حلول مبتكرة

جامعة الملك سعود بالرياض.. دراسة علمية حول التنوع النباتي في صحراء النفوذ ودوره في تثبيت الكثبان الرملية

من المعروف أن الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية هو أحد أهم العوامل التي تؤثر في توزيع الرواسب والتوازن الشكلي (المورفولوجي) للكثبان الرملية والقدرة على تثبيتها، إلى جانب عوامل أخرى كالرياح والجريان السطحي والأمطار والأنشطة البشرية. وقد أثبتت دراسات علمية أن عمليات تشكل الأرض (الجيومورفولوجية) والغطاء النباتي يحددان بشكل متبادل تطور أنظمة الكثبان الرملية.

في هذا السياق، أجرى باحثون من جامعة الملك سعود بالرياض دراسة علمية لبحث العلاقة المكانية بين توزيع الرواسب والغطاء النباتي داخل الكثبان الرملية في صحراء النفوذ الداخلية في المملكة العربية السعودية.

ونشرت نتائج بحثهم في عدد شهر مارس/آذار الماضي 2021 من دورية المجلة السعودية لعلوم الأحياء. بحسب الباحثين تغطي أنواع مختلفة من الكثبان الرملية (مثل الكثبان الرملية المتكونة من الرياح والكثبان المتحركة) مساحات واسعة من المملكة العربية السعودية تشكل حوالي 30% من مساحتها الإجمالية، وتمثل موطنا حيوياً فريدا. ويستخدم معظم سكان شبه الجزيرة العربية مصطلح “النفوذ” للإشارة إلى الأرض التي يغطيها “بحر الرمال” إلى جانب مصطلح “العرق” الذي يعني ” الوريد” لوصف سلسلة من التلال الرملية الطويلة. وتعدّ هذه الكثبان الرملية الداخلية المتنقلة أو النفوذ أنظمة بيئية هامة جدا في وسط المملكة العربية السعودية.

لتحسين فهمنا لتركيبة الغطاء النباتي وعلاقات النمط المكاني لرواسب بيئة النفوذ، طوّر الباحثون مقاربة جديدة لتقييم مدى الارتباط المكاني للغطاء النباتي وتضاريس المنطقة بالغطاء الرملي بعد استبعاد التأثيرات البشرية. ولاختبار هذه الفرضية قام الفريق بجمع بيانات واسعة حول الغطاء النباتي والخصائص التضاريسية للمنطقة باستخدام طريقة تحليل متعددة المتغيرات تمكن من دمج الملاحظات بأدوات مختلفة.

واختار مؤلفو الدراسة ثلاثة وعشرين منطقة، بحجم 50 × 50 مترا تقريبا، في منطقة محمية “نفوذ العريق” التي تمسح حوالي 397 كيلومتر مربع، لتمثيل جميع تباينات الموائل الدقيقة وتحليل بنية الغطاء النباتي في منطقة الدراسة. وقاموا بجمع البيانات في ربيع عام 2016 وتحديد أنواع النباتات الموجودة وتصنيف أشكال حياتها وأنماطها المشيمية.

يتشكل الغطاء النباتي في صحراء النفوذ، وفقا للفريق، من سلسلة من المؤثرات المتداخلة تعتمد خاصة على نمط توزيع الرواسب وقدرة الاحتفاظ وعمق الرمال. وهي عبارة عن أرض مفتوحة تحتوي على شجيرات صغيرة مع فترة ازدهار للغطاء النباتي خلال الربيع، وتضم خليطا من النباتات الموزعة على نطاق واسع في التربة الرملية والنباتات الموجودة في الموائل المجاورة غير الكثبان الرملية.

تركيبة الغطاء النباتي

يتكون الغطاء النباتي في محمية نفوذ العريق، وفقا للفريق، من شجيرات ونباتات تعيش وتنمو في الرمال متكيفة شكلياً للعيش وتحمل جفاف البيئة الصحراوية، تتميز في الغالب ببذور وفواكه صغيرة وخفيفة الوزن يمكن أن تنتشر بسهولة على مساحة كبيرة من البحار الرملية.

سجّل الباحثون وجود مائة وخمسة وثلاثين نوعا من النباتات تنتمي إلى 108 جنسا من 37 عائلة نباتية. وتتصدر فصيلتي النجميات و النجيليات من حيث عدد الأنواع الموجودة في المنطقة (19 نوعا لكل منهما)، تليهما فصيلة البقوليات  (11 نوعا). في المقابل توجد ستة عشر فصيلة لا يمثل كل واحدة منها سوى نوع واحد فقط.

ووجد باحثو جامعة الملك سعود أن أنواع الشجيرات المنتشرة في المنطقة تنتمي لنوعين فقط  وهما السنط الملتوي والأثل عديم الأوراق، ويمثلان 1.5% من الغطاء النباتي. أما الأعشاب والشجيرات الحولية فهي تشكل مجموعات النبات الرئيسية بوجود 63 نوعا منها (تمثل 47.7 % من الغطاء النباتي) و38 نوعا (28.1%) على التوالي، تليها الأعشاب المعمرة والشجيرات ممثلة ب 16 نوعا (11.9%) و11 نوعا (8.1%)، على التوالي.

وحول الموطن الأصلي لهذه النباتات، ذكر مؤلفو الدراسة أن ما يقرب من 44% منها ينتمي إلى المنطقة الجغرافية النباتية الصحراوية العربية التي تقع فيها محمية النفوذ، و14%  من المنطقة النباتية “الصجراوية العربية-الصومال-الماساي” (Saharo-Arabian-Somalia-Masai)، و10% من المنطقة النباتية “الصحراوية العربية الإيرانية الطورانية” (Saharo-Arabian-Irano-Turanian).  

تكيف النباتات يساعد في تثبيت الكثبان

تعتبر حركة الرمال عاملا مقيدا رئيسيا لنمو النبات. وتتمثل عملية التكيف الأساسية لنباتات الكثبان الرملية مع الرمال المتحركة في الاستطالة السريعة للسيقان والجذور للحفاظ على أوراقها وأزهارها فوق مستوى الرمل المتراكم. وتبدأ هذه الاستطالة عادة عندما تكون النباتات شتلة وتستمر طوال فترة نموها.

من المدهش أن استراتيجية التكيف هذه (الاستطالة) تؤثر بشكل مباشر في ديناميكية الكثبان الرملية. فنمو النباتات بهذه الطريقة يثبت الكثبان الرملية التي تدعم بدورها نمو النبات فوقها، وتتوقف بالتالي حركة الرمال. علاوة على ذلك، فإن الغطاء النباتي يغير شكل الكثبان الرملية وقد يتسبب في نهاية المطاف في نمو التربة خاصة في المناطق المنخفضة بين الكثبان الرملية أو المنخفضات المائية وقد تحتوي على مياه دائمة إذا كانت المياه الجوفية قريبة جدا من السطح.

ولاحظ الباحثون أن عددا كبيرا من الأنواع المنتمية للنجيليات مثل نباتات “النصي” والثيوم أو الجليل والثمام، والتي تعتبر من الأنواع الرائدة، استوطنت الكثبان الرملية المتنقلة في أجزاء كبيرة من منطقة الدراسة مشكلة تلالا نباتية، تجتاحها تدريجيا ومع مرور الوقت أنواع الشجيرات المنتشرة في المنطقة.

كما لاحظوا أن عمر التلال يرتبط بشكل واضح بوجود الأعشاب والشجيرات المعمرة. ففي الطبقات التي تتكون من رمل ناعم للغاية مع قدرة أعلى على الاحتفاظ بالمياه، تنمو جذور العشب بشكل أفقي، وقد يحدث نمو الجذع باستخدام المياه المخزنة في الأجزاء القديمة والأكثر سمكا من الجذور والجذامير  . بالإضافة إلى ذلك، تنتشر هذه الجذور العشبية الليفية على نطاق واسع أفقيا وغالبا ما تكون مغطاة بالكامل بغطاء صمغي سميك.  يعد تشكل هذه الطبقة أمرا مهما لنمو الجذور وكذلك لنمو الكائنات الحية الدقيقة والعمليات البيولوجية للتربة، لذلك، تعتبر الأعشاب المعمرة مهمة جدا للنظام البيئي الرملي.

ووجد الباحثون بعد قياس التنوع البيئي للنباتات ومقارنته في الموائل المختلفة للكثبان الرملية في منطقة الدراسة أن مناطق الأودية والمناطق الرملية الخالية من الكثبان الرملية أو الرملية الضحلة، لها مؤشرات تنوع عالية في الأنواع. وتتمتع هذه النظم البيئية برطوبة عالية في التربة، وحركة رمال أبطأ وملوحة أقل مما ساعد على نمو المزيد من النباتات الخشبية. لذلك يرى مؤلفو الدراسة أن مزايا نباتات الكثبان الرملية الداخلية تنطبق بشكل خاص على إدارة الموائل والحفاظ على النباتات وأن تزايد التنوع النباتي يتوافق مع مكافحة التصحر.

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى