مقالات

الأشخاص ذوي الإعاقة والتنمية الاجتماعية المستدامة.. رؤية المملكة 2030

تعكس السياسات التنموية للمملكة العربية السعودية التزامها بأجندة التنمية الدولية، ليس فقط في الإجراءات التي اتخذتها محليًا، ولكن أيضًا في المبادرات والمساهمات التي قدمتها بسخاء لجهود التنمية في البلدان المنخفضة الدخل، من خلال المساعدات الإنسانية والإنمائية لمختلف دول العالم. وأوضح التقرير الأممي (1918) أن السعودية تُعد واحدة من أكبر الجهات المانحة في العالم، ونجده في ذلك الانتشار الواسع عبر المناطق الجغرافية وقطاعات التنمية المختلفة، بل أصبحت السعودية مزودًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر في عدد من البلدان النامية في قطاعات ذات أهمية كبيرة تنموياً، تُسهم في الحد من ارتفاع مستوى الفقر مثل المشاريع الزراعية وتجهيز الأغذية وغيره.

تلتزم السعودية بتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 من خلال اتخاذ الإجراءات والأساليب المبتكرة لمواءمة الخطة الدولية لهذه التنمية، ورؤية السعودية 2030 التي تُعد مخططًا تنمويًا طموحًا مبنيًا على ثلاثة محاور: مجتمع نابض بالحياة، اقتصاد مزدهر، وأمة طموحة، والذي يشترك مضمونه تحقيقه في الإطار الزمني نفسه، والأهداف النهائية ذاتها، مع أجندة أهداف التنمية المستدامة.

في إطار مسؤوليات الوزارة المعنية بذوي الإعاقة والضمان الاجتماعي والتنمية الاجتماعية لجميع المشمولين بخدماتها، فإن البيانات الرسمية تشير إلى أن الوزارة تسعى لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة بتيسير الحصول على فرص عمل مناسبة وتعليم يضمن استقلاليتهم واندماجهم في المجتمع كعناصر فاعلة فيه، وإنها تعمل على تزويدهم بكل الأدوات والتسهيلات التي تساعدهم على تحقيق النجاح واستثمار الطاقات الكامنة بما يناسب قدراتهم وإمكاناتهم، من خلال التنوع في مجالات التدريب المهني بما يتوافق مع قدرات كل فئة منهم، وبما يخدم احتياجاتهم الخاصة بتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية، بهدف مساعدة المعاق في تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية لتمكينه من التوافق مع متطلبات بيئته الطبيعية والاجتماعية، وبما يمكنه من تنمية قدراته في الاعتماد على نفسه، ليكون عنصراً منتجاً وفاعلاً في المجتمع.

تضمن شرط «الاستقلالية» لمستحقي دعم الضمان الاجتماعي -المطور- وحساب المواطن، بعض الفئات المستثناة التي تضمنها «النظام الجديد» للضمان بما في ذلك ذوي الإعاقة، إذ استبعد النظام (بعض المعاقين) في حال كانت الأسرة تستفيد من الضمان الاجتماعي، على الرغم من الحاجة المؤكدة للأسرة في الضمان الاجتماعي وحاجة «المعاق» للدعم بمختلف عناصره وبنوده، وذلك رغم استهداف النظام تمكين ذوي الإعاقة ودعمهم بمختلف فئاتهم وإمكاناتهم.

الفئة المستثناة من «ذوي الإعاقة المحدودة» وغيرهم من الفئات من المطلقات والأرامل، لا يقلون أهمية في حاجتهم للدعم المؤسسي عن غيرهم، لتمكينهم من التفاعل الاجتماعي والاستقلال الطبيعي في أداء مهامهم الخاصة وتمكينهم المهني والاجتماعي، وبالاطلاع على النسخة المجددة (المطورة) من نظام الضمان الاجتماعي في منشورها الرسمي، وبالتواصل مع بعض من الفئات المستهدفة بالدعم، نجد أن النظام يفتقد إلى الكثير من التفاصيل التي يبحث عنها ذو العلاقة، بل ويشوبه الغموض في توضيح بيانات رئيسة تهم الباحث كما تهم ذو الشأن من الفئات المستهدفة؛ وعليه فإن مراجعة الجهة المسؤولة أو التواصل الفردي يظل السبيل الأهم، لمعرفة طبيعة التغيير المستحدث والتفاصيل اللاحقة به، وذلك لا يتفق مع ما ننتهجه ونستهدفه من تطوير مؤسسي في الخدمات وشفافية في وضوح الرؤية والأهداف.

يعاني ذوو الإعاقة من عدم كفاية الدعم المقدم لهم مقارنة باحتياجاتهم الخاصة، والتي قلصها «النظام المطور» في حالة عدم الاستقلالية في السكن، وذلك رغم العجز الذي يعانونه في المصروفات والتي جعلت فئات منهم «حبيسي البيوت» لعدم قدرتهم على توفير احتياجاتهم الخاصة، إذ يُصرف لهم 1666 ريالا من التأهيل الشامل، و1150 ريالا من الضمان الاجتماعي-لمن بلغ 18 عاما- ليبلغ مجموع الدعم المقدم شهرياً للبالغ في أقصاه نحو 2800 ريال، وذلك لا يكفي لدفع رواتب عامل خدمة، وسائق، ناهيك عن احتياجات أخرى تتزايد مع تنامي متطلبات الحياة اليومية وغلاء المعيشة.

وعلى الرغم من اهتمام الوزارة بتأهيل المعاقين جسمياً وحسياً وعقلياً، وتدريبهم على أي مهنة مناسبة لقدراتهم، لتحويلهم من طاقات بشرية معطلة إلى أفراد منتجين قادرين على التفاعل مع إخوانهم من بقية أفراد المجتمع؛ فإن الوزارة -كما بلغني من تلك الفئة- تمنع الدعم المقدم من الضمان الاجتماعي عن المعاق الذي تم تأهيله عند حصوله على وظيفة!، رغم أن كثيراً منهم يؤكدون انخفاض رواتبهم الوظيفية لما دون مبلغ الدعم المقدم أو ما يقاربه.

فالتوظيف لم يعد محفزاً لذوي الإعاقة بسبب انقطاع دعم الضمان الاجتماعي الذي يحتاجونه، ومن جانب آخر فإن البنوك هي الأخرى ترفض تقديم قروض بنكية لهم سواء لمسكن أو للزواج أو غير ذلك، لعدم وجود ضامن لهم أو كفيل من الأفراد، وهم يأملون دعم الوزارة بأن تكون كفيلهم الرسمي لتيسير قروضهم البنكية الُملِحَّة، كما يتطلعون لمضاعفة مبلغ الدعم المقدم لهم بمختلف فئاتهم المصنفة (المعاق، المطلقات، الأرامل)، ويرجون التراجع عن شرط الاستقلالية الذي ألحق الضرر بالكثير منهم.

تطوير نظام التنمية الاجتماعية في جميع مضمونه المؤسسي الإداري والمالي، يحتاج لمراجعة مسؤولة وعميقة من الجهة المختصة والمعنية بجميع الفئات المشمولة بالرعاية الاجتماعية والدعم المؤسسي، بما يحقق جودة الحياة المستهدفة ويتناسب مع رؤية السعودية الطموحة في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة بمحاورها الثلاث: مجتمع نابض بالحياة، اقتصاد مزدهر، وأمة طموحة.

د. عبلة مرشد

استاذ الجغرافيا البشرية والكاتبة بصحيفة الوطن السعودية

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى