اختراع ومخترع

“وجدتها.. وجدتها”.. حين اكتشف أرخميدس مفهوم “الطفو”

الطفو هو دفع الماء للأجسام للأعلى بقوة تساوي وزن الماء المزاح من قبل الجسم, أما العتلات فهي “القوة الكابسة على طرف من العتلة تخلق قوة راعة على الطرف الآخر تتناسب وطولي جانبي العتلة” يشكلان الأساس للعلم الكمي والهندسة بأكملها. فهما يمثلان أولى الإنجازات الخارقة للبشرية في فهم العلاقات والروابط المتواجدة في العالم الفيزيائي من حولنا وابتكار طرق رياضية لوصف الظواهر الفيزيائية للعالم. لقد اعتمدت أعداد لا حصر لها من التطورات الهندسية والعلمية على هذين الاكتشافين.

من أين جاء هذا الاكتشاف؟

فى عام 260 ق.م. درس أرخميدس البالغ من العمر ستاً وعشرين سنة علمين معروفين – الفلك والهندسة – في سيراكوس بصقلية. في أحد الايام جذب انتباه أرخميدس أربعة صبيان يلعبون على الشاطئ بلوح خشبي طاف. إذ قاموا بموازنة اللوح على صخرة بارتفاع الخاصرة, ثم امتطى أحد الصبيان إحدى نهايتي اللوح بينما قفز أصدقاؤه الثلاثة بقوة على النهاية الاخرى, فكانت النتيجة أن قذف بالصبي الوحيد فى الهواء.

زحلق الصبيان اللوح عن المركز على طول صخرتهم الموازنة بحيث بقي ربع واحد فقط منه على الطرف القصير. صعد ثلاثة منهم على الطرف القصير العالي, ثم وثب رابعهم على الطرف الطويل المرتفع فحطمه وأسقطه على الرمل طارحاً بأصدقائه الثلاثة في الهواء.

قياسات

استمتع أرخميدس بهذا المشهد الطريف, وعقد عزمه على فهم المبادئ التي سمحت بكل سهولة لوزن صغير (صبي واحد) برفع وزن كبير (ثلاثة صبيان).

استخدم أرخميدس شريطاً من الخشب وقوالب خشبية صغيرة لتشكيل الصبيان ولوحهم الخشبي الطافي, بينما صنع قالباً مثلث الشكل لتشكيل صخرتهم. أثناء موازنته لمجاميع مختلفة من الأوزان على كلتا نهايتي العتلة lever  (كلمة مشتقة من اللاتينية بمعنى “ان ترفع”), أجرى أرخميدس قياساته وأدرك بان العتلات كانت تخضع في عملها لإحدى تناسبات إقليدس. كان يجب على القوة (الوزن) التي تضغط على كل من طرفي العتلة نحو الأسفل أن تتناسب مع طول اللوح على طرفي نقطة التوازن كليهما. لقد اكتشف بذلك المفهوم الرياضي للعتلات, نظام الرفع الأكثر شيوعاً وأساسية يتم ابتكاره على الإطلاق.

بعدها بخمسة عشر عاماً, أي في عام 245 ق. م., أمر أرخميدس من قبل الملك هيرون ليكتشف فيما لو ان صائغاً قد غشه أو لا. إذ كان الملك هيرون قد أعطى الصائغ وزناً من الذهب وطلب منه أن يصوغ له تاجاً من الذهب الخالص. رغم أن التاج كان يزن نفس وزن الذهب الأصلي تماماً, إلا أن الملك توقع بان يكون الصائغ قد لف طبقة خفيفة من الذهب حول معدن آخر أبخس قيمة فى الداخل. كان المطلوب من أرخميدس أن يكتشف فيما لو كان التاج من الذهب الخالص دون تحطيمه.

لقد بدت تلك مهمة مستحيلة من نوعها. على أية حال, بينما كان أرخميدس يستم في حمام عام, لاحظ يده طافية على سطح الماء, وبدات فكرة غامضة تتبلور في ذهنه. سحب بيده كاملة تحت السطح, ثم استرخى ثانية فرجعت يده تطفو من جديد.

نهض داخل الحوض, فانحسر مستوى الماء عن جوانب الحوض. جلس ثانية, ارتفع مستوى الماء من جديد. فعندما جلس, ارتفع الماء لمستوى أعلى وشعر بنفسه أخف وزناً, بينما انخفض مستوى الماء وشعر بنفسه أثقل  وزناً لدى نهوضه.لا بد أن الماء كان يدفع بجسمه المغمور نحو الأعلى مما أضفى عليه شعوراً بالخفة.

حمل أرخميدس حجراً وقالباً من الخشب بنفس الحجم تقريباً وغمرهما في الماء. غاص الحجر ولكنه بدا أخف وزناً, في حين كان عليه أن يدفع بالخشب نحو الأسفل حتى يغمره.

لقد دل ذلك على أن الماء كان يدفع الجسم نحو الأعلى بقوة تناسب كمية الماء المزاح من قبل الجسم (حجم الجسم) وليس وزن الجسم. أما الثقل الذي بدا عليه الجسم في الماء فلابد وكان متناسباً مع كثافة الجسم (مقدار ما وزنت كل وحدة حجم منه).

أوحى هذا لأرخميدس بالإجابة على سؤال الملك. فرجع أدراجه إىل الملك محملاً بمفتاح اللغز الكثافة.  لو كان التاج مصنوعاً من معدن ما آخر بدلاً عن الذهب, فإن بإمكانه أن يزن الوزن ذاته ولكنه سيمتلك كثافة مختلفة وسيحل بالتالي حجماً مختلفاً.

غُمس بالتاج ووزن مكافئ من الذهب في قدر كبير من الماء, فأزاح التاج كمية أكثر من الماء وبالتالي اتضح أنه مزيف. لكن الأهم من إظهار غش الصائغ بالنسبة لنا, ان أرخميدس قد اكتشف مبدأ الطفو والذي يقضي بأن الماء يدفع بالأجسام نحو الأعلى بقوة تساوي كمية الماء التي تزيحها هذه الأجسام.

مؤلفاته

خلافًا لاختراعاته؛ كانت كتابات أرخميدس الرياضية معروفة قليلًا في العصور القديمة، وقد نقلها عنه علماء الرياضيات من الإسكندرية، ولكن أول تجميع شامل لنظريات أرخميدس تم تقديمه سنة 530 م. لإيزيدور ميليتس، بينما التعليقات على أعمال أرخميدس كتبها يوتوسيوس في القرن السادس الميلادي فتحت المجال الأوسع للقراء والتعرف عليها لأول مرة. وقد كانت النسخ القليلة نسبيًا من أعمال أرخميدس المكتوبة التي نجت خلال العصور الوسطى مصدرًا مؤثرًا في أفكار العلماء في عصر النهضة، بينما في عام 1906 قدمت اكتشافات جديدة من أعمال أرخميدس لم تكن معروفة سابقًا، وقد قدم فيها أرخميدس رؤى جديدة في طرق وكيفية حصوله على النتائج الرياضية.

الوفاة

في عام 212 ق.م كان “أرخميدس” عاكفا على حل مسألة رياضية بمنزله لا يدري شيئا عن احتلال المدينة من قبل الرومان! وبينما كان يرسم مسألته على الرمال، دخل عليه جندي روماني وأمره أن يتبعه لمقابلة “مارسيلويس”، فرد عليه “أرخميدس”: من فضلك، لا تفسد دوائري! (Noli, turbare circulos meos) وطلب منه أن يمهله حتى ينتهي من عمله، فاستشاط الجندي غضبا وسل سيفه ليطعن “ارخميدس” دون تردد. وسقط “أرخميدس” على الفور غارقًا في دمائه، ولفظ أنفاسه الأخيرة.

طرفة

لدى اكتشافه لمفهوم الطفو, قفز أرخميدس من الحمام وصاح بالكلمات التى اشتهرت من بعده إلى الابد: “يوريكا!” بمعنى ” وجدتها!”. أصبحت هذه الكلمة شعاراً لولاية كاليفورنيا الأمريكية عندما صاح بها عمال المناجم الأوائل المهاجرون إلى هناك بحثاً عن الذهب, ووجدوه فعلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى