مقالات

فريق العمل… بين “الإدارة الصارمة” و”الإدارة الصديقة”

العلوم الإدارية، مثل الإدارة والقيادة والتسويق والمبيعات والتخطيط ومجال الأعمال (البيزنس) عموما، لم يكتب فيها المؤلفون والكتاب والمفكرون والباحثون والعلماء وأساتذة تلك العلوم كلاما نظريا من رؤوسهم وهم قابعون على مكاتبهم المريحة الفخمة، بل كل ما كتبه هؤلاء كان من واقع الحياة العملية الواقعية، أي أن تلك الأعمال مثل الإدارة والقيادة والتسويق والتخطيط…الخ الخ، قد حدثت فعلا على أرض الواقع، ثم جاء هؤلاء المؤلفون وسجلوها في كتبهم.

يعني مثلا يدرس باحث أو عالم أو مفكر حالات نجاح أو فشل لشركات أو مؤسسات أو هيئات أو حتى دول، ثم يبدأ في تحليل أسباب نجاح أو فشل تلك المؤسسات، سواء كانت مؤسسات عامة مملوكة للدولة، أو شركات خاصة يملكها أفراد، ثم يستنبطون من هذا أسباب النجاح أو الفشل.

فيقول أحدهم مثلا أن المؤسسة الفلانية قد نجحت لأن مديرها قام بأفعال وتصرفات معينة، أو أن مدير التسويق في الشركة الفلانية قد اتبع أساليب معينة في التسويق أدت لنجاح الشركة، ويتم اتباع نفس الأسلوب في دراسة حالات الفشل أو الإخفاق.

ثم بعد هذا يقوم بعض هؤلاء العلماء والباحثين بوضع “نظريات” في الإدارة والقيادة والتسويق والتخطيط والبيزنس عامة، أي تصورات أو قوالب شبه ثابتة أو مؤكدة من وجهة نظرهم، يمكن العمل بها حتى يتحقق نجاح المؤسسات والشركات والهيئات، وفد يضع آخرون غيرهم نظريات مخالفة لهم مستنبطة من نفس المشاهدات والدراسات والتحليل.

فريق العمل… بين “الإدارة الصارمة” و”الإدارة الصديقة”

توجد نظريات كثير في الإدارة (Management) ، لعل أشهرها نظريات X, Y, Z

وضع نظريتي X و Y دوجلاس ماكريجور (1906 – 1969) عالم النفس والأستاذ الجامعي والكاتب والاقتصادي الأمريكي، والذي عاصر نهوض الولايات المتحدة تجاريا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا لتصبح القوة الأولى في العالم، فكانت نظريتاه تطبيقا لما رآه ودرسه وبحثه عن طريقة إدارة البيزنس في أمريكا وقتها.

أما نظرية Z فقد وضعها ويليام أوشي (وُلِدَ عام 1943)‏ عالم الإدارة الياباني – الأمريكي، والذي استحدث فكرة الإدارة على الطريقة اليابانية من البيئة الاجتماعية الخاصة بالمجتمع الياباني، وبخاصه الأسرة اليابانية التي تقوم على مبدأ الاحترام لرب الأسرة وإطاعة أوامره، في حين يكون مسؤلا عنهم ومشاركا إياهم في اتخاذ القرار.

الإدارة الصارمة

تقول “نظرية X” آن الناس أو العاملين بطبعهم لا يحبون العمل ويحاولون تجنبه، ويحاولون تجنب تحمل المسؤولية، وهم ليسوا طموحين وقليلو الإبداع، وبالتالي يحتاجون إلى ملاحظة دقيقة ورقابة لصيقة.

على هذا يجب أن تكون إدارة هؤلاء العاملين إدارة صارمة حازمة، ويجب أن تكون موجهة وآمرة وتصل لحد التهديد، ويجب على المدير أن يكون “Autocratic” أي ديكتاتور أو حاكم مفرد.

الإدارة الصديقة/الداعمة

بينما تقول “نظرية Y” العكس تماما، فالناس أو العاملون بطبيعتهم يحبون العمل، ويتحلمون المسؤولية جيدا، وهم يقودون أنفسهم بأنفسهم، وقادرون على حل مشاكلهم، وهم متحمسون من تلقاء أنفسهم  “Self-motivated”، وبالتالي لا يحتاجون لرقابة لصيقة أو سيطرة مباشرة من الإدارة.

وعلى هذا يجب أن تكون إدارة هؤلاء العاملين إدارة صديقة وداعمة، وتشرك العاملين في عملية اتخاذ القرار، وتسمح لهم بالإبداع والابتكار، وتعمل بروح الفريق لا بالحكم الديكتاتوري.

إذن افترض دوجلاس ماكريجور أن العاملين نوعان، نوع لا يحب العمل ولا يتحمل المسؤولية (X)، ونوع آخر يحب العمل ويتحمل المسؤولية (Y)، وبالتالي يجب أن تتغير طريقة إدراة كل نوع من هؤلاء العاملين حسب حالتهم ومواقفهم وتصرفاتهم.

الإدارة المحبة/المشجعة

أما نظرية Z المستمدة من طريقة العمل اليابانية، فتقول أن الناس أو العاملين بطبعهم يحبون العمل، ويعملون كأسرة أو كفريق واحد، وأنهم مخلصول للعمل ويتحمسون للمشاركة فيه باستمرار، ويحبون الإشادة المعنوية بهم وبإنجازاتهم، وهم يحبون العمالة المستدامة (Long-term Employment) حتى يضمنون الاستقرار.

وعلى هذا يجب أن تكون الإدارة محبة ومشجعة وصديقة، وتعمل بروح الفريق دون تمييز فرد على آخر، وأن تكون الرقابة داخلية وبعيدا عن السلطة الرسمية، وبعيدا عن التهديد والتخويف، ولكن تعتمد على إتاحة الجو الودي الذي يحفز على العمل والإنجاز والإبداع.

في الحقيقة وعمليا وواقعيا، نظريات X, Y, Z كلها صحيحة، ونجدها فعلا في مجال الأعمال والإدارة، فبعض العاملين يكونون X، وبعضهم يكونون Y، وبعضهم الآخر يكونون Z، وبالتالي يجب أن تتأقلم الإدارة، أو تصرفات المدير وأقواله وأفعاله، مع نوعية هؤلاء العاملين، حتى يضمن تحقيق أحسن النتائج الممكنة في العمل، وفي نفس الوقت تحقيق رضا العاملين وتطلعاتهم في العمل.

د. هاني سليمان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى