تعليم

واقع أبحاث تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول الخليج العربي

في دراسة علمية جديدة أجرى فريق من الباحثين من جامعة قطر مراجعة منهجية للبحوث المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات التي أجريت في منطقة الخليج، بهدف استكشاف العوامل التي تؤثر على إقبال الطلاب على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتحديد الفجوات في أبحاث تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وأظهرت نتائج المراجعة التي نشرت مؤخرا في دورية (International Journal of STEM Education) أن العوامل الثقافية والعوامل السياقية (النماذج التي يحتذى بها والأسرة) وتلك المتعلقة بالمدرسة، تعمل كحواجز أمام إقبال الطلاب على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أكدت الدراسة على الحاجة في المستقبل لبحوث لدراسة العوائق المؤسسية التي تحد من الالتحاق بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتأثير التعليم الثانوي على تطلعات الطلاب، فضلاً عن العوامل التي قد تؤثر على إقبال العنصر النسائي على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وفقا للمؤلفين، فإن الأبحاث التي أجريت في العديد من بلدان العالم أكدت على الدور الحاسم للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في تطوير رأس المال البشري في المجالات المهمة للتنافسية والازدهار. وفي دول مجلس التعاون الخليجي، تؤكد خطط السياسات طويلة الأجل الأخيرة على الحاجة المتزايدة للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة وإعداد مواطنين مؤهلين تأهيلا عاليا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للعمالة. وعلى الرغم من الإصلاحات التعليمية المتعددة والموارد الهامة التي تم توفيرها للغرض، لم تظهر المؤشرات الوطنية والدولية لأداء الطلاب الخليجيين سوى تحسنا طفيفًا في تحصيل مواد العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وهو ما يشير إلى أن شباب دول مجلس التعاون الخليجي لا يزالون يفتقرون إلى الاهتمام بوظائف العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مع معدلات تسجيل منخفضة في هذا المجال.

اتجاهات عامة

تكشف نتائج المراجعة التي أجريت على 18 ورقة علمية منشورة سابقا، عن بعض الاتجاهات المثيرة للاهتمام في أبحاث تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي الست، والتي يمكن فهمها من خلال النظر في الخصائص الديموغرافية والجغرافية والمنهجية الرئيسية المستخدمة في تناول هذا الموضوع من طرف الباحثين. ويتضح أن البحث في هذا المجال قد بدأ في دول المنطقة في أوائل عام 2011 ، مع زيادة متواصلة في عدد المنشورات لتصل إلى أعلى معدل في 2019 (27.8٪). وكانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة نشأت فيها الأبحاث في هذا الميدان وأكثرها عددا (33.3٪)  في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. تليها المملكة العربية السعودية التي أجريت فيها 22.2٪ من الأبحاق. وكانت نسبة الأبحاث التي تناولت دول مجلس التعاون بشكل عام في حدود 22.2٪ أيضا. علاوة على ذلك، ركزت دراسات قليلة على قطر (11.1٪)، عمان (5.6٪) والكويت (5.6٪). ولا يبدو أن أي ورقة بحثية قد فحصت أبحاث تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات المتعلقة بالبحرين على وجه الخصوص.

توزيع الأوراق العلمية حسب سنة النشر والدولة

فيما يتعلق بمستويات الدراسة، تُظهر النتائج تركيزا قويا على معلمي الروضة حتى الصف الثاني عشر K-12 (33.3٪) والطلاب الجامعيين (27.8٪)، بينما كان التركيز الأقل على أولياء الأمور (5.6٪). وبرزت في هذا الصدد، المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة التي لديها أكبر عدد من الأبحاث حول معلمي الروضة حتى الصف الثاني عشر (66.7٪). في المقابل، فإن معظم الأبحاث التي تناولت طلاب المرحلة من الروضة حتى الصف الثاني عشر والطلاب الجامعيين أجريت في الإمارات العربية المتحدة.

توزيع الأوراق المنشورة حسب الفئات

المنهجيات المستخدمة

وحول المنهجيات المستخدمة في الدراسات المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بدول مجلس التعاون الخليجي، تشير النتائج إلى أن المنهجية الكمية هي الأكثر استخدامًا (44.4٪)، تليها الدراسات النوعية (22.2٪)، والمختلطة (16.7٪) ، ودراسات المفاهيم (16.7٪). وكانت الدراسات الكمية أولى أنواع الدراسات التي نشأت في دول مجلس التعاون الخليجي، وتم إجراء نصفها في الإمارات العربية المتحدة لوحدها (50٪)، وكانت المملكة العربية السعودية والكويت وقطر الدول الوحيدة التي أنتجت أبحاثًا تستخدم الأساليب النوعية. فيما يتعلق بالبحوث التي استخدمت طرقا مختلطة، تشير نتائج دراسة المراجعة إلى المملكة العربية السعودية (33.3٪) والإمارات)  66.6٪ ( باعتبارهما البلدان الوحيدان اللذان أجريت فيهما دراسات تستخدم طرقا مختلطة. في المقابل، لم يستخدم أي بحث إطارا مفاهيميا في أي دولة بمفردها، حيث ركزت جميع الدراسات من هذا النوع على منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ككل.

توزيع الأوراق المنشورة حسب المنهجيات المستخدمة


وبخصوص مستوى التعليم الذي تم فحصه في أبحاث تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي، تكشف النتائج عن تركيز قوي على التعليم الثانوي (33.3٪) يليه التعليم العالي (27.8٪). وكان التركيز الأقل على التعليم الابتدائي (22.2٪). وبالنظر إلى الدولة التي تم التحقيق فيها، فإن أغلب الدراسات المتعلقة بالتعليم العالي تناولت دولة الإمارات العربية المتحدة (80٪)، بينما كانت الدراسات المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام مرتبطة في الغالب بجميع مستويات التعليم (75٪). في حين ركزت الدراسات التي تناولت المملكة العربية السعودية في الغالب على التعليم الابتدائي والثانوي (50 ٪).

توزيع الأوراق المنشورة حسبمستوى التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي


فيما يتعلق بانتماءات المؤلفين والباحثين الذين قاموا بتأليف الدراسات المختارة المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي، تُظهر النتائج أنه من بين إجمالي 47 مؤلفا، كان ربعهم فقط (25.5٪) يحملون جنسيات من خارج دول الخليج، موزعين بين الجنسيات الأسترالية والأمريكية (8.5٪ لكل منهما) ونيوزيلندية (2.1٪) والمصرية (4.2٪)  والانكليزية (2.1٪). أما بالنسبة للباحثين من داخل دول مجلس التعاون الخليجي، فقد كان معظمهم منتسبين إلى معاهد وطنية أو مراكز أو مؤسسات التعليم العالي في الإمارات (38.3٪) والمملكة العربية السعودية (19.1٪) وقطر (8.5٪) والكويت (4.26٪) وسلطنة عمان (4.3٪).

انتماءات الباحثين في الأوراق المنشورة

العوامل المؤثرة

بحسب المؤلفين، فإن تحليل البحوث التي أجريت على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات عبر دول مجلس التعاون الخليجي يُظهر عددا من الأنماط الموضوعية المثيرة للاهتمام. إذ يكشف تحليل البؤر الموضوعية عن تركيز كبير على العوامل المتعلقة بالمدرسة (55.6٪)، مثل تصورات المعلمين لتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ومناهج تعليمها. على النقيض من ذلك، حظيت العوامل المتعلقة بالطلاب (مثل جنسيتهم وجنسهم واهتمامهم بالعلوم ومواقفهم منها) باهتمام أقل بكثير في أبحاث العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (27.8٪). بينما كان الاهتمام بالعوامل البيئية، بما فيها تلك المتعلقة بدور أفراد الأسرة  ودخل الأسرة  والمعتقدات الثقافية والمجتمعية، والنظرة الاجتماعية تجاه المشاركة في تعليم ومهن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، متوسطا (38.92 ٪ ).

توزيع الأوراق المنشورة على العوامل المؤثرة في
الاقبال على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات

فيما يتعلق بالدول، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها الدولة الوحيدة التي اجتذبت البحث في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات باستخدام الخصائص البيئية والمدرسية والطلابية، بينما تركز جميع الدراسات الأخرى التي وظفت هذه العوامل على دول مجلس التعاون الخليجي على نطاق أوسع. في قطر، ركزت الدراسات على العوامل على مستوى الطالب والمدرسة بينما درست الدراسات في المملكة العربية السعودية والكويت وعمان العوامل على مستوى المدرسة. لا تزال البحرين الدولة الوحيدة التي تفتقر إلى الدراسات التي تحقق في هذه العوامل.

أوجه القصور

حدد المؤلفون في هذه الدراسة بعض أوجه القصور الرئيسية في الأبحاث الموجودة حول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي. إذ تشير دراسات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دول مجلس التعاون الخليجي التي تمت مراجعتها إلى وجود ثغرات بارزة، كان من بينها ضعف تمثيل المرأة مما أدى إلى تفاوتات واضحة بين الجنسين. كما تكشف عن بعض القضايا المنهجية الرئيسية، مثل النقص الواضح في أساليب المقارنة (بين دول المنطقة) أو الطولية للبحث في كيفية تغير الاهتمام وتصورات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بمرور الوقت. كما لاحظ الباحثون غياب واضح للبحوث التي تستكشف العوامل التي قد تعزز مشاركة الطلاب في مجالات الدراسة والوظائف المرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

واستنتج المؤلفون وجود فجوة كبيرة في هذا المجال البحثي تتمثل في إهمال الطريقة التي ينظر بها المجتمع في دول مجلس التعاون الخليجي إلى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ومن الأمور البارزة في هذا المجال الدور الحاسم الذي تلعبه العوامل الثقافية في الكشف عن كيفية إدراك الناس في المجتمع المحلي للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وخلصوا إلى أن تركيز الدراسات المستقبلية على معالجة هذه الثغرات التي تم تحديدها سيؤدي إلى تحسين جودة البحث في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المنطقة، كما سيسهم في بناء القدرات البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي ودعم التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة.

المصادر/ منظمة المجتمع العلمي العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى