كتاب: “الفكر في الصين”.. موقع الصين ضمن الخارطة الفكرية والبحثية العالمية
ينطلق كتاب “الفكر في الصين” Penser en Chine من إشكالية تتعلق بالصورة المعروفة للصين كبلد يحكمه نظام قمعي معاد لحرية التعبير، وبالتالي فإن الوقوف على خارطة الفكر الصيني يمر بتساؤل: “هل أن التفكير في كل شيء ممكن في الصين؟” كما ورد في مقدّمة الكتاب.
قبل الجائحة العالمية التي انطلقت منها، قلّما كان هناك اهتمام بالصين في أوروبا أبعد من الجانب الاقتصادي، ومن ذلك الاهتمام بالحياة الثقافية بشكل عام، لا سيّما بالإنتاج الفكري. لكن يبدو أن توسيع الاهتمام بالصين فكريًا هو أحد الآثار الجانبية لفيروس كورونا.
في هذا السياق، يمكننا تلقّي الكتاب الجماعي “الفكر في الصين” Penser en Chine الذي صدر مؤخرًا عن منشورات “فوليو” تحت إشراف الباحثة الفرنسية من أصول صينية آن شانغ، وقد تضمّن العمل دراسات أنجزها باحثون من اختصاصات متنوعة، من أبرزهم: ناتان سبربر، وإيزابيل تيرو، ومارشال سلينز، وجون ماكيهام، وآن كيرلان، وروث غامبل، وجي غزوغزانغ.
الهدف من هذا العمل الجماعي هو وضعنا فيما يتعلق بالصين التي غزت أفقنا بسبب نموها الاقتصادي المذهل، ولكن أيضًا الجيوسياسي والعسكري، وبالتالي اعتماد الأطروحة، التي أصبحت موضوعًا مركزيًا للدعاية الرسمية، عودة لماضيها الإمبراطوري.
هل لا يزال مسموحًا بالتفكير بصوت عالٍ، أو التفكير ببساطة شديدة، في بلد يتم الحديث عنه كثيرًا دون أن تكون قادرًا على التحدث بحرية؟ كيف، في موجة الأخبار الغاضبة التي تصل إلينا يوميًا من الصين وحولها، يمكننا التمييز بين أصوات أخرى غير تلك الأصوات بوسائل الإعلام وأصوات الأقوياء في هذا العالم؟ متى تمكنا من سماع تحليلات خبراء الصين بمرور الوقت، ومن باب أولى، الخطابات غير المسموعة تقريبًا للمثقفين الصينيين أنفسهم؟
لكن العمل – بحسب المشرفة على تحريره – لا يهدف فقط إلى توضيح ملامح النشاط الفكري في الصين وتعداد مجالات اهتمام المنشغلين بالمعرفة، بل محاولة “موقع الصين ضمن الخارطة الفكرية العالمية”، وخصوصًا عقد مقارنة بين انشغالات الباحثين الصينيين ونظرائهم في الغرب.
يدرس الكتاب أيضًا مساهمة المفكّرين الصينيين في عدّة مقولات تطرحها الدولة أبرزها تمجيد الماضي الإمبراطوري، وأيضاً تسويغ السياسات الرأسمالية في بلد يحكمه حزب شيوعي، وضمن هذا السياق جرت دراسة علاقة المناخ الفكري الحالي بأطروحات الزعيم السابق ماو تسي تونغ.
بعد عقود من الحكم الماوي، لم يتخيل أحد أن الصين ستتمكن يومًا ما من إبراز نفسها على نطاق عالمي. ومع ذلك، فمن الواضح أن النخبة المثقفة الصينية اليوم تشعر بالثقة الكافية من نفسها لتعلن نفسها صراحةً على أنها تحمل قيم عالمية لا تدين بأي شيء لقيم التنوير الأوروبي. لكن ما هو الواقع؟