مقالات

*القرآن الكريم ودوران الأرض من الغرب إلى الشرق

لقد بين القرآن الكريم أن الأرض تدور، ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾.( النمل/ 88) فهذه الآية تثبت دوران الأرض دون أن تصادم البسطاء، فهي تتحدث عن الأرض الآن، من أن الإنسان يظنها غير متحركة وهي متحركة، كما أنه يظن الجبال جامدة وهي متحركة، أما في إبان القيامة فتكون كالعهن المنفوش تتهشم. وثانيا هي تدور من الغرب إلى الشرق فقد طرت من القاهرة إلى سنغافوره ومنها إلى استراليا ومنها إلى نيوزيلندة وعدت إلى أرض الوطن يعني طرت من الغرب إلى الشرق، ثم من الشرق إلى الغرب، وهذه ملاحظتي التي تبين دورانها من الغرب إلى الشرق وليس بالعكس، طرت من القاهرة بعد منتصف الليل بساعتين ووصلت إلى سنغافورة مع غروب الشمس، بينما هم في القاهرة يصلون الظهر، بعد طيران دام عشر ساعات فكان الوقت يجري بسرعة، عشر ساعات مضى فيها نهار كامل وكثير من الليل، ولكن في عودتي طرت من سنغافورة بعد منتصف الليل في سنغافورة ووصلت إلى القاهرة مع شروق الشمس.

وأي شكل كروي لا بداية له ولا نهاية، فإذا ما دار بانتظام تتحدد له معالم، فالمحور الذي تدور عليه له نهايتان وله وسط، وقد استخدمت هذه النقاط الثلاث وسط المحور ونهايتيه لرسم شبكة من الخطوط المتقاطعة تمكننا من تحديد المواقع لأي مكان على سطح الأرض واتجاهه بالنسبة للآخر، وتتمثل هذه الشبكة في مجموعتين من الخطوط.

دوائر العرض:

وهي دوائر متوازية تأخذ اتجاها شرقيا غربيا، تتعامد على المحور وأكبر هذه الدوائر الدائرة التي تقسم المحور إلى قسمين متساويين، وتسمى بخط الاستواء، وهذا الخط يصنع مع المحور زاوية مقدارها 90 درجة، وقد اتخذ خط الاستواء أساسا لترقيم عدد آخر من الدوائر تكون موازية له سميت بدوائر العرض، ويتحدد اسم أي منها على أساس بعدها عن خط الاستواء فنقول إن مدار السرطان مثلا عند عرض 23.5 درجة شمال خط الاستواء، يعني إذا أخذنا من مركز الأرض شعاعين أحدهما يعبر عند خط الاستواء، والآخر يمر بمدار السرطان، فإنهما يكونان زاوية مقدارها 23.5 درجة رأسها مركز الأرض، وهكذا كانت دوائر العرض عددها 90 دائرة شمال خط الاستواء، و90 دائرة جنوب خط الاستواء، وبذلك نعلم أن دوائر العرض عبارة عن دوائر صغرى ما عدا دائرة الاستواء ويسميها علماء المسلمين قديما أطوالا، نظرا لأن منها دائرة خط الاستواء، وهي أكبر من الدوائر التي تصل بالقطبين ويسميها علماء الجغرافيا الآن: خطوط الطول، بينما يسميها علماء المسلمين قديما: بالعروض نظرا لصغرها عن دائرة خط الاستواء.

ودوائر العرض كلها دوائر صغرى فيما عدا دائرة خط الاستواء لأنها الوحيدة التي تمر بمركز الأرض من بين دوائر العرض، ويمكن رسم عدد كبير من دوائر العرض على سطح الأرض وعلى ذلك فإن أي مكان على سطح الأرض يقع على دائرة عرض. وكل البلاد التي تقع على خط  عرض واحد فإن عدد ساعات النهار فيها واحدة، وبالتالي عدد ساعات الليل، فإذا كانت “عبدان بإيران” والقاهرة على خط عرض واحد هو خط 30 درجة شمال خط الاستواء، وكان النهار في عبدان ثلاث عشرة ساعة، كان في القاهرة ثلاث عشرة ساعة، فإن نقص في عبدان نقص في القاهرة نفس المقدار، فمدة النهار والليل متحدة فيهما في جميع أيام السنة صيفا وشتاء.على فرض أنهما على خط عرض واحد.

خطوط الطول:

وهي مجموعة خطوط تأخذ اتجاها شماليا جنوبيا، وكل خط منها يصل بين القطبين الشمالي والجنوبي، وكل خطين متقابلين منهما يكونان دائرة عظمى، مركزها مركز الأرض، وتعرف هذه المجموعة بخطوط الطول، بدايتها جميعا من أحد القطبين ونهايتها جميعا عند القطب الآخر، تتباعد عند خط الاستواء، وتتقارب كلما تباعدنا عن خط الاستواء، حتى تلتقي في نقطة هي القطب. وقد اتفق أعضاء مؤتمر خطوط الطول العالمي الذي انعقد بواشنطن عام 1884م على أن خط الطول المار بجرينتش خط صفر –  خط الأساس  –  وعلى أن الخط الذي يبعد عنه بزاوية مقدارها 180 درجة جهة الشرق، وهو نفس الخط الذي يبعد عنه بمقدار 180 درجة في جهة الغرب، خط التاريخ العالمي.

فوائد معرفة خطوط الطول

من فوائد معرفة خطوط الطول أن الظهر يحين عند كل خط منها في لحظة واحدة، ويحين على الخط المجاور في اتجاه الغرب بعد أربع دقائق، وخطوط الطول ثلاثمائة وستون خطا، فالظهر يحين على العالم بأسره في أربع  وعشرين ساعة. وإذا حان الظهر عند خط زوال ما فإن منتصف الليل يحين عند الخط الذي يتم معه دائرة عظمى – والدائرة العظمى هي التي يكون مركزها مركز الأرض – فإذا حان الظهر عند خط صفر – خط الأساس الطولي – فإن منتصف الليل يكون عند خط طول 180 درجة شرق  وغرب جرينتش، وإذا حان الظهر عند خط طول 90 درجة شرق جرينتش فإن منتصف الليل يكون عند خط طول 90 درجة غرب جرينتش، وإذا حان الظهر عند خط 30 درجة شرق جرينتش انتصف الليل عند خط 150 درجة غرب جرينتش وهكذا ومعلوم أن كل خط  طول  يكون  مع  خط  جرينتش زاوية مركزها محور الأرض. وخطوط الطول تتجه من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، ويمكن رسم عدد كبير من خطوط  الزوال – الطول – على سطح الأرض لأن بين كل خطين درجة، والدرجة تقسم إلى ستين دقيقة؛ والدقيقة ستون ثانية؛ والثانية تقسم إلى عشرة أجزاء؛ ومائة جزء.

مقارنة بين خطوط الطول ودوائر الضوء

كل البلاد التي تقع على خط طول واحد يؤذن للظهر فيها في آن واحد، وينتصف فيها الليل في آن واحد. كل البلاد التي تقع على دائرة ضوء واحدة يؤذن للمغرب فيها في آن واحد عند نصف دائرة الضوء الفاصلة بين ما قبل المغرب وما بعده، وتشرق الشمس عليها في آن واحد في النصف الآخر الفاصل بين ما قبل الشروق وما بعده. البلاد التي تقع على خط طول واحد لا تتغير من يوم لآخر.

البلاد التي تقع على دائرة ضوء واحدة اليوم ليست هي البلاد التي تقع على دائرة ضوء الغد، وتختلف وضع دائرة الضوء من يوم لآخر، ولا يشتركان معا دائرة الضوء وخطوط الزوال إلا مرتين في العام على وجه التحديد فدائرة الضوء تطابق خطوط الطول يومي الاعتدالين فقط.

البلاد التي تقع خط طول واحد، تحين فيها الصلوات الخمس في آن واحد يومي الاعتدالين، وفي غيرهما نقول: كلما اتجهنا شمالا  في الصيف الشمالي، زاد عدد ساعات النهار، وكلما اتجهنا جنوبا تقل عدد ساعات النهار، ومعنى ذلك أن شروق البلاد الشمالية يسبق البلاد الجنوبية الواقعة على خط طول واحد، وينعكس الحال إذا اتجهنا جنوبا فالبلاد الجنوبية تشرق فيها الشمس بعد البلاد الشمالية الواقعة معها على خط طول واحد وتغرب فيها الشمس قبل البلاد الشمالية فالنهار يقل من طرفيه – من بدايته ونهايته – كلما اتجهنا جنوبا، أما في الشتاء حيث يكون الصيف في النصف الجنوبي فإن النهار يكون قصيرا كلما اتجهنا إلى الشمال ويزداد كلما اتجهنا جنوبا.

البداية الزمنية لليوم الشمسي

لاحظنا ثبات وقتي منتصف النهار، ومنتصف الليل، على كل خطوط الطول وليس للأوقات الأخرى هذا الثبات من أجل ذلك فضلوا الثابت على غير الثابت ليبدأ منه اليوم، وفضل الفلكيون وقت الظهر، واختار المدنيون منتصف الليل، لأنهم استقبحوا أن يقسم النهار إلى يومين.

البداية المكانية لليوم الشمسي

ولما كانت الأرض تجري حول نفسها أمام الشمس دون توقف من الغرب إلى الشرق محدثة الليل والنهار كان لابد من تحديد مكان ينتهي عنده اليوم ويبدأ بعده آخر. ولما اتفق أعضاء مؤتمر خطوط الطول العالمي الذي انعقد بواشنطن 1884م على جعل خط زوال جرينتش الخط الأساسي، وهو يفصل ما بين بعد الظهر في شرقه وما بين قبل الظهر في غربه، يكون خط طول 180 درجة شرقا، هو نفس خط طول 180 درجة غربا فاصلا بين ما بعد منتصف الليل في شرقه، وما قبل منتصف الليل في غربه ولما كان اليوم المدني يبدأ  من منتصف الليل اختير خط 180 درجة خط التاريخ العالمي بحيث يفصل ما بين نهاية يوم في شرقه وبداية يوم في غربه، وعلى من عبره في أي ساعة من ليل أو نهار في اتجاه القارة الآسيوية أن يعتبر نفسه دخل في يوم جديد، ومن يعبره في اتجاه القارة الأمريكية في أي ساعة من ليل أو نهار الرجوع يوما، وتحاشيا أن يكون في الوحدة السياسية يومان في آن واحد انحرفوا بالخط شرقا وغربا بحيث يتفادى هذا الخط سطح اليابس، والجزر المكونة وحدة سياسية، ويمر فوق المسطحات المائية، فالفارق عند هذا الخط بين شرقه وغربه يوم كامل، فلو تم الانتقال من الجانب الآسيوي إلى الجانب الأمريكي يجب الرجوع بالتاريخ يوما، وإذا حدث العكس وتم الانتقال من الجانب الأمريكي إلى الجانب الآسيوي انتقلنا إلى يوم آخر، على سبيل المثال عند عبور المحيط الهادي من نيوزيلندة الواقعة غرب خط التاريخ العالمي إلى الجانب الأمريكي شرق خط التاريخ العالمي فيتحتم علينا تغيير التاريخ، فإذا كان التاريخ هو يوم الثلاثاء الموافق 1 من فبراير سنة 2000م، فمعنى ذلك أن التاريخ في الجانب الأمريكي هو يوم الاثنين الموافق 31 من يناير سنة 2000م.

خط التاريخ القمري

وجدنا أن خط التاريخ الدولي، هو المكان الذي يفصل بين يومين شمسيين – زواليين – وكذلك الحال في خط التاريخ القمري، فهو المكان الذي يفصل بين يومين قمريين غروبيين، ولما كان اليوم الشمسي يبدأ فلكيا بمنتصف النهار؛ ومدنيا بمنتصف الليل، فإن اليوم القمري ـ الغروبي ـ يبدأ بغروب الشمس يبدأ من نصف دائرة الضوء الفاصلة بين آخر النهار وأول الليل، والدائرة الضوئية هذه تختلف من يوم لآخر حسب مكان الأرض من الشمس في دورة الأرض السنوية، فإذا كانت الشمس تتعامد على خط الاستواء كانت دائرة الضوء متوازية ومتطابقة مع خطوط الطول وهذا يحصل في الاعتدالين ـ الربيعي والخريفي ـ فقط في يومي 21 من مارس و23 من سبتمبر من كل عام، وينحرف هذا الخط في موازاته لخطوط الطول تدريجيا كلما ابتعدنا عن يومي الاعتدالين، ويبلغ أقصى انحرافه في الانقلابين الانقلاب الصيفي والشتوي، يومي 21 من يونيو، 22من ديسمبر من كل عام وكما أن من عبر خط التاريخ الدولي عليه تغيير التاريخ فكذلك من عبر خط التاريخ القمري عليه أن يغير التاريخ فإن عبره الإنسان من الشرق إلى الغرب بعد تمام 29 يوما من شعبان وكان من بالغرب رأوا الهلال ومن بالشرق لم يروا الهلال فعلى من عبره عشاء وإن لم ير الهلال ببلده ووصل إلى من رأوه بالمغرب أن ينوي الصوم ويصوم، وعلى من عبره من الغرب إلي الشرق وكان قد رآه بعد المغرب ولكنه وصل قبل الفجر عند من لم يروه فإنه يفطر مع المفطرين وهذا تفسير لما حدث من ابن عباس حينما علم أن معاوية رضي الله عنه رآه بالمغرب ـ دمشق ـ وهو لم يره بالمشرق ـ المدينة ـ لم يعمل برؤية أهل الشام، ففي صفحة 584 من المجلد الثالث من كتاب حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع ” إذا رآه جماعة ببلد فوصلوا آخر الليل إلى بلد آخر بعيدة لم ير الهلال به لم يلزمهم الصوم. وقال في صفحة 358 ” فرؤية أهل المغرب لا تكون لأهل المشرق، بخلاف عكسه. ” وقال في صفحة 359 ” ونبه غير واحد على أنه يلزم من الرؤية في البلد الشرقي الرؤية في البلد الغربي من غير عكس وعليه يحمل حديث كريب (فإن دمشق غرب المدينة فصلاة الظهر تحين يوميا في دمشق بعد المدينة) وكل قوم مخاطبون بما عندهم كما في أوقات الصلاة، ويشارك من رأوه من اتحد معهم في هذا اليوم في مغرب الشمس ومن في غربهم. قال في حاشية الروض المربع صفحة 358 ” وذكر شيخ الإسلام:” أن المطالع تختلف باتفاق أهل المعرفة بهذا، وقال إن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا. ا هـ. وقطع به غير واحد، وصححوه “.

من أين يبدأ الشهر القمري

يبدأ الشهر القمري فلكيا حين اجتماع الشمس والقمر، ويقولون إن القمر في المحاق، ويبدأ الشهر شرعا حيث يرى نور القمر المقطوع بوجوده فوق الأفق الغربي بعد غروب الشمس عقب اجتماعها، لمن حدث عندهم ذلك ولمن شاركهم في غروب الشمس، وكذلك البلاد التي تليها غربا، أما البلاد التي تقع في شرق نصف دائرة الضوء هذه التي ظهر فيها شئ من القمر بعد الغروب فقد اضطربت أقوال العلماء فيها، وسأبين آراء عدد منهم موضحا وجهة نظرهم في هذه القضية، وأعقب عليها بعون الله، وأسأله الصواب إنه نعم المولى ونعم النصير، ثم أذكر أوجه القمر؛ لأن العلماء تحدثوا عن رؤية القمر فجرا قبل المحاق، ولأن العلماء اختلفت كيف نعد العدة لمن تعتد بالشهور، هل لابد وأن نكمل الشهر المنكسر  ثلاثين أم نكمله بمثل ما بدأنا؛ فإن بدأنا والقمر بدر انتهينا والقمر بدر وهكذا، كمل المنكسر ثلاثين أو لم يكمل. ثم أذكر ظاهرتي الكسوف والخسوف لأنهما يعينان على معرفة خط التاريخ القمري.

——

*بحث مقدم من الشيخ/ حسن موافي لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في مؤتمره لثالث الذي انعقد بنيجريا  دوران الأرض من الغرب إلى الشرق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى