ربيع العمر

“ساعة الأعمار”.. فهرس التبدلات التي تحدث مع التقدم في العُمر في أجهزة الأعضاء الرئيسة بالجسم

على الرعم من أن الرغبة في عيش حياة طويلة، كان ومازال أمنية لدى بعض البشر عبر التاريخ، إلا ان بيولوجية الشيخوخة biogerontology لم تصبح مجال اهتمام كبير للمجتمع العلمي والجماهير بعامة إلا في الربع قرن الأخير. أما ما لقيته بيولوجية الشيخوخة من إهمال في السابق فسببه المواقف النمطية السلبية تجاه كِبَرِ ageism المتقدمين بالسن، تلك المواقف التي تُلاحَظ حتى بين العلماء الذين يبدو أنهم موضوعيون. ولكن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الفعال لعدد كبير من الأشخاص المتقدمين بالسن استنهض الدراسات حول شيخوخة الناس والحيوانات.

إن الشيخوخة سيرورة معقدة، ولكن أساسها بسيط. فما إن تصل الحيوانات إلى النضج الجنسي وتعيش زمنا يكفي لتربية نسلها وصولا إلى مرحلة استقلاله (الأمر الذي يضمن بقاء الأنواع الحية) حتى تتضاءل قوى الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي. فالطاقة التي تصرفها المتعضيات الحية organisms يُفَضَّل توجيهها نحو النجاح الإنجابي (التكاثري) بدلا من توجيهها نحو إطالة حياة الأفراد. وفي نهاية المطاف، يفوق الاضطراب الجزيئي آليات ترميم الجسم العادية وتحدث الشيخوخة.

العديد من الكتب المسطَّرة حول شيخوخة الناس العاديين لم تتناول تعقيدات هذا الموضوع بشكل جيد. فهذه الكتب، اللهم باستثناء واحد أو اثنين، قام بتأليفها مراسلون صحفيون قابلوا بعض اختصاصيي بيولوجية الشيخوخة، أو ألّفها علماء في الطب الحيوي استهواهم موضوع الشيخوخة من دون أن يتمتعوا بمؤهلات مهنية كافية أو التزام راسخ بهذا المجال. ويقع كتاب ساعة الأعمار The Clock of Ages في هذا الصنف الأخير. وبالنظر إلى نقص الإحاطة الكاملة بتعقيدات بيولوجية الشيخوخة كثيرا ما جَهِلَ المؤلفون غير المحترفين مطباتها العديدة، وقد يتجاهلون بدائل الفرضيات التي يقدمونها كحقائق.

يخصص الباحث في البيولوجيا الجزيئية J. ميدينا John J. Medina  نحو ثلث كتابه “ساعة الأعمار The Clock of Ages لمَسَاق دراسي في البيولوجيا الأساسية يتم فيه توضيح مبادئها بالعديد من المخططات والرسوم التي نجد أمثالها نمطيا في كتاب تمهيدي للبيولوجيا، وقد تكون هذه الخلفية مدعاة اهتمام بعض القراء، ولكنها لا تهتم بالشيخوخة بشكل مباشر. أما أكثر المادة صلة بالموضوع فيتمثل في فهرس التبدلات التي تحدث مع التقدم في السن، في أجهزة الأعضاء الرئيسة بالجسم. ويُعْلِمُنا ميدينا أن عضوا ما “يسوء” أو يقل إفرازه أو “يتدهور” أو “يَضْعُف” أو “يستجر خسائر” أو “يتعرض للتحوير” في وظائفه. ولكن معظمنا يعرف ذلك القدر عن الشيخوخة. وما نريد أن نعرفه يتعلق بسببية حدوث هذه التبدلات؛ وقد أُهْمِل هذا السؤال إلى حد كبير. وفضلاً عن ذلك، نجد بعض المفردات الواردة في القائمة مغلوطة ببساطة: فمثلا، لا تتناقض الوظيفة القلبية مع التقدم في السن لدى الناس الأصحاء.

ويذهب قسم هام آخر من الكتاب لرسوم تزدان بها مطالع الفصول وتصف شيخوخة بعض الناس من أمثال F . نايتنغيل و J. أوستن و N. بونابارت و G. كازانوفا و V .L. بيتهوفن و B. ذي كيد، وغيرهم ممن قد يتعرف القارئ أسماءهم أَوْ لا يتعرفها. وينشد كلٌ من هذه الرسوم توضيح نقطة علمية، ولكن النتيجة غالبا ما تكون استنباطا أكثر من احتوائها على معلومات.

هذا وتكثر في الكتاب الأخطاء الفكرية: فلا يميز المؤلف مثلا بين تأثيرات الشيخوخة وتأثيرات المرض. كما أنه يُغْفِل أهمية الفرق بين تحديد الشيخوخة aging وتحديد التعمير longevity؛ إذ إن الشيخوخة تهتم بالانحطاط البدني (الفيزيائي)، في حين يهتم التعمير بمعدل الوفيات. والأهم من هذا وذاك أن ميدينا يُخْطِئ التفريق بين خلود الجماعة وخلود الأفراد في المتعضيات الميكروية (الصغرية) microorganisms، معلنا الاعتقاد المغلوط بوجود أشكالٍ وحيدة الخلية خالدة. إن السلالات الخلوية “الخالدة” تستمر بالانقسام إلى ما لانهاية، أما الخلايا الفرادى فتموت بالتأكيد مثلما نموت. إن موت الخلايا سيرورة أساسية في التطور المبكر للمتعضيات المعقدة مثلنا، ولكنه لا يشكل عاملا رئيسا في الشيخوخة.

وأخيرا، لا توجد “ساعةٌ للأعمار” clock of ages. فلا يوجد دليل على آلية بيولوجية تقيس الزمن. صحيح أن الخلايا قد تحوي آليات تَحْسِبُ أحداثا مثل الانقسام الخلوي، ولكنها لا تسجل مرور الزمن على طريقة الساعة الزمنية أو تقويم الرزنامة calender.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى