منوعات

بيوت الحكمة.. الصورة الأولى للمؤسسات الأكاديمية الحديثة

نشأت منذ القرن الثالث الهجري مؤسسات عرفت باسم بيوت الحكمة أو خزائن الكتب او دور العلم وهي أشبه ما تكون بالدوائر العلمية, أو المؤسسات الأكاديمية في وقتنا الحاضر, فهي مكتبة للمطالعة, وهي معهد للترجمة, وهي مدرسة للتثقيف والتعليم, وهي مركز للرصد ومكان للنسخ والنقل, وكان أول هذه الدور, هو (بيت الحكمة الذي أنشأه الخليفة المأمون في بغداد, ويرى “فيليب طرازي”, مؤلف خزائن الكتب في الخافقين: أن أول أمر هذا البيت كان في عهد أبي جعفر المنصور, فلما كان الخليفة هارون الرشيد عني به عناية كبيرة, وممن عمل فيه على عهد الرشيد يوحنت بن ماسوية 243هـ وأبو سهل الفضل بن نوبخت, وعلاف الشعوبي, وفيه يقول الاصمعي: كان هارون الرشيد إذا نشط يرسل إلى فكنت أحدثه بحديث الأمم السابقة, والقرون الماضية, فبينما أنا أحدثه ذات ليلة, فقال: يا أصمعي: أين الملوك وأبناء الموك؟ قلت: يا أمير المؤمنين مضوا لسبيلهم, فرفع يديه إلى السماء, ثم قال: يا مغني الملوك: ارحمني يوم تلحقني بهم, ثم دعا صالحاً صاحب مصلاه, فقال: انطلق إلى صاحب بيت الحكمة فمره ان يخرج إليك سير الملوك, ةاتنى به, فأخرج إليه الكتاب: قال فأمرني أن اقرأه عليه: فقرات منه تلك الليلة ستة أجزاء.. ثم اوصاه الخليفة بالذهاب إلى أبي البختري للاستعانة به في كتابة ما كان بن آدم وسام بن نوح, ولم يكن هذا مدونا في سر الملوك..

فما كان المأمون ( 218هـ) أربي على الغاية في رعاية شأن هذا البيت, وممن عمل فيه على عهده سهل بن هارون, وسعيد بن هارون, ويوحنا البطريق, وأبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمى, وأبناء موسى ابن شاكر.

بيت الحكمة القيرواني

حينما قامت دولة الأغالبة في تونس 184هـ نافسوا عاصمة الخلافة التى كانوا يستمدون منها المدد والعون, فلما كان إبراهيم الثاني الأغلبي (261 – 26هـ) أسس بيت الحكمة في مدينة رقادة, وجعل منه مكتبه ودار ترجمته, ومعهداً لتدريس الطبيعة والرياضيات والفلسفة وغيرها, وكان يشتمل على خزانة كتب, وقاعات لحفظ الآلات الفلكية, وكان هواة المخطوطات يأتون إليه من كل مكان لحفظ المخطوطات ومراجعتها, وقد اتخذ الفاطميون من بيت الحكمة محلا لمجلس الدعوة الإسماعيلية ومناظرة علماء السنة, وكان الأمير ابراهيم يرسل في كل عام سفارة الى بغداد, ويسند اليها مهمة البحث عن نفائس الكتب, واستجلاب العلماء من العراق ومصر.

دار الحكمة بالقاهرة

كانت المنافسة بين الفاطميين والعباسيين على اشدها في ميادين العلم والتعليم, وفي خلال القرن الرابع الهجري أسس العزيز بالله الفاطمي (386هـ ) دار الحكمة بالقاهرة سنة 395هـ على نحو ما كانت عليه, دار الحكمة في بغداد, وهى بخلاف دار العلم التى أسسها سنة 378هـ, وذكر المقريزي ان الحاكم بامر الله نقل إليها من كتب قصره, ومن خزائن القصور المعمورة بما يقدر بستمائة الف مجلد من اصل تلك الكتب التي كانت نحو مائة ألف مجلد وبلغ عدد كتبها فيما بعد مليون وستمائة الف مجلد, حتى انه لم يكن في جميع بلاد الغسلام دار كتب أعظم منها.

وقد وصف المقريزي دار العلم وصفا جامعا, فقال “ففي سنة خمس وتسعين وثلثمائة فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة, وجلس فيها الفقهاء وحملت الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة, ودخل الناس إليها, ونسخ كل من التمس نسخ شئ مما فيها ما التمسه, وكذلك من رأى قراءة شئ مما فيها, وجلس فيها القراء والمنجمون واصحاب النحو واللغة والأطباء, بعد ان فرشت الدار, وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور, وأقيم قوام وخدم وفراشون وغيرهم وسموا بخدمتها, وحصل في هذه الدار من خزائن الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحملها من سائر العلوم ولاآداب والخطوط المنسوبة, ما لم ير مثله مجتمعاً لاحد قط من الملوك, وأباح ذلك كله لسائر الناس على طبقاتهم, ممن يؤثر قراءة الكتب والنظر فيها. فكان من المحاسن المأثورة ايضاً التي لم يسمع بمثلها, اجراء الرزق السني لمن رسم له الجلوس فيها, والخدمة لها, من فقيه وغيره, وحضرها الناس على طبقاتهم فمنهم من يحضر قراءة الكتب, ومنهم من يحضر النسخ, ومنهم من يحضر التعليم, وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق والمحابر.

ودار العلم, هذه غير خزانة العزيز بالله التى خصصها للكتب, وليست هي ايضا خزانة المخطوطات التى كانت توجد داخل القصور, وكان بتلك الخزانة مئات الكتب, وفيها نسخة العين للخليل بن أحمد, وتاريخ الطبري, والجمهرة لابن دريد, ويقول المقريزي انها كانت تشتمل على ألف وستمائة كتاب ويذكر ابن ابي مزاحم انه خزانة الكتب كانت تحتوي على عدة رفوف والرفوف مقطعة بحواجز وعلى كل حاجز باب بقفل بمفصلات وبها من اصناف الكتب ما يزيد على مائتي الف كتاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى