ربيع العمر

مراعاة كبار السن وتقديم المساعدة إليهم وضمان دمجهم في المجتمع.. ضرورة حياتية

يمر الإنسان في حياته بعدة أطوار, منها طور الطفولة والشيخوخة، ويحتاج إلى رعاية خاصة في هاتين المرحلتين. وإذا كان طور الطفولة قد نال اهتمام واضح على المستوى القومي والدولي، إلا أن طور الشيخوخة لم يحظ بنفس القدر من الاهتمام وخاصة في البلاد النامية. ونظراً لارتفاع نسبة كبار السن في العالم نتيجة لانخفاض نسبة وفيات الأطفال وارتفاع معدلات توقعـات الحيـاة، سيؤدي إلى انعكاسات على التنمية الاجتماعية والاقتصادية مما يحتم الاهتمام بقضية الرعاية المتكاملة لكبار السن.

ومن هذا المنطلق كان لابد للمجتمعات أن ترعى هذه المرحلة العمرية الهامة والحرجة، التي نصت مبادئ الأمم المتحدة ضرورة إتاحة الحياة الكريمة والمريحة لكبار السن وذلك بتوفير ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى والملبس والرعاية الصحية، وأن يوفر لهم مصدر للدخل ودعم أسري ومجتمعي ووسائل للعون الذاتي، وأنه ينبغي إيلاء اهتمام خاص لمشاكل كبار السن وتقديم المساعدة إليهم لضمان دمجهم في المجتمع.

الشيخوخة في البلدان النامية

بعد “إعادة هيكلة” المجتمع البشري من خلال ثلاث عمليات متزامنة، هي: العولمة، والتحضر، والحداثة, وتقدم السكان في السن نجد، ومن جديد، أن البلدان النامية قد أضيرت أكثر من غيرها أن عملية تقدم السكان في السن بالبلدان النامية تحمل معها تحديات جديدة تختلف عن التحديات التي تواجهها البلدان المتقدمة. وفي داخل البلدان النامية كمجموعة، هناك أيضاً نقاط مشتركة ونقاط اختلاف بين المناطق ومن حيث الظروف، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية، والموروث الثقافي، والهياكل الأسرية، وتأثيرات الصراع المسلح واسع النطاق، والكوارث الطبيعية، وأنماط الهجرة، وجماعات اللاجئين، والأمراض التي تمثل كارثة مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، ومؤخراً وباء كورونا, بل وحتى القوانين المحلية. وهناك ثلاثة عوامل تسهم في جعل العملية أكثر إلحاحاً، هي نصيب سكان العالم الذين يعيشون في البلدان النامية، واستمرار تفشي الفقر وبشكل دائم في تلك البلدان، والإيقاع السريع الذي تسير عليه عملية التقدم في السن.

ومن المفاجئ إلى حد بعيد أنه في مطلع “الألفية الحضرية”، وما شهده العالم النامي من هجرة كثيفة إلى المدن – الكبيرة منها والصغيرة- فضلاً عن انخفاض معدلات الخصوبة، أن أغلب السكان الأكبر سناً لا يزالوا يقطنون المناطق الريفية.

بيد أن هذا الأمر يمكن تفسيره: فالكثير من شباب البالغين ينزحون من المناطق الحضرية لأسباب اقتصادية، تاركين وراءهم الأشخاص الأكبر سناً. أما المهاجرين الأكبر سناً ممن ينسحبون من القوى العاملة في المناطق الحضرية، فكثيراً ما يعودوا إلى المناطق الريفية، بينما يوجه وباء فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز أقسى ضرباته إلى شباب البالغين.

وتواجه البلدان النامية تحدياً مزدوجاً: فيتعين عليها من ناحية, المضي قدماً في عملية التنمية، مما يشتمل على النهوض بالاقتصاديات، وتوفير التعليم، وحماية حقوق الإنسان؛ ولابد لها من ناحية أخرى الإعداد لكبر عمر سكانها. والمثير العجب أنه من المتوقع أن تسير تلك العملية على نحو أسرع بكثير في البلدان النامية عما تسير عليه في العالم الصناعي.

من المزمع أن تتضاعف أعداد كبار السن في المناطق الريفية بإفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، وذلك بحلول عام 2030.

وفي إفريقيا، من المتوقع أن ترتفع أعداد كبار السن لتصل إلى 50 مليون، وفي آسيا إلى 337 مليون.

وفي عشرة بلدان، أغلبها من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تصل نسبة كبار السن في المناطق الريفية إلى ما لا يقل على ضعف نسبتهم في المناطق الحضرية.

في المناطق الريفية، تفوق أعداد النساء المتقدمات في السن مثيلاتها بالنسبة للمتقدمين في السن من الرجال.

في 40 بلداً، تكون نسبة كبار السن من النساء في المناطق الريفية أعلى، بل وفي بعض الأحيان تكون هذه النسب أعلى بكثير، عن نسبة كبار السن من الرجال.

وهناك عمليات أخرى للتحول تتم في البلدان النامية يمكنها أن تشكل تهديداً إضافياً “للتقدم في السن على نحو آمن” بالنسبة للمسنين في معظم أنحاء العالم، ولعقود قادمة. فعلاوة على الهجرة والتحضر، فإن التحول من نظام الأسر الممتدة أو العائلات، إلى الأسر الأصغر حجماً والأكثر تنقلاً، إلى جانب غياب القدرة على التمتع بالتكنولوجيا التي من شأنها تعزيز الاستقلالية، كالمعلومات وتكنولوجيا الاتصال، وغيرها من التغيرات الاقتصادية الاجتماعية، يمكنه أن يسهم وبشكل فعال في زيادة تهميش كبار السن وإبعادهم عن الاتجاهات السائدة للتنمية، وحرمانهم من أدوارهم الهامة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وإضعاف فرصهم التقليدية في تلقي الدعم.

مليار عجوز حول العالم

تظهر مؤشرات الإحصاءات الديمغرافية اختلال شكل الهرم السكاني في بعض دول العالم، وذلك بتضخم قمة الهرم السكاني ووسطه، (فئة كبار السن والشباب) سنة بعد سنة، وقد وصل الأمر في بعض الدول المتقدمة إلى درجة انقلاب الهرم السكاني بسبب تزايد عدد كبار السن وقلة المواليد، وارتفاع العمر المتوقع عند الولادة نتيجة للتطور المستمر والمتزايد في الخدمات الصحية، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بفئة كبار السن بشكل خاص هذا الاهتمام من شأنه على الجانب الآخر أن يحقق أحلام الإنسان باستعادة الشباب بدليل الطفرة التي حدثت في أعمار البشر في المائة وخمسين عاماً الأخيرة…

زيادة متوسط عمر الإنسان لم تجعل الصورة وردية في العالم كما كان متوقعاً.. ففي النهاية زادت أعمار المسنين والمصابين بالشيخوخة وبالتالي زاد أعداد الحالمين بالشباب .

حديث الأرقام

وتشير إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان، إلى أن أكثر من 700 مليون شخص فوق سن الستين. وبحلول عام 2050، سيكون عددهم بليوني نسمة، أي أكثر من 20 % من سكان العالم، 60 سنة أو أكثر. وستكون الزيادة في عدد كبار السن أكبر وأسرع في عدد من دول العالم النامي، ومقارنة بآسيا والتي يتم وصفها بأنها المنطقة التي يوجد فيها أكبر عدد من كبار السن، تواجه أفريقيا أكبر نمو متناسب.

ومما يزيد عمق المشكلة أن الإنسان مازال –حتى الآن- لا يعرف السبب الحقيقي للشيخوخة، وبالتالي لا يعرف كيف يتجنبها بوصفة سحرية للشباب الدائم، ولعل أبلغ ما قيل في ذلك السياق هو ما جاء على لسان الدكتور ستيفن هاريس، الباحث وعالم الأحياء في جامعة كاليفورنيا.. الذي قال: “إن الشيخوخة تشبه الفيل الرمادي، والإنسان مثل الأعمى الذي يحاول أن يتحسس هذا الشئ الذي لا يدرك كُنهه، لكي يعرف ما هو بالضبط…إننا لا نعرف أنه فيل.. فعندما تلمسه من جانبه تقول إنه حائط.. وعندما تتحسس خرطومه تقول أنه ثعبان، وعندما نلمس ساقه نقول أنه شجرة، ونحن على خطأ وعلى صواب في الوقت نفسه”!!

الرعاية النفسية والاجتماعية

لقد أدرك المسئولون في الوطن العربي والعالم أنه لابد من وجود أنواع من الرعاية النفسية والاجتماعية بجانب الرعاية الصحية، بحيث لا يمكن توفير الصحة والحيوية والنشاط للمسن من خلال الاهتمام بالجسم فقط، بل لابد وأن يواكب ذلك رعاية نفسية واجتماعية، غير أن الجهود في هذا المجال لم تزل محدودة في وطننا العربي، ودون المستوى المطلوب من الرعاية والعناية ورغم انتشار دور ومراكز رعاية المسنين في الوطن العربي إلا أن اقتصار برامج هذه المؤسسات على الرعاية الداخلية دون محاولة إدماج روادها بالمجتمع الخارجي، يترتب عليه زيادة إحساس المسن بالعزلة والوحدة والاكتئاب.

فالمسن بات يعاني بين أحفاده وأبنائه؛ لأنه يعيش وحيداً بعدما انفض الجميع من حوله، فلا رعاية ولا عناية به كما يجب، وهذا ما بينته بعض الدراسات الميدانية.

ولكن معاناة المُسن في دور الرعاية أكثر وأشد إيلاماً، ولم يشكل كبار السن بعد القوة الضاغطة على الحكومات، بحيث يضطرونها إلى الاستجابة لمطالبهم، كما يفتقرون إلى التنظيم القوي الفعّال المؤثر، ومازالت العناية والرعاية التي تقدم لهم باسم العواطف والأخلاق والإحسان فقط.

ولكن بدأت مؤخراً تظهر نداءات وصرخات للاهتمام العلمي بمشاكلهم وهمومهم، فمنذ دعت هيئة الأمم المتحدة الدعوة إلى تجمع عالمي عام 1982م بهدف دراسة الشيخوخة ووضع برنامج عمل لضمان الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وإتاحة الفرصة لأفرادها للمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في بلادهم حيث زاد الاهتمام الدولي بقضايا المسنين.

ونصت المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لكل إنسان الحق في مستوى معيشي ملائم لصحته ورفاهيته، وكذلك لصحة ورفاهية أسرته بما في ذلك المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية والحق في الأمان عندما يتقدم به السن، مما سبق نجد أن الدولة باتت هي المسؤولة عن كبار السن، بالإضافة إلى الأسر والمؤسسات .

أمراض الشيخوخة

رغم نجاح الطب في الحد من انتشار بعض الأمراض التي كانت تفتك بالبشرية، وتوفر فرص النجاح للشفاء من بعضها الآخر، إلا أن هناك ارتباطا وثيقا ما بين الوضع الصحي للأفراد والتقدم في العمر، فهناك علاقة وثيقة ما بين تقدم العمر والأمراض وخاصة الأمراض المزمنة وأمراض الشيخوخة كالسكري، وأمراض القلب، والسرطان.  ورغم أن توصيات الأمم المتحدة تؤكد على حق المسن في الاستفادة من برامج الرعاية الصحية في دولهم في حدود الموارد المتاحة، إلا أن كبار السن في معظم الدول لا يتلقون الرعاية المأمولة نظرا لسوء الأوضاع الاقتصادية والصحية السائدة ووجود اهتمامات أخرى ذات الأولوية الأولى لتلك الدول، خاصة الدول النامية التي ترتفع فيها معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والإعاقات لكبار السن، إذ تشير البيانات إلى أن نسبة الإصابة بأمراض السكرى وضغط الدم وأمراض القلب والمفاصل، مرتفعة بين المسنين فى الوطن العربى.

الصحة والعلاج بالرياضة

وتنصح دراسة حديثة أجراها معهد فرامنجهام للقلب فى بريطانيا بضرورة ممارسة المسن الرياضة لأن استنزاف 2000 سعرة حرارية أسبوعياً فى نشاط بدنى أو ما يعادل المشى لمدة ساعة يومياً يزيد متوسط العمر بعامين كاملين.

وأجريت دراسة على أكثر من 17 ألف طالب فى جامعة هارفارد استمرت 25 سنة بعد التخرج وأثبتت أن كل ساعة نقضيها فى ممارسة الرياضة تعادل ساعتين إضافيتين من العمر فى المتوسط والأعمار بيد الله وعلى الأقل فإنك لن تموت من مرض القلب لأن التمارين تقوى عضلة القلب وتحسن إمدادات الدم.

وأكد تقرير طبى ألمانى أن التمارين الرياضية تفيد كل عضو وجهاز فى الجسد.. ففى الجهاز الهضمى –على سبيل المثال- يزداد نشاط الأمعاء وقدرتها على إخراج النفايات بسرعة مع التقليل من حدوث بعض الاضطرابات مثل حصوة المثانة والتهابات الأمعاء الناجمة عن ترسب بقايا الطعام فى تجاويف صغيرة فى جدرانها.

ولأن دورة الطعام تتم بصورة أسرع فى الجسد فإنه يتخلص من السموم، ومن الجينات السرطانية أسرع فأسرع، وهو ما يفسر أن الرياضة تقلل مخاطر الإصابة بسرطان القولون بنسبة أكثر من 50%.

وبصفة عامة فإن الرياضة المنتظمة متلازمة مع انخفاض معدل الإصابة بالسرطان خاصة فى منتصف العمر.

إلى جانب ذلك فإنها تقلل دهون الجسد حتى عند الذين لا يعانون الوزن الزائد، وبالتالى فغنها تقلل مخاطر الإصابة بسرطانى الثدى والرحم المرتبطين بهرمون الأستروجين عند النساء.

وتوضح الدراسات أيضاً أن ممارسة تمارين الإيروبيك بانتظام تقلل احتمالات الإصابة بسرطان البروستاتا عند الرجال تحت سن الستين وذلك بسبب تقليلها مستويات هرمون الأندروجين “هرمون الذكورة”.

العمل والتعلم طيلة الحياة

تتكرر التوصية في البلدان المتقدمة على ضرورة السماح لكبار السن بالاستمرار في العمل بقدر ما يرغبون هم أنفسهم في ذلك أو يقدرون عليه. ويمكن أن يكون لذلك تأثير بالغ على دخولهم، وعلى عنصر العرض في سوق العمل، وعلى خطط المعاشات أو الضمان الاجتماعي. إلا أنه لا يمكن تصور حدوث نفس الشيء بالمناطق الريفية بالبلدان النامية. ففي المجالات التي تتطلب العمالة اليدوية الكثيفة، يمكن لذلك الاتجاه أن يكون غير عملي.

أما في المناطق المبتلاة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، كما هو الحال بالكثير من بقاع إفريقيا، يمكن لكبار السن أن يعملوا بالفعل لأطول فترة ممكنة وبأقصى ما أوتوا من جهد: كما أن العديد منهم ممن يرعون أبناء بالغين مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، قد أرغموا على تولي مهام الإنتاج بالمزرعة، علاوة على تحولهم إلى آباء بديلين لأحفادهم. غير أنه في الحالات التي يمكن فيها لكبار السن العمل لفترات أطول، فإنه ينبغي عندئذ اتباع الاتجاهات التقنية والتنظيمية الداعمة والمبتكرة في مجالات العمل والتقاعد.

لم يتم بعد اختبار عملية التعلم الممتدة طيلة أمد الحياة على كبار السن في البيئات الريفية، وهو المنهج الذي تم اقتراحه للحفاظ على المهارات وتعزيزها في البلدان المتقدمة. ويتطلب مثل هذا المجهود تحول ضخم في سياسات الموارد البشرية، مثل برامج الإرشاد الزراعي، إلا أنها من الممكن أن تشكل القوة الدافعة للبدائل المبتكرة والخلاقة.

ولابد للخطوات التي تتخذ في وضع السياسات والاستراتيجيات التنموية مراعاة الفروق الشاسعة بين عملية كبر السن في العالم المتقدم والعالم النامي، ولابد لها تحديداً أن تتواءم مع الظروف المختلفة. ومن الأهمية بمكان أن يتم تطوير هذه الخطوات الإيجابية الهادفة إلى وضع السياسات، وأن يتم تنفيذها محلياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى