منوعات

“جين جودال”.. إحدى أبرز علماء الطبيعة في العالم: الأمل دليل البقاء على قيد الحياة في الأوقات الصعبة

حين وقعت الحرب العالملية الأولى, كانت “جين جودال” تبلغ من العمر حوالي 6 سنوات، كانت “جين” تستيقظ جين من نومها غالبًا على صوت صفارات الإنذار. في حين كانت أختها الصغيرة “جودي” تنهض بسرعة وتنزل الدرج للاختباء في القبو، كانت “جين” ترفض التحرك من مكانها.

في تقرير نشرته مجلة “تايم” (Time) الأمريكية، تقول الكاتبة سيارا نوجنت إنه بعد مرور 8 عقود على تلك الأحداث، ما زالت “جين” -التي بلغت 87 عاماً- تعيش في المنزل ذاته، ولا يزال القبو موجودًا، لكنه أصبح يحتضن الغسالة والثلاجة.

تمتلئ الرفوف الخشبية في بقية أنحاء المنزل بالكتب والتماثيل والصور الفوتوغرافية، وهي عبارة عن هدايا تذكارية من مشوار “جين” المهني كإحدى أبرز علماء الطبيعة في العالم.

كان فريق التصوير يتنقل بين الغرف بحثًا عن قطع أثاث لالتقاط صور تذكارية في الحديقة، في حين كانت “جين” تراقبهم بحزم، وتحدثهم بهدوء, مقترحة على فريق التصوير تجربة موقعها المفضل، وهو غرفة نومها العلوية.

جين والشهرة العلمية

سنة 1960، عندما كانت “جين” في الـ26 من عمرها، بقيت لأشهر في غابات تنزانيا، تنتظر أن تتأقلم قردة الشمبانزي مع وجودها بينهم حتى تتسنى لها مراقبتها عن قرب.

وعندما فعلت، توصلت إلى اكتشاف علمي مذهل، وهو أن قرود الشمبانزي تستخدم بعض الأدوات مثل البشر، وهو ما أدى إلى تحوّل كبير في فهم العلاقة بين البشر والحيوانات، ومنح “جين” شهرة عالمية.

وفي سنة 1962، إبان دراستها للحصول على شهادة الدكتوراه في سلوك الحيوان بجامعة كامبريدج، انتقدها الأساتذة بسبب استخدامها المشاعر البشرية لوصف سلوك الشمبانزي، وقالت حينها إنها “لم تواجههم وواصلت بهدوء فعل ما كانت تعتقد أنه الأمر الصائب”.

جين جودال

قيود صارمة

ومع مرور الوقت، أصبحت نظريتها بأن قردة الشمبانزي حيوانات اجتماعية ذكية، مقبولة في الأوساط العلمية على نطاق واسع، ومهدت الطريق لفرض قيود أكثر صرامة على استخدام هذه الحيوانات في التجارب العلمية.

وتحولت جين من مجال البحث الأكاديمي إلى المجال التطبيقي في الثمانينيات، وقد سمح لها نهجها العلمي الثابت وغير التصادمي بأن تصبح واحدة من أكثر دعاة حماية البيئة شهرة في التاريخ الحديث.

حماية البيئة

استفادت “جين” من قصة حياتها ومعاناتها الشخصية في حشد الدعم العالمي لحماية البيئة، في فترة كان فيها هذا النشاط هامشيًا إلى حدٍ كبير. ومن خلال معهد جين جودال (Jane Goodall Institute) الذي أسسته عام 1977، قامت بجمع الأموال للمشاريع البيئية وبرامج التخفيف من وطأة الفقر وحماية المحميات الطبيعية.

ويضم معهد جين جودال حاليًا فروعًا في 24 دولة. وفي عام 2004، حصلت على أعلى أوسمة الإمبراطورية البريطانية. وأصبحت تجوب أنحاء العالم لتضيف إلى جعبتها العلمية المزيد من المعارف عن التاريخ وسلوك الحيوان وغيرها من الاختصاصات.

علامة تجارية

وقبل تفشي وباء كورونا، قضت جين غالبية وقتها في الترحال والتحدث في المؤتمرات والبرامج الحوارية؛ لغرس ثقافة المحافظة على البيئة. وقد أنشأت علامة تجارية مشهورة لحماية البيئة تتمحور حول مصطلح “الأمل”، وهي كلمة ظهرت في عناوين 4 من أصل 21 كتابا للبالغين نشرتها غودال منذ عام 1969.

ستظهر الكلمة مجددًا في “كتاب الأمل: دليل البقاء على قيد الحياة في الأوقات الصعبة” (The Book of Hope: A Survival Guide for Trying Times)، والذي شارك في تأليفه دوجلاس أبرامز وجيل هودسون، وقد صدر في 19 أكتوبر الجاري في الولايات المتحدة، ومن المقرر ان يصدر العام القادم في انجلترا، وهو يوثق مجموعة من المقابلات بين أبرامز وجين.

خلال المقابلات، يتساءل أبرامز عن سبب حفاظ “جين” على تفاؤلها على الرغم من الدمار البيئي والصراعات الدموية التي شهدتها، والمآسي الشخصية التي عاشتها طوال حياتها، ومنها فقدان زوجها الثاني بسبب السرطان، بعد أقل من 5 سنوات من زواجها منه عام 1980.

الأسباب الـ4 للتفاؤل

وتقدم جين 4 أسباب لتفاؤلها الدائم، وهي: “الذكاء البشري المذهل، ومرونة الطبيعة، وقوة الشباب، والروح البشرية التي لا تُقهر”.

ويشعر قارئ كتاب الأمل: “دليل البقاء على قيد الحياة في الأوقات الصعبة”, من خلال تجاربها الاستثنائية بالأمل في إنقاذ كوكب الأرض والحفاظ على البيئة، رغم كل ما يشهده العالم من كوارث وأزمات. وقبل أسابيع قليلة من انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ، يقول العلماء إن قادة العالم فشلوا في التعهد بتخفيض انبعاثات الكربون بالشكل الكافي لتأمين مستقبل أفضل للبشرية، وهو ما دفع جيلا جديدا من نشطاء البيئة الشباب إلى اتباع نهج تصادمي مختلف عن نهج غودال.

وتقول جين إنها تستطيع فهم سبب شعور النشطاء الشباب بأنهم بحاجة إلى أن يكونوا أكثر حزما، ومع ذلك، ما زالت تعتقد أن اللمسة الأكثر نعومة هي الأفضل دائمًا “لم أجرب السلوك العدواني مطلقا، لم أستطع ذلك”.

التوقعات القاتمة لعلماء المناخ

وتؤكد جين أنها تتفهم التوقعات القاتمة لعلماء المناخ بسبب السياسات التي تعيق التغيير، لكنها ترى أن الأمل ضروري لبقاء البشرية، وتقول “إذا كنت لا تأمل أن تُحدث جهودك فرقا، فإنك لا محالة غارق في اللامبالاة. وإذا استسلم الشباب لليأس والكآبة وفقدوا الأمل فستكون هذه هي النهاية”.

سابقة لعصرها

يقول كومي نايدو، الناشط الجنوب أفريقي المناهض للفصل العنصري والمدير السابق لمنظمة السلام الأخضر، إن “جين” كانت “سابقة لعصرها” في رفع مستوى الوعي، وإن عملها في الوقت الحاضر قيِّم بلا شك. لكنه يستدرك “يجب علينا جميعا في الحركة البيئية، أن نعترف بأنه على الرغم من بذل قصارى جهدنا وتضحياتنا وعملنا الجاد، فإننا لم نحقق النتائج التي أردنا الوصول إليها”.

قصة ملهمة

وفي غضون ذلك، تستمر قصة “جين” الملهمة، وستبدأ السفر مرة أخرى العام المقبل، لكن بوتيرة أقل مما فعلته قبل انتشار الوباء، حيث وجدت أنها تستطيع الوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص عبر الإنترنت.

وتقول “جين” إن الإنسان لا يعرف بتاتًا ما يخبئه المستقبل، وإنها ستواصل العمل على نشر الأمل وإلهام الناس لأطول فترة ممكنة، من أجل الأجيال القادمة، وتضيف “أنا على وشك مغادرة العالم، وسأترك كل هذه الفوضى ورائي. يحتاج الشباب إلى المساعدة حتى يستطيعوا العيش في هذا العالم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى