تأهيل

القدماء المصريون أول من توصلوا إلى الأطراف الصناعية

يعد المتحف القومى للحضار المصرية، والذى يقع في قلب مدينة الفسطاط، عاصمة القاهرة الإسلامية القديمة، الأول من نوعه فى مصر والعالم العربى، لكونه أول متحف متكامل، يعد بمثابة منارة ثقافية شاملة عن الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا، ويبرز المتحف التفاعل بين المصريين والأرض التى عاشوا عليها على مر التاريخ من خلال موضوعات حضارية اختيرت لتسليط الضوء على التراث المادى والمعنوى لمصر.

ويوجد داخل المتحف أول طرف صناعى عرفته البشرية، ليؤكد عبقرية الإنسان المصري القديم، والذى يعود لابنة أحد الكهنة فى الفترة بين عامى 950 و710 قبل الميلاد، وعثر على موميائها عام 2000 فى جبانة الشيخ بالقرنة غرب الأقصر.

وقد صنع أول طرف صناعى لمساعدة صاحبته على المشى بشكل طبيعى لتعويضها عن الإصبع الأكبر من ساقها اليمنى المبتور، خضع الطرف الصناعى للتعديل أكثر من مرة، وصنع على هيئة صندل مصنوع من الخشب والجلد، وابتكره أحد الأطباء المصريين كجزء تعويضي للجزء المقطوع من القدم.

كان المصريون القدماء هم رواد استخدام الأطراف الاصطناعية عبر التاريخ؛ إذ صنعوا أطرافًا بدائية من الألياف، لارتدائها من أجل الشعور بالكمال، أكثر من تأدية الوظيفة. وتعود أقدم أطراف اصطناعية عرفتها البشرية إلى عصر الفراعنة، وتحديدا الدولة المصرية القديمة، حيث اكتُشف في إحدى المقابر طرف اصطناعي، كانت عبارة عن إصبعيّ قدم. وقبل هذا الاكتشاف، كان ساق “كابيوا” الروماني التي يرجع تاريخها إلى حوالي 300 قبل الميلاد، هي أول طرف اصطناعي تعرف عليه العالم.

كانت الأطراف الاصطناعية التي عرفها العالم القديم تقتصر فقط على أغراض تجميلية، حيث كان يقوم الأفراد الذين فقدوا أحد أطرافهم باستخدامها من أجل تجميل هيئتهم، إلا أن الإصبعين الاصطناعييّن اللذين ينتميان إلى مصر القديمة، كانا يؤديان وظيفتهما كاملة على أكمل وجه ممكن!

ويمكن اعتبار الخطاف الذي كان يحل محل إحدى الذراعين، أو الساق الخشبية التي كانت تحل محل الساق المبتورة “أجدادَ” الأطراف الاصطناعية الموجودة اليوم، ومن ينسى القراصنة وأطرافهم الخشبية المرعبة!

وذكر المؤرخ الإغريقي الشهير “هيرودوت” أنه في 424 قبل الميلاد، حُكم على شاب فارسي بالإعدام، كان التقليد في ذلك الوقت أن يُربط المحكوم عليهم بالموت في كرة صخرية، مثبتة فيها حلقة معدنية تنتهي بسلسلة معدنية تتصل بقدم المُدان، بحيث يصعب التخلص منها، فيموت الشخص عطشا وجوعا.

تمسُّك الشاب الفارسي بالحياة دعاه إلى بتر قدمه للتخلص من تلك السلسلة، ثم قام بصنع حشوة خشبية ثبتها مكان الجزء المبتور، فمكَّنته من المشي مسافة 30 ميلًا إلى البلدة المُجاورة، قُبض على الشاب، ونُفذ فيه الحكم، وقيل إن تلك كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها سجينٌ “طرفًا تعويضيًّا” للفرار من محبسه.

وعانى تطوّر الأطراف الصناعية حالة من الركود في العصور الوسطى. رغم ذلك، انتشرت بعضَا من الأطراف الصناعيّة الحديديّة، كتلك في الصورة التي استخدمها فارس ألماني قاتل في جيوش الإمبراطور الروماني شارل الخامس، وكان يُدعى جوتز فون بِرلشينغين. تُظهر هذه الذراع الاصطناعية كيف تم تطويرها لتحتوي على بعض المفصلّات.

واستمرت مرحلة الركود حتى الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، ومع العدد الكبير للأشخاص الّذين فقدوا أحد أطرافهم، قفز الطلب على الأطراف الصناعية بشكل كبير جدًا. في تلك الفترة، حصل جيمس هِنغر، وهو أحد الّذين بُترت أطرافهم جراء الحرب الأهلية الأمريكية، على براءة اختراع لما سُمي “طرف هِنغر الاصطناعي”. ولمع اسم رجل آخر يُدعى صامويل ديكر، حيث صمم ذراعين تعويضيتين استخدمهما بنفسه.

أول يد من المطاط

خلال القرن الثامن عشر، شهدت الأطراف الاصطناعية تغيرات وتطورات عديدة، فقد خلفت الحرب الأهلية الأمريكية (1864 – 1861) ما يقارب 30 ألف شخص مبتوري الأطراف، فكان لابد من الحكومة الأمريكية أن تقوم بتمويل البحوث العلمية التي هدفت إلى إيجاد طرق لمساعدة هؤلاء الأشخاص.

وفي عام 1863 في الولايات المتحدة تم صناعة أول يد من المطاط الذي كان أقرب لمرونة اليد الطبيعية من الخشب والحديد، وبالتالي كانت هذه اليد أقل عرضة للكسر. الحربان العالميتان أيضاً خلفتا العديد من مبتوري الأطراف فقامت العديد من دول العالم بتطوير أعضاء اصطناعية لمساعدة هؤلاء الأشخاص على عيش حياة طبيعية.

وصار تصميم الأطراف التعويضية في ذلك الوقت يعمل على استهداف الشبان المبتوري الأطراف، وذلك لمساعدتهم على استعادة أغلب قدراتهم التي كانوا يحظون بها من قبل، وفي عام 1900 أصبح رواد تصميم الأطراف الاصطناعية يطمحون إلى صناعة أطراف أفضل وتتمتع بقدرات أكثر تخصصاً.

وانتقلت الأطراف الاصطناعية إلى مرحلة أكثر تطورًا مع نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث عاد آلاف من الجنود من الحرب العالمية الأولى مع إعاقات بدنية شديدة جعلتهم عبئًا على المجتمع المنهك أساسًا بفعل الحرب. لتجاوز هذه الأزمة وللاستفادة من كامل الطاقات البشرية الممكنة، حاول المهندسون والأطباء والسياسيون إيجاد أفضل الطرق للاستفادة من هؤلاء المقاتلين السابقين، وحثهم على الانضمام إلى صفوف القوى العاملة. فعلت ألمانيا وفرنسا ذلك من خلال إنتاج كميات ضخمة من الأطراف الاصطناعية وتوزيعها على نطاق واسع.

لم تكن الأطراف الاصطناعية التي تم تطويرها وإنتاجها في فترة ما بين الحربين العالميتين، تشبه الشكل التشريحي للعضو المبتور، بحيث كان التركيز أكثر على الغرض الذي ستؤديه هذه الأطراف، وكان المهندس الفرنسي جوليس أمار واحدًا من الشخصيات الرائدة وراء هذا النهج الجديد في التفكير.

في عام 1917، صرح أمار أن الغرض من أحد الأطراف الصناعية التي نصنعها لم يكن يعتبربديل” كامل للساق أو اليد المبتورة، ولكن لأداء وظيفة محددة.

تطورت الأطراف الاصطناعية، حتى وصلت إلى شكلها الحالي الذي يُقدم خدمات وظيفية وفسيولوجية كبيرة لهؤلاء الذين فقدوا أطرافهم في حوادث السيارات، أو الحروب، أو حتى مرضى السكري والفشل الكلوي.

تقنية نبات الخيار

رغم من التطور الهائل في مجال تصنيع الأطراف الاصطناعية وإنتاجها، إلا أن التحكم فيها، وتعزيز قدرتها على أداء مهام العضو المفقود ووظائفه، لا يزالان في طور أوَّلي؛ إذ إن التحكم في معظم الأطراف الصناعية الموجودة في الأسواق حاليًّا يتم عن طريق العضلات الممتدة من البقية الباقية من العضو الأصلي، عن طريق ربطها بالمفاصل البشرية. كما أنه لا يُمكن استخدام العضو الاصطناعي في رفع الأثقال أو الأحمال؛ إذ يُمكن أن يتسبب ذلك في خلل العضلات المتصلة به، أو حتى في تدمير الطرف الاصطناعي ذاته.

عضلات صناعية

ومؤخرًا، تمكَّن باحثون من مختبر أبحاث الإلكترونيات التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من ابتكار نوع جديد من العضلات الاصطناعية، يُتوقع لها أن تمثل دفعةً للتقنيات الطبية الحيوية الحالية إلى الأمام، وأن تؤدي دورًا حيويًّا في صناعة الروبوتات، والتطبيقات الميكانيكية الهيدروليكية، وفق دراسة نُشرت نتائجها في دورية “ساينس” العلمية.

استلهم الباحثون ابتكارهم من ثمرة الخيار، التي ينمو نباتها من براعم مُحاطة بإحكام بدعامات تسحب الساق إلى أعلى. يستخدم “الخيار” تلك الطريقة لضمان تلقِّي أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس. وقد اكتشف الباحثون طريقةً لتقليد آلية اللف والشد التي يستخدمها ذلك النبات لإنتاج ألياف متعاقدة ومتعامدة يُمكن استخدامها كعضلات اصطناعية مرنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى