مقالات

الموهوبون ذوو تشتت الانتباه والحركة الزائدة (الجزء الثاني)

بقلم: د. عدنان محمد القاضي

تتمَّة للمقالة السابقة وما تمّ تناول فيها من موضوعات تمركزت حول مفهوم تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة؛ مفهوم الموهبة مع تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة؛ الفرق بين الموهوبين ذوي تشتت الانتباه والحركة الزائدة وغير الموهوبين من نفس الفئة؛ أنماط الموهوبين ذوي تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة؛ وفئاتهم؛ وخصائصهُم؛ والأسباب التي أدَّت إلى هذا الاضطراب، ونستكملُ ما تبقَّى منها فيما يلي:

الإجراءات الوقائية والعلاجيّة للموهوبين ذوي تشتت الانتباه والحركة الزائدة

أولاً: الإجراءات الوقائية

فيما يلي نستعرض عددًا من الإجراءات الرئيسة المختصَّة بالجانب الوقائي:

  • توفير البيئة الصحيّة المناسبة للأم.
  • توفير ظروف مناسبة للولادة الطبيعية.
  • تجنّب إثارة الطفل ومضايقته على نحو مفرط.
  • تقبُّل الطفل والتكيُّف معَ مزاجه غير المتَّزِن.
  • مراعاة عدم الإفراط في توجيه اللوم والنقد لسلوك الطفل.
  • توفير أدوات الترفيه المناسبة، وعدم الحرمان منَ اللعب أو فرض أنشطة مُحددة عليه.
  • ضبط البيئة المنزلية والمدرسية من خلال العمل على التقليل من مشتّتات الانتباه.
  • تعريض الطفل إلى نماذج إيجابيّة ما أمكن (قدوات).
  • استخدام الإرشادات والنصائح، وعدم إظهار الملل أو التعب من حالة الطفل، مع ضرورة توفير بيئة آمنة له يسودها القبول والرفق والحبّ.

ثانيًا: الإجراءات العلاجيّة

يُمكِننا استعراض ستَّة إجراءات مقترحة، وهي:

  1. الوسائل الطبيّة: تتضمن إعطاء العلاج الطبّي (عقار Ritalin) وغيره؛ لزيادة الانتباه لديهم، والحدّ من حركاتهم المفرطة وتعزيز مستوى التوازن لديهم.
  2. التدخُّل السلوكي: بتوظيف مبادئ التعلم المستمدّة من نظريات التعلم السلوكيّة، التي تركِّز على السلوك الملاحظ على نحوٍ مباشر، والتحكُّم بالمثيرات البيئية، ويشمل عدّة استراتيجيّات:
  3. إعداد بِطاقة المتابعة اليومية.
  4. استخدام إجراء تكلفة الاستجابة.
  5. توظيف مسابقة الكسب الصفّي.
  6. التدخل المعرفي: تنمية المهارات والقدرات العقلية التنفيذية، والتي منها التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة والتقييم، وكذلك تنمية قدرات الذاكرة لديهم على الحِفظ والاسترجاع.
  7. طريقة تشغيل الانتباه: رفع كفاءة الانتباه وزيادة سعته، وتنمية الانتباه السمعي والبصري من خلال عرض الصور والمجسّمات للأشياء من مختلف الألوان والأحجام ومواد الصنع، وكذلك تسجيلات صوتية، ويُطلب منهم ذكر عدد مرّات سماعها أو مرّات رؤيتها. على أنْ تقدَّم التغذية الراجعة المناسبة لأدائهم.
  8. استراتيجية التركيز البصري: يتمّ تقديم المهمات والتعليمات لهم بصريًّا مع الحرص الشديد على إزالة جميع أنواع المشتتات من البيئة المحيطة، ويُطلب منهم التركيز والنَّظر إليها مع النَّظر إلى أعينهم وإظهار الحزمِ والتأكيد على اتّباعها. بحيث يتمّ تعزيزهم عند إظهار الاهتمام بها. وهنا ينبغي أنْ تكون التعليمات مُحددة وواضحة وتُعطى بشكلٍ تدريجي مع التشديد في نبرة التأكيد على ضرورة تنفيذها والالتزام بها.
  9. المتابعة والإشراف الفردي: تستند هذه الطريقة إلى ضرورة متابعة كلّ من الأسرة والمعلمين لمظاهر التغيير في سلوكهم، مع العمل على اتّخاذ الإجراءات التوجيهية والتصحيحيّة، وكذلك الإجراءات التدعيمية. واستخدام الأساليب في التدريب والتدريس التي تناسب مستواهم وخصائصهم العقلية والانفعالية والاجتماعية، ومراعاة أنماط التعلُّم المفضّلة لديهم. وهكذا فإنَّ هذه الطريقة تستندُ إلى إجراء التعليم الموجّه تِبعًا لنوع مشكلة المتعلِّم واحتياجاته وخصائصه الفردية.

الاستراتيجيات التدريسية للموهوبين ذوي تشتت الانتباه والحركة الزائدة

فيما يلي بعض الاستراتيجيات التدريسية كجزء تفصيلي للإجراءات العلاجية وتطوير المواهب والاهتمامات التي يمكنُ استخدامها مع هذه الفئة من ذوي الخصوصية المزدوجة، مع ملاحظة بأنَّ هناك أمورًا أخرى يشارك في إجرائها معهم كل من المرشد النفسي، والمرشد الاجتماعي، والوالديْن، والزملاء، وكل من له علاقة كما جاءت في دراسة الأدغم وآخرون (1999):

  • الاستنتاج: بتحسين الاستيعاب من خلال تدريبات، مثل: الصواب والخطأ، واستنتاج الكلمة المناسبة لتكملة الجملة. والاستفادةمنها في بناء أسئلة فهم المقروء التي تعقب الفقرات القصيرة أو العبارات قليلة الجمل، واستنتاج القواعد اللغوية الخاصة بفهم بعض التراكيب اللغوية.
  • التكييف: حينما يكتشفون إخفاقهم في الاستيعاب، فعليهمبأنْ يقوموا بإجراء لتعديل مساره. وتكون باستفادتهم عبرَالتدريب على أنْ يكيِّفوا سرعة القراءة، أو مدى التركيز فيها، أو عدد المرات التي يكرِّروا فيها القراءة، حتى يصلوا إلى الفهم المطلوب.
  • توليد الأسئلة: صياغة الأسئلة ليست مهمة مقصورة على المعلمين وحدهم، بل إنَّ هذه الفئةبحاجة أيضاً إلى مثل هذا الإجراء. ويمكن الاستفادة من هذه الإستراتيجية في زيادة الاستيعاب للموهوبين ذوي تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة، من خلال التدريبات التي تُستخْدم فيها بطاقات، مثل: بطاقات الأسئلة والأجوبة، بطاقات التدريب على استخدام أدوات الاستفهام، وتشجيعهم على طرح الأسئلة على المعلم وعلى بعضهم البعض.
  • الفهم في القراءة: أساس هذه الإستراتيجية أنه لا قراءة من دون فهم، وهي تستخدم في تدريس الموضوعات القرائية لأول مرة، حيث نبدأ بالتمهيد للموضوع، ثم قراءة الموضوع قراءة صامتة، وتقسيمه إلى جمل وفقرات بسيطة، كل جملة عليها مجموعة من الأسئلة، يجُاب عنها بمجرد الانتهاء من قراءة الموضوع قراءة صامتة، ثم تبدأ إجراءات القراءة الجهرية.
  • البدء بالنموذج: أساس هذه الإستراتيجية “المحاكاة وإعطاء نموذج للقراءة الصحيحة يمكن أنْ يقلدهم الآخرون ويسترشدوا بهم أثناء قراءتهم”. وتبدأ هذه الإستراتيجية بقراءة جهرية يقوم بها المعلم بعد التمهيد للدرس، ويتناقشونَ في معاني الألفاظ الصعبة والأساليب الغامضة إذا شعروا بحاجة إلى ذلك، ثم ينتقل بعد ذلك إلى تقسيم الموضوع إلى فقرات، ويدعو أقدرهم على محاكاته، وبعد أن يقرأ عدد كافٍ منهم يناقشهم المعلم في معنى المقروء، وفي أخطائهم في النطق، وعندما يثق بأنَّهم قد أتقنوا الفقرة الأولى فهماً ونطقاً ينتقل بهم إلى غيرها متبعاً الطريقة نفسها.
  • الجميع يقرأون معاً: أساس هذه الإستراتيجية “تحسين قراءة أواسط الطلبةوضعفائهم، حيث يقوم المجيدون من القراء بتوجيه غيرهم من أفراد المجموعة. ويبدأ أسلوب القراءة الجماعية بقراءة نموذجين من قبل المعلم، يعقبها مناقشة لمضمون النص عن طريق أسئلة لقياس مدى الفهم، ثم يدعو المعلم الطلبة إلى القراءة معاً في وقت واحد، مستخدماً إشارات يده في تنظيم سرعتهم في أثناء القراءة، وفي دفعهم الضعاف إلى المشاركة في القراءة، وملاحظة أخطاء النطق، وامتصاص النشاط الزائد في عمل مفيد. ويمكن الاستفادة من هذه الإستراتيجية بتطبيقها في حصص متفرقة، أو في جزء من الحصة كُلَّما أحس بأنَّ هناك ضرورة تدعو إلى ذلك.
  • القراءة المتكررة: تعمل هذه الإستراتيجيةعلى “تحسين مستوى أداء المعسرين قرائياً عن طريق زيادة الطلاقة والدقة بالنسبة للقراءة الجهرية، بالإضافة إلى زيادة الفهم”. وأهم مزاياها أنها تقدَّم للطلبة من مستويات مختلفة من العسر القرائي، حيث تساعد العاديين والمعسرين قرائياً، ويمكن تقديمها للصغار والراشدين، كما يسهل تطبيقها. وفي هذه الإستراتيجية يجتمع المعلم معهم قبل البدء بالتطبيق، ويشرح لهم الهدف منْ هذا النوع من القراءة، وأنَّ هذا النوع سيؤدي إلى تحسين مستواهم في القراءة بصفة عامة، ثم تُقدَّم موضوعات القراءة المقررة بمعدل موضوع واحد في اليوم، يقوم المعلم بقراءته مرتين متتاليتين بمفرده، في حين يستمعون إليه، يتبع ذلك قراءة الطلبة للقطعة بصورة جماعية مع المدرس مِنْ مرة إلى خمس مرات حتى يصل المعلم بهم إلى المستوى المطلوب، بعد ذلك يقرأ كل طالب/ة بمفرده/ا في حين يستمع إليه الآخرون، ويقوم المعلم بتصويب الأخطاء لهم مباشرة في أثناء عملية القراءة المتكرِّرة، ويُعتبرُ هذا نوعاً من التغذية الراجعة التصحيحية التي تساعد الطلبة بصورة كبيرة. وبعد التأكد من قراءتهم للدرس قراءة جهرية، وأنها قد أصبحت على مستوى عالٍ من الدقة، يطلب إليهم الإجابة عن الأسئلة الموجودة في نهاية الدرس؛ للتأكد منْ أنَّ فهمهم قد تحسن هو الآخر.
  • المباريات والألعاب اللغوية: أكَّدت دراسات عديدة على أهمية الألعاب والمباريات اللغوية في إكساب الطلبة اللغة بجوانبها المختلفة الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية. وتشترك المباريات مع الألعاب في النشاط والترويح، إلا أنَّها تزيد عليها بأنَّها تُحدَّد بقواعد معينة، وتأخذ الطابع الفردي أو الجماعي، ففي نهاية المباراة يكون هناك الفائز أو فريق الفائزين. والأساس الذي تستند إليه هو ما تنادي به التربية الحديثة من ضرورة استغلال ميولهم في تعلُّم ما يراد تعليمه، ومن أبرز هذه الميول في مراحلهم المبكرة ميولهم إلى اللعب، فهم مولعون به، ومفطورون عليه، ويفضلونه على كل ما سواه، ومن هنا تتجه التربية إلى إدخال اللعب وأنواع النشاط في العمل المدرسي، ويمكن الاستفادة من هذه الإستراتيجية في تدريس النحو لهذه الفئة من ذوي تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة، حيث تساهم في امتصاص نشاطهم الزائد في تعلم أشياء مفيدة، بالإضافة إلى أنَّها تُكسبهم كثيراً من الصِّفات المرغوب فيها، كالثقة بالنفس، والتعاون، والصبر، والاحتمال والمخاطرة، والاعتماد على النفس، وتقوِّي عندهم الملاحظة والانتباه والنظام والطاعة، وحسن المعاملة.
  • تمثيل الأدوار: تعد هذه الإستراتيجية فعالة صِدْقًا لتدريس اللغة بجوانبها المختلفة، لأنها تحوِّل الفصل إلى مسرح يمارس فيه كل منهم دورًا مُحدَّدًا، ويتصرَّفون بناءً على أبعاد هذا الدور. واستخدامها في تدريس النحو مثلاً يعنى مسرحة درس النحو، أي تحويله إلى حوارٍ مُمَسْرَح، تتحدث فيه حروف الجر عن نفسها أو عن عملها على ألسنتهم، ومثل هذه المواقف المسرحية يمارس فيها الطلبة العاديون عامة، وذوي تشتُّت الانتباه والحركة الزائدة.
  • تجهيز الانتباه:تدريب عمليات الانتباه والذي يحتوي مستويين، المستوى الأقلّ بالتركيز والبقاء في نفس المكان لفترة زمنية محددة؛ أمّا المستوى الثاني فبنقل الانتباه منْ مهمّة إلى أخرى.
  • علاج الوظائف التنفيذية: من خلال برامج محوسَبة لتجهيز المعلومات بالذاكرة من خلالِ عدد من العمليات، حيث اشتملت على: وضع الأهداف؛ التخطيط؛ الاستدلال؛ المرونة؛ القدرة على الاستجابة؛ لزيادة قدرتهم على تخزين المعلومات وحفظِها في العقل للاستخدام اللاحق. 
  • التدخُّل السلوكي: باستخدام استراتيجيات بسيطة، ومنها بطاقة المتابعة اليومية مع إشراك الأسرة والمعلمين معًا لتحديد (3-5) مشكلات للعملِ على معالجتها، ثمَّ تحويل هذه السلوكيات المحددة إلى أهداف يومية. ومع نهاية كلّ يوم دراسي فإنَّ المعلم يُعطي الطلبة كلّ على حِدة بطاقة درجات لتوضيح كيف كانَ أداؤهم على هذه الأنشطة خلال اليوم ليقوموا بتسليمها إلى أسرهم، وبالتالي يحصلوا على الحوافِزَ أو يُحرمُوا مِنْها. ومن الاستراتيجيّات أيضًا مسابقة الرِّبح داخل الصف بأنْ يحصل أيّ طالب نقاطه على ضوء سلوكه، بحيث يضع المعلم قائمة مختصرة بالقوانين الصفيّة ويشرحها ثمّ يُخبِر الطلبة بأنّهم قد يربحوا فرصة للقيام بأعمالٍ صفيّة أو مدرسيّة بحسب النقاط التي يحققونها، ثمَّ يتابع نقاط الطلبة من خلال جدول، ومنْ يتأهَّل يضع اسمه في سلّة ويضع قائمة بالأعمال الصفيّة في سلّة أخرى، ثمَّ يسْحَب اسم طالب بالقرعة ويختار الطالب الذي يُذْكَر اسمه عمل صفّي من الأعمال المتاحة إلى أنْ يحصل كلّ طالب ممن تأهّل على عمل صفّي. وغيرها من الاستراتيجيّات كاستخدام الأدوية وأسلوب الثواب والعقاب.
  • التركيز البصري: حيث يتمّ إعطاء التعليمات بعد تركيز البصر على الطالب؛ إعطاء نوع واحد من التعليمات فقط في كلِّ مرّة؛ تقديم التعليمات كعبارة مباشرة مثل “ضع القلم على الطاولة الآن” باستخدام نبرة صوت هادئة؛ ثمَّ تقليص المشتتات التي يُمكنُ أنْ تكون موجودة، وتعزيز الطالب على اتِّباع التعليمات، واستخدام عقاب بسيط عندما لا يتَّبع التعليمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى