الدكتورة “فكرت المهدي” خبيرة هندسة الإنشاءات المقاومة للزلازل: من الضروري أخذ مقاومة الزلازل في الاعتبار عند تصميم المباني وتفعيل أنظمة الإنذار المبكر
الدكتور “فكرت المهدي” كانت تعمل مدرس مساعد للهندسة المدنية بجامعة حمص، وعندما جرى ما جرى في سوريا لجأت إلى مصر بضع سنين، قبل أن تحصل على منحة لاستكمال الدكتوراه في جامعة أولوداغ بمدينة بورصة التركية، والآن هي باحثة ما بعد الدكتوراه، وتخصصها الدقيق في هندسة الإنشاءات المقاومة للزلازل، وقد أجرى معها موقع “الجزيرة نت” هذا الحوار السريع حول الكارثة التي ألمت بكل من الشعبين التركي والسوري حول الانهيار المتتابع للأبنية الخرسانية تحت تأثير الحمولات الزلزالية.
مقاومة الزلازل
أعاد الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا الحديث عن أهمية تصميم المباني المقاومة للزلازل بطريقة جيدة، إلى أي مدى بلغنا في تصميم مثل هذه المباني؟ وما فرص التقليل من خسائر الزلازل؟
فكرت المهدي: طبعا أصبح من الضروري أخذ مقاومة الزلازل في الاعتبار عند تصميم المباني كي تبقى بحالة إنشائية جيدة عند التعرض لشدات زلزالية مختلفة، حسب طبيعة المنطقة الزلزالية التي يقع فيها البناء، وحسب طبيعة التربة وأهمية المبنى نفسه. فكل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير على طريقة تصميم المبنى، وعلى ماهية الأضرار التي يمكن توقعها أو قبولها في حال التعرض لشدة زلزالية معينة.
وكلما تمت دراسة المبنى وتصميمه وتنفيذه بشكل أفضل قلت مخاطر انهياره نتيجة الحمولات الزلزالية.
إلى أي حد تعتبر تركيا وسوريا ودول الجوار منطقة نشطة زلزاليا؟ وما أعنف الزلازل التي ضربت المنطقة خلال التاريخ القريب؟
فكرت المهدي: تعتبر تركيا واحدة من المناطق الأكثر نشاطا زلزاليا وتحتوي على 3 خطوط من الفوالق الزلزالية، وهي صدع شمال الأناضول، وصدع غرب الأناضول، وصدع شرق الأناضول. كما تحتل موقعا بين 3 صفائح تكتونية، وهي الصفيحة العربية، والصفيحة الأفريقية جنوبا، والصفيحة الأوراسية شمالا.
وقدمت تركيا للعالم أجمع بيانات زلزالية هامة ساعدت في دعم الأبحاث الزلزالية عالميا مثل التسجيلات الزلزالية التابعة لزلزال دوزجيه عام 1999، وزلزال إزميت 1999 أيضا، وقد تم تسجيل هذه الهزات بدقة متناهية كغيرها من الهزات.
وقد تعرضت تركيا لزلازل شديدة والأهم أنها سطحية أي أنها تضرب في مراكز قريبة من سطح الأرض وهذا النوع هو الأكثر دمارا.
وبالطبع تعرضت سوريا أيضا بسبب احتوائها على الفالق الانهدامي الأفريقي الذي يقطعها من الشمال إلى الجنوب مرورا بالمدن الرئيسية الكبرى لزلازل عنيفة تاريخية، يقال إن أحدها بلغت شدته 8.5 درجات بمقياس ريختر، لكن الزلازل الحديثة هناك تقل شدتها عن 6.5 حسب ما تم رصده.
الزلازل عبر التاريخ
اليابان تعتبر من البلدان التي عرفت تقدما في تصميم البنايات المقاومة للزلازل إلى أي مدى بلغت في ذلك؟
فكرت المهدي: بالنظر الى الدروس المستفادة من الزلازل عبر التاريخ نلحظ تطور العلم الهندسي في هذا المجال حيث توجد لدينا الآن تقنيات متطورة لحماية المنشآت من الزلازل، سواء عن طريق تقنيات العزل الزلزالي، أو تخميد القوى الزلزالية داخل المبنى وغيرها، ونحن نشهد بالفعل تطورا ملحوظا للتقنيات كتلك التي تستخدمها اليابان في عزل الأبراج مثلا.
الدراسات العلمية وإمكانية التنبؤ بالزلازل
هناك العديد من الدراسات العلمية التي تؤكد إمكانية التنبؤ بالزلازل بنسب تقارب الحقيقة، ما مدى صحة هذه الدراسات؟ وهل يجدر بالدول الاعتماد عليها؟
فكرت المهدي: يمكن ملاحظة نشاط الفوالق الزلزالية لمعرفة ما إذا كان الصدع نشطا أم خاملا، كما يمكن تحليل التاريخ الزلزالي لأي منطقة لحساب الدور الرجعي أو الزمن الذي سيحدث فيه زلزال ما بشدة معينة، ولكن لا يمكن لأحد أن يجزم بأن زلزالا بشدة معينة سيضرب مكانا معينا في ساعة معينة.
في المقابل، يمكن للعلماء تقدير المكان المحتمل حدوث زلزال فيه، ويتم احتساب ذلك بناء على متوسط معدل النشاط الزلزالي السابق في المنطقة.
وتعتبر هذه التقنية مفيدة بشكل خاص في المناطق التي تم فيها تسجيل الزلازل بواسطة أجهزة قياس الزلازل التي دخلت حيز الاستخدام لأول مرة على نطاق واسع في أوائل القرن العشرين.
كما يمكن الحصول على معلومات إضافية وإن كانت أقل دقة عن طريق حفر الخنادق لفحص السجل الجيولوجي للفوالق الزلزالية التي حدثت في التاريخ القديم.
ويمكن للعلماء تقدير عدد السنوات التي يمكن أن يتكرر فيها زلزال بقوة معينة من خلال تقدير تراكم الضغط على الصدوع نتيجة للحركة المستمرة للصفائح التكتونية.
أسوأ السيناريوهات
كيف يمكن للمناطق النشطة زلزاليا أن تستعد لأسوأ السيناريوهات؟
فكرت المهدي: بالطبع في المناطق النشطة زلزاليا توجد سيناريوهات عديدة لما بعد وقوع الزلزال ولحماية السكان في المناطق المتضررة ولإنقاذ المصابين في تلك المناطق وإسعافهم. وكل تلك السيناريوهات تكون معتمدة ومجهزة على كل الأصعدة وفي كل الجهات المعنية بالمهمة.
كما يتم تدريب الطلبة في المدارس بشكل دوري سنوي على التدابير الاحترازية الواجب اتباعها في حال وقوع زلزال، ويتم أيضا إرسال رسائل توعوية دورية للمواطنين، وهذا الأمر معمول به في كافة الدول المتقدمة.
أنظمة الإنذار المبكر
هل أنظمة الإنذار المبكر تجدي نفعا في ذلك؟
فكرت المهدي: يساعد نظام الإنذار المبكر من الزلازل في نشر المعلومات في الوقت المناسب حول مخاطر الزلازل الكارثية المحتملة للسكان ومديري الطوارئ والقطاع الخاص لتوفير الوقت الكافي لتنفيذ تدابير الطوارئ الآلية.
كما تساعد هذه الأنظمة في الحد بشكل كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الآثار الكارثية والآثار اللاحقة للزلازل مثل تلك الناتجة عن الحرائق والانهيارات والتلوث.
ويعتمد مثل هذا النظام على أحدث التقنيات باستخدام التحليل السريع عن بعد للموجات الزلزالية الأولية الناتجة عن الزلزال التي تم جمعها من شبكة كثيفة من أجهزة الاستشعار الزلزالية. وفي السنوات الأخيرة تم تطوير نظام الإنذار المبكر بشكل مستقل في عدد قليل من البلدان.
وفي ديسمبر 2015 أطلق قسم علوم الأرض والحد من المخاطر الجغرافية التابع لليونسكو المنصة الدولية حول أنظمة الإنذار المبكر بالزلازل، وتركيا من بين الدول العشر الممثلة فيها من خلال خبراء علميين بارزين من المؤسسات العليا في الصين وألمانيا وإيطاليا واليابان والمكسيك ورومانيا وإسبانيا وسويسرا وتركيا والولايات المتحدة.
وبالنظر إلى أنه لا يزال تطوير نظام الإنذار المبكر يتطلب مزيدا من الاختبارات وزيادة كثافة التغطية في محطات المراقبة الزلزالية والتنسيق الإقليمي والمزيد من الفهم العلمي، لذلك هناك حاجة قوية لتعزيز القدرات التقنية والتشغيلية المطلوبة لهذه الأنظمة.
وتقود اليونسكو اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية والعديد من البرامج العلمية الدولية والحكومية الدولية التي نفذت بنجاح أنظمة الإنذار المبكر لأمواج تسونامي والفيضانات والجفاف.