منوعات

الحلم المصري الذي لم يكتمل.. (منخفض القطارة).. بحيرة صناعية لتطوير الإمكانات الكهرومائية لمصر

مشروع منخفض القطارة، سيكون المشروع الأضخم في تاريخ مصر, (إن تم تدشينه), بالتوازي مع السد العالي في أسوان، الهدف من هذا المشروع تطوير الإمكانات الكهرومائية لمنخفض القطارة من خلال إنشاء بحيرة اصطناعية. ووفقا للخبراء, سيساهم هذا المشروع العملاق في تغير المناخ إلى الأفضل وسيساهم في تحويل المنطقة إلى منطقة رعوية مطيرة كما سيتيح المشروع إمكانيات سياحية كبيرة ونقل بحرى رخيص وفرص لتحلية مياه البحر، فضلا عن المكسب الأكبر وهو توليد الكهرباء. وقد انتهت فكرة منخفض القطارة برفض المشروع لتأثيراته البيئية السلبية وارتفاع تكلفة شق القناة بتكنولوجيا ذلك الزمان. وأغلق الملف لدى الحكومة المصرية منذ عام 1974م.

قبيل ثورة 25 يناير 2011؛ تقدم المستشار فتحي رجب وكيل اللجنة التشريعية في مجلس الشورى السابق المنحل بطلب مناقشة حول مشروع منخفض القطارة؛ وكانت مبرراته: “إن مصر تعاني من فقر في الطاقة البترولية سيتحول إلي مجاعة خلال سنوات ليست بعيدة وأن المشروع سيفتح لنا منجما من الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة؛ كما أنه سيستوعب أعددا كبيرا من العاطلين الذين ضاقت بهم سبل الرزق التقليدية” لكن طلب المناقشة جري تأجيلها؛ فقد دخل بذلك في دائرة المحرمات والممنوعات! وبدأ الصراع بين أكثر من وزارة حول المشروع؛ فوزارة السياحة تريد الأرض لبناء كتل من الأسمنت والخرسانة المسلحة تسميها مشروعات سياحية؛ ووزارة البترول تريد تعطيل المشروع بحجة أن الأرض هناك تبشر بوجود بترول بها؛ مع أن المشروع لا يمنع البحث عن البترول بل علي العكس يضاعف من فرص اكتشافه كما جاء في الدراسات الأولية؛ ووزارة الكهرباء تخشي الانتقال من محطات المازوت والغاز الطبيعي إلي المحطات غير التقليدية التي لا تتمتع بالخبرات الكافية في تشغيلها وصيانتها وإدارتها .

وكانت التفجيرات النووية مطلوبة فيما مضي لرخصها عن الوسائل الأخرى؛ أما بعد أن اعترضت ليبيا علي سند في القول بأن الرياح قد تعبث بالغبار الذري الناتج عن التفجيرات فيصل إليها، فقد تطورت تكنولوجيا شق القنوات بالطرق التقليدية حديثا؛ بل إن شركة “سويكو” السويدية كانت قد تقدمت بمشروع لوزارة الكهرباء بأجهزة ميكانيكية كانت حديثة ومتطورة منذ 30 سنة.

عقب ثورة يناير طالب العلماء والخبراء ومنهم الدكتور خالد عودة, بإعادة فتح ملف هذا المشروع العملاق لإتاحة الفرصة للخبراء والمتخصصين للنظر فى إمكانية تنفيذ المشروع فى ضوء التقدم التكنولوجى الكبير الذى طرأ على العالم منذ آخر دراسة تمت عام 1975 لعل هذا التقدم التكنولوجى قد تغلب على مشاكل نفقات الحفر، وبذلك تكون مصر قد اقتربت من تنفيذ هذا الحلم الذى راود شعبها ولا يزال يراوده، وكان مصدر إلهام لأشهر كُتاب الخيال العلمى وهو ﭽول ﭭيرن الذى كتب رواية باسم (بحر الصحراء) تحدث فيها عن تحويل الصحراء الكبرى إلى بحيرة عملاقة.

البداية

وكان أول شخص موثق يقترح إغراق أجزاء كبيرة من الصحراء الكبرى هو الجغرافي الفرنسي “فرانسوا إيلي روداير” الذي كان اقتراحه مصدر إلهام للكاتب جول فيرن في آخر رواياته “اجتياح البحر”. ويقال إن خطط استخدام منخفض القطارة لتوليد الكهرباء تعود إلى عام 1912 من عالم الجغرافيا في برلين “ألبرخت بينك”.

تمت مناقشة الموضوع لأول مرة بمزيد من التفصيل من قبل الدكتور “جون بول” في عام 1927. كما أجرى د. بول الحسابات الأولية الأولى حول معدل التعبئة القابل للتحقيق ومعدل التدفق وإنتاج الكهرباء والملوحة.

ويعود الفضل في اكتشاف المنخفض إلى الدكتور جون بول، مدير المسح الإنجليزي لمصر، الذي أشرف على رسم خرائط المنخفض عام 1927 والذي اقترح استخدامه لأول مرة لتوليد الطاقة الكهرومائية. في عام 1957، اقترحت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الرئيس دوايت أيزنهاور أن السلام في الشرق الأوسط يمكن تحقيقه عن طريق إغراق منخفض القطارة. البحيرة الناتجة، وفقًا لوكالة الاستخبارات الأمريكية.

الموقع

منخفض القطارة هو منطقة صحراوية شاسعة غير مأهولة يبلغ متوسط عمقها 60 مترًا تحت مستوى سطح البحر. بإدخال مياه البحر المتوسط إلى المنطقة من خلال ربطهما عن طريق أنفاق أو قنوات إلى المنطقة وتبخر تلك المياه المتدفقة بسرعة بسبب المناخ الصحراوي، بهذه الطريقة يمكن إنشاء تدفق مستمر للماء إذا تم موازنة التدفق الداخل والتبخر، مما يمكن من توليد الطاقة الكهرومائية في النهاية بهذه المياه المتدفقة باستمرار. قد ينتج عن ذلك بحيرة شديدة الملوحة أو وعاء ملح حيث يتبخر الماء ويترك الملح الذي يحتوي عليه. وهذا من شأنه أن يعيد منخفض القطارة إلى حالته الحالية ولكن بتربة سبخية أعلى عشرات الأمتار.

مقترحات التشييد

تدعو المقترحات إلى حفر قناة كبيرة أو نفق بطول يتراوح من 55 إلى 100 كم اعتمادًا على الطريق المختار إلى البحر الأبيض المتوسط لجلب مياه البحر إلى المنطقة. أو بخلاف ذلك، خط أنابيب بطول 320 كيلومترًا شمال شرق نهر النيل بالمياه العذبة جنوب رشيد، وبالمقارنة، يبلغ طول قناة السويس المصرية حاليًا 193 كيلومترًا. من خلال موازنة التدفق الداخلي والتبخر، يمكن الحفاظ على مستوى مياه البحيرة ثابتًا. العديد من مستويات البحيرة المقترحة هي 70 و 60 و 50 مترًا تحت مستوى سطح البحر.

فترة باسلر

من عام 1964 وما بعده قاد البروفيسور فريدريش باسلر «مجلس المستشارين» الدولي الذي كان مسؤولاً عن تخطيط وتمويل أنشطة المشروع، كما قدم المشورة للحكومة المصرية في هذا الشأن منذ عام 1975 فصاعدًا، وتم تعيينه لإجراء دراسة جدوى أولية من قبل وزارة الاقتصاد الاتحادية الألمانية في بون.

كان باسلر القوة الدافعة وراء مشروع القطارة لما يقرب من عقد من الزمان. كان فريق من ثمانية علماء وفنيين معظمهم من الألمان يعمل في منتصف السبعينيات على تخطيط أول محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية الشمسية في العالم. وضعت «دراسة باسلر» الأولى عام 1973 الأساس للحكومة المصرية للتكليف بإجراء دراسة خاصة بها، وقررت في عام 1975 أن باسلر ومجموعة من الشركات المعروفة باسم “مشروع القطارة المشترك” ينبغي أن تجري دراسة جدوى للمشروع.

كان مفهوم المشروع؛ يجب توجيه مياه البحر الأبيض المتوسط عبر قناة أو نفق باتجاه منخفض القطارة الذي يقع تحت مستوى سطح البحر، من ثم يسقط الماء في المنخفض من خلال بوابات بغرض توليد الكهرباء. سوف تتبخر المياه بسرعة بسبب الطقس الجاف والحار للغاية مرة واحدة في المنخفض، هذا من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من الماء إلى المنخفض ويخلق مصدرًا مستمرًا للكهرباء.

بقناة بعمق 60 مترًا تربط البحر المتوسط بحافة المنخفض عند هذا البرزخ الضيق، ستوصل هذه القناة المياه إلى المنخفض، فضلاً عن كونها طريقًا للشحن باتجاه بحيرة القطارة مع ميناء ومناطق صيد في المنخفض. كان من المقرر ملء المنخفض حتى ارتفاع 60 متر تحت مستوى سطح البحر، مما يستغرق ما مجموعه 10 سنوات لملء هذا المستوى، بعد ذلك سيوازن التدفق الوارد ضد التبخر الخارج وسيؤدي إلى توقف مستوى البحيرة عن التغير.

في المرحلة الأولى من المشروع كان من المقرر أن تولد محطة القطارة 1 حوالي 670 ميغاوات. المرحلة الثانية كانت لتوليد 1200 ميجاوات إضافية. ستعمل منشأة الطاقة الكهرومائية التي يتم تخزينها بالضخ على زيادة الطاقة الإنتاجية القصوى بـ 4000 ميجاوات أخرى، أي ما مجموعه حوالي 5800 ميجاوات.

كانت المشكلة الأساسية للمشروع هي التكلفة والصعوبة الفنية لتحويل مياه البحر إلى المنخفض. أظهرت الحسابات أن حفر قناة أو نفق سيكون مكلفًا للغاية. ستكون هناك حاجة لإزالة بعض الملايين من الذخائر غير المنفجرة المتبقية من الحرب العالمية الثانية في شمال مصر، وبالتالي كان استخدام المتفجرات النووية لحفر القناة اقتراحًا آخر من قبل باسلر. دعت هذه الخطة إلى تفجير 213 جهازًا نوويًا في أبار سبر، ينتج كل منها 1.5 ميغا طن (أي 100 مرة ضعف القنبلة الذرية المستخدمة ضد هيروشيما)، ويتناسب هذا مع برنامج الذرة من أجل السلام الذي اقترحه الرئيس دوايت أيزنهاور في عام 1953. أوردت خطط الإجلاء بأعداد لا تقل عن 25000 شخص سيتم إجلاؤهم. قد تؤثر موجات الصدمة الناتجة عن الانفجار أيضًا على صدع البحر الأحمر غير المستقر تكتونيًا والذي يقع على بعد 450 كم فقط من موقع الانفجار. كان الخطر الآخر هو زيادة تآكل السواحل لأن التيارات البحرية يمكن أن تتغير بطريقة تؤدي حتى إلى تآكل المناطق الساحلية النائية. بسبب المخاوف بشأن استخدام الحل النووي، رفضت الحكومة المصرية الخطة، وتنازل مساهمو المشروع عنه.

مميزات المشروع

تصل عوائد المشروع إلى حوالي 200 مليار جنيه مصري (هذا عائد تحلية مياه البحر فقط واستخدام الملح فى الصناعات) أما عائد المشروع ككل فهو ضخم جدا لأنه عبارة عن زراعة ملايين الأفدنة وبناء مدن جديدة بمصانع ضخمه لتشغلها الكهرباء الناتجة عن سقوط الماء في المنخفض؛ ويقوم المشروع بإنتاج مياه نقية صالحة لجميع الاستخدامات ( الشرب، الري، والاستخدامات الصناعية ) ما يعادل 57 مليار متر مكعب سنويا ومعدل ضخم من الطاقة الكهربائية ما يعادل 210.000 ميجا وات سنويا، بمعدل إنتاج أكثر بنسبة 100 مرة من إنتاج السد العالي الذي ينتج 2100 ميجا وات فقط ، فضلا عن إنتاج ملح نقى وعالي القيمة لاحتوائه على اليود ما يعادل 7.5 مليار طن سنويا ناهيك عن زراعة ملايين الأفدنة وزيادة الثروه السمكيه وزيادة المنشئات السياحية على شواطئ المنخفض واهم ميزه له هو نقل اكبر قدر من الكتلة البشرية التي في الوادي والدلتا إلى هذه الأرض الجديدة التي ستصبح خضراء.

معارضة الباز

الجدير بالذكر انه عارض المشروع في الثمانينات بعض العلماء على رأسهم الدكتور فاروق الباز بسبب الآتى : 1- المياه المالحه التي ستدخل المنخفض من البحر ستؤثر على عزوبة المياه الجوفية في الصحراء الغربية . 2- لا يمكن مد قناة من فرع رشيد إلى المنخفض لتزويده بالمياه العزبة وذلك لسببين الأول إن حصة مصر من مياه النيل تقل باستمرار ؛ والسبب الثاني إن المياه التي تندفع من فرعى دمياط ورشيد الى البحر تحمى الدلتا من أن يأكلها البحر وتحافظ على المياه العزبة الجوفية للدلتا .

اهتمام مستمر

منذ ذلك الحين، لا يزال العلماء والمهندسون يستكشفون من حين لآخر جدوى مثل هذا المشروع، كمفتاح لحل الضغوط الاقتصادية والسكانية والبيئية في المنطقة، لكن المشروع لم يتم تنفيذه بعد.

لقد أجريت دراسات عديدة لهذا المشروع الهندسى الجبار، وتدور كلها حول حفر قناة يبلغ طولها بين 55 و65 كيلومترا من منطقة العلمين بالساحل الشمالى لأقرب نقطة عند حافة المنخفض حيث تصب فى المنخفض.

يعتقد البعض, أن حفر قناة بهذا الطول الذى لا يزيد كثيرا عن التفريعة الجديدة لقناة السويس (قناة السويس الجديدة) قد أصبح فى متناول اليد بعد التقدم الكبير فى تكنولوجيا الحفر وانخفاض تكاليفه عن تلك المقدرة فى الدراسات القديمة، فضلا عن الخبرة الكبيرة التى اكتسبتها مصر فى هذا المجال وتوفر آلات الحفر الحديثة لديها.

هذا المشروع الكبير الذى سينجم عنه بحيرة مساحتها 20000 كيلومتر مربع أى ما يساوى مساحة بحيرة أنتاريو فى كندا، لن يساهم فقط فى تغيير خريطة مصر الجغرافية والتنموية بل والمناخية أيضا وهو تغير مناخى إيجابى سيحول المنطقة من الجفاف الشديد ودرجات الحرارة المفرطة فى الارتفاع إلى جو مطير مشبع بالرطوبة ودرجات حرارة منخفضة وسماء ملبدة بالغيوم، وسيمتد هذا التحول اللطيف فى الجو إلى مناطق الواحات والوادى الجديد وإلى الجزء الشرقى من الأراضى الليبية.

بل أن بعض خبراء التغير المناخى يرون فيه مخرجا لارتفاع منسوب البحار نتيجة التغير المناخى، عن طريق إتاحة إمكانية تصريف مياه البحار الزائدة لإحداث التوازن المطلوب.

حل المشكلات

مؤخرا استطاع بعض المهندسين والعلماء الحاليين حل بعض المشاكل الفنية المتعلقة بالمشروع (ولم يتبقى سوى القرار السيادي لبدء التنفيذ) ومنهم:

1- الدكتور عمرو أبو النصر والذي يقول: “بدلا من أن تضخ تلك المياه المالحة في القناة ومن ثم إلى المنخفض، فإننا سنضع محطة تحليه على ضفاف البحر المتوسط ويتم ضخ مياه محلاة بدلا من مياه مالحة حيث بدأنا نحن كفريق عمل مصري بالعمل على إيجاد حل لذلك حتى تمكنت من اختراع جهاز لتحليه المياه له قدرة على تحليه 75 مليار متر مكعب من المياه سنويا وتوليد طاقة كهربية قدرها 210 آلاف ميجا وات و7.5 مليار طن من الملح دون الإخلال بالتوازن البيئي ودون تلوث البيئة وليس هذا فقط بل إن درجة نقاوة المنتج تبلغ %99 ـ %100 وليس هذا فقط بل إن تكاليف الإنتاج للمتر المكعب الواحد تكاد تكون معدومة وتم التأكد بالفعل من هذا النظام عمليا وحاز على براءة اختراع رقم 1492 لسنة 2010 وصنف في المرتبة السادسة ضمن أفضل 47 بحثا على مستوى العالم، ويعد أفضل بحث من نوعه وبهذا تمكنا من تطويع البحث في هذا.

2– الدكتور سامح متري, الذي قال الحل الثاني يتمثل في تحلية مياه البحر بواسطة تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، والذي أجريت عليه تجارب عديدة منذ سنوات، وتتكون هذه التقنية من عاكس شمسي ووحدة مركزية اسطوانية الشكل تحتوى على مواد لامتصاص حرارة الشمس وفصل جزيئات الماء عن الملح، ومروحة لطرد بخار الماء، ووحدة لتكثيف البخار لينساب الماء العذب الخالي تماماً من الأملاح. وحول كيفية استخدام مشروع منخفض القطارة لهذه المياه العذبة، أكد أن الماء العذب الناتج من مئات الوحدات الضخمة، والقابعة بجوار شاطئ البحر المتوسط، تنساب خلال قناة أو أنبوب ضخم إلى حافة منخفض القطارة على بعد 56 كم من شاطئ البحر، لتسقط هذه الكميات الكبيرة من المياه العذبة على توربينات دوارة، تقبع على عمق 60 مترا من سطح البحر لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى