام، يتهيب الآخرون من الاقتراب منها.

“سير رواد الصناعة الأجانب في مصر” جانب تاريخي مهم مسكوت عنه، ولا شك أن إعادة قراءة تاريخ الرأسمالية الأجنبية في مصر ليس موضوعا تاريخيا فحسب، بل إنه أيضا كتابة عن المستقبل الذي لن تكتمل ملامحه بمعزل عن الرؤية الواعية المجافية للشعارات الساذجة والمسلحة بأكبر قدر ممكن من الحياد والموضوعية. تقسيم العالم إلى شر مطلق وخير لا تشوبه شائبة من الجرائم التي تسهم في تشويه واقعنا وتفسده، والمفاهيم المغلوطة للوطنية لعنة يروج لها الكسالى الذين يناضلون من منازلهم، ويتوهمون أن الهتافات المسجوعة إنجاز عظيم!.

ليس أسوأ من الارتماء في أحضان كل ما هو أجنبي، لمجرد أنه أجنبي، إلا الإسراف في الرفض والإدانة والتشويه، ومن هنا فإن رد الاعتبار للرأسمالية الأجنبية ضرورة لمن يرومون بناء غد أفضل لا نملك وحدنا أدوات بنائه.

أخطاء ومثالب

هنري نوس، صامويل سورناجا، ثيو خارس كوتسيكا، لينوس جاش، جوزيف ماتوسيان، أرنست ترامبلي، الكونت دي زغيب؛ أسماء تبدو مجهولة غامضة عند الغالبية الساحقة من المصريين المعاصرين، لكنهم أصحاب أدوار مهمة لا يمكن إنكارها أو إهمالها في تاريخ الاقتصاد المصري، وفي كتاب مصطفى عبيد، صاحب اللغة الدقيقة المضيئة والرؤية الثاقبة البعيدة عن الإسراف الانفعالي، رد اعتبار وليس دفاعا، فهم ليسوا متهمين.

في سير هؤلاء أخطاء ومثالب، وأينا تخلو حياته من الأخطاء والخطايا؟، لكن الإنصاف يقتضي تقديم اللوحة كاملة المشاهد.

لا بأس من السباحة ضد التيار، والبأس كل البأس أن نساير التيار المضلل بلا عقل أو علم. التاريخ المشوه يفضي بالضرورة إلى مستقبل سريع الإجهاض، والتحية واجبة لمصطفى عبيد وكل من يرى التاريخ وسيلة لصناعة المستقبل”.

“سبع خواجات”.. وإعادة قراءة التاريخ

أما إبراهيم عيسى فكتب يقول: كتاب “سبع خواجات”.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر.. عبارة عن بحث منصف يعيد قراءة التاريخ قراءة واعية ليرد الاعتبار لعظماء مروا على مصر من خلال سير سبعة من رواد الصناعة الذين أسسوا صناعات عظيمة مازال صداها قائمًا.

في هذا الكتاب ستعرف حكاية البلجيكي “هنري نوس”، الذي أسس اتحاد الصناعات المصرية، ورحلة “صامويل سورناجا” رائد صناعة الطوب، وقصة “إرنست ترامبلي” الأب الروحي لصناعة الأسمنت، وما فعله السويسري “لينوس جاش” لتطوير صناعة النسيج، وسيرة اليوناني “ثيوخارس كوتسيكا” إمبراطور السبرتو، فضلًا عن بصمات “جوزيف ماتوسيان” على صناعة السجائر، وما أحدثه “الكونت دي زغيب” في صناعة المربى. هو عمل غير معتاد من باحث جاد، بلغة جذابة شيقة يصحح انطباعًا خاطئًا يتصور كل أجنبي مستغلًّا.

“سبع خواجات”.. ورد الاعتبار

وكتب الصحفي مصطفى عبد الله قائلاً: “في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “سبع خواجات.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر”، الذي أعده الزميل الصحفي مصطفى عبيد، محاولة لرد الاعتبار إلى بشر لعبوا دورًا مهمًا في دفع عجلة الاقتصاد المصري خطوات إلى الأمام، ولكننا تناسيناهم بعد أن أهلّنا عليهم التراب.

واتفق مع مؤلف الكتاب في أن عمله محاولة جادة، لإعادة بعث شخصيات أجنبية عظيمة أثرت إيجابيًا في مسار الصناعة المصرية، ورسمت البدايات الحقيقية لها. هي محاولة التجديف بمركب البحث ضد التيار، والخوض في مستنقع التشوية والبهتان لاستخلاص لآلئ المعرفة، واستجلاء الحقيقة رغبة في إنصاف بشر ودحض نُكران أصحاب نظرية المؤامرة المُتعصبين ضد الأجانب. هي محاولة، رُبما هي الأولى لرد الاعتبار للرأسمالية الأجنبية من خلال سرد سير سبعة أجانب كانت لهم الريادة في بناء وتطوير وتنظيم الصناعة المصرية، ووضعها على طريق المدنية والتقدم.

صعوبات واجهت المؤلف

ويشير المؤلف إلى الصعوبات التي واجهته في إعداده فيقول: تعرضت لمصاعب شتى ولمعوقات عديدة، كان من بينها اللاموضوعية التي اتصفت بها معظم الكتابات المتابعة لبدايات الصناعة المصرية وبخاصة لدى الأجانب. فضلًا عن شُح المعلومات المُتاحة، وضياع كثير من الوثائق المهمة التي تؤرخ للصناعة في القرن التاسع عشر.

ورغم ذلك، واصل المؤلف عمله وبحثه، واصطدم بجهل مُخيف لدى الكثيرين حول أسماء لامعة كانت في زمانها ملء السمع والبصر، واستعان بعشرات المراجع الأجنبية، وأعاد قراءة كثير من المراجع العربية مُحاولاً إعادة قياس الأمور بعيدًا عن التعصب أو الرؤية التأمرية. كما عاد إلى أرشيفات كثير من الصُحف والمجلات القديمة بحثًا عن إشارة أو لمحة أو صورة. وهكذا تمكن من الوصول إلى حكايات تُشبه السير الشخصية لهؤلاء الأجانب الذين تركوا بلادهم وجاءوا  إلى مصر بحثا عن فرص نجاح، ورغبة في تحقيق ذواتهم، فربحوا وأربحوا.

ومما لا شك فيه أن ما يعرضه الكاتب هو مُجرد بداية لفتح الباب لإعادة قراءة سير كثير من الأجانب الذين لعبوا دورًا مهمًا في تحديث مصر، لكنهم صُبغوا بصبغة العداء، بدءًا بفرديناند دليسبس وحتى نوبار باشا.

وباعتباري غير مدخن وأعاني من الربو الشعبي سأتوقف بك قارئي العزيز في هذه الصفحات التي يتحدث فيها المؤلف مصطفى عبيد عن “جوزيف ماتوسيان” الذي يرتبط اسمه حتى الآن في مصر بالشركة الشرقية للدخان، المعروفة باسم إيسترن كومباني التي امضى فيها صديقي الروائي السكندري محمود عوض عبد العال عشرات السنين من عمله الوظيفي.

و”جوزيف ماتوسيان” رجل صناعة فريد، يرجع إليه الفضل في تنظيم صناعة من أهم الصناعات وأكثرها تشغيلًا وأعلاها ربحًا وارتباطًا بالناس، ألا وهي صناعة الدٌخان، تلك التي عرفتها مصر قبل قرون وتنوعت وتطورت عدة مرات قبل أن تصل إلى ما هي عليه في الوقت الحالي.

وماتوسيان يمثل مرحلة مهمة وحيوية من مراحل تطوير صناعة السجائر في مصر. وعلى الرغم من أنه لم يكن كبير عائلته في مصر، إذ كان من الجيل الثاني، إلا أن تأثيره كاقتصادي ناجح وصاحب عمل طموح جعله جديرًا باهتمام كثير من الباحثين والكتاب.

ويمكن القول إنه ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع المصري خلال العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، نظرًا لأهمية الدور الذي لعبته السجائر في أحوال المصريين اليومية، حتى أنه صار اسمًا متداولاً في بعض الروايات التي تناولت تلك السنوات. وحسبنا أن الأديب الكبير الأستاذ نجيب محفوظ يورد اسم “ماتوسيان” في روايته “بين القصرين”، باعتباره أحد أشهر محلات السجائر التي يمر بها الطفل الصغير كمال عبدالجواد في طريقه إلى المدرسة.

كما يرد ذكر اسم “ماتوسيان” كذلك في رواية “زقاق المدق” كنموذج للمصانع الأجنبية المنتشرة في البلاد.

ومما لا شك فيه أن انتماء ماتوسيان إلى طائفة الأرمن يفتح الباب لإطلالة على الدور الاقتصادي والاجتماعي والفني الذي لعبه الأرمن في الحياة المصرية قبل ثورة 1952، والذي أسهم في تنمية وتطوير كثير من الفنون والآداب والحرف والصناعات، وعلى رأسها صناعات التبغ.

وقد كان المصريون يُدخنون الأدخنة من خلال أراجيل مُعدة لذلك، بينما كان البعض الآخر يقوم بمضغ التبغ الخام، حتى شهدت البلاد هجرات واسعة من الأوربيين إلى مصر خلال السنوات الأخيرة في عهد محمد على باشا، لتبدأ عادة “لف” السجائر في الانتشار بين العامة نتيجة قيام الأجانب بها”.

كتاب “سبع خوجات”.. نقطة تحول ومراجعة لدور الأجانب في الصناعة المصري

وكتب محمود عبد الشكور: “هذا الكتاب (“سبع خواجات”.. سير رواد الصناعة الأجانب في مصر).. يمثل نقطة تحول ومراجعة لدور الأجانب في الصناعة ويجعلهم أعمدة أساسية في هذا التحول، بل إن الكتاب يجعل من سيرة هؤلاء الرواد جزءًا من تاريخ مصر وليس جزءًا من تاريخ بلادهم، وهذا منهج صحيح بلا شك، بل إنهم أهم من أن ننظر إليهم كمستثمرين أجانب عابرين ولكنهم جزء أصيل من المجتمع المصري الكوزمبوليتاني”.

عن مؤلف كتاب “سبع خواجات”

الكاتب مصطفى عبيد، روائي وباحث مصرى يعمل بالصحافة، وصدر له 19 كتابا متنوعا في الأدب والفكر والتاريخ، ودخلت كثير من كتبه ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعا في مصر، وحاز جوائز نقابة الصحفيين في الكتابة أربعة مرات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى