مقالات

مشاركة مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل في اليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف للتوحد.. إضاءة على إشكالية التشخيص

في خضم الاحتفال باليوم العالمي للتوعية باضطراب طيف التوحد -2 أبريل من كل سنة -، تتبادر إلى الذهن إشكالية التشخيص بالنسبة لهذا الاضطراب الذي حسب آخر إحصاء بالولايات المتحدة الأمريكية في شهر مارس 2023 أصبح طفل واحد من 36 طفلا  مشخصاً بهذا الاضطراب  في حين  كانت النسبة في ديسمبر 2021 عام طفل لكل 44 طفل. هذا التسارع المثير للقلق يحيلنا على التساؤل حول مدى توفر و دقة التشخيص لهذا الاضطراب في مجتمعاتنا.

إن الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ( DSM-5)، تصنف اضطراب طيف التوحد على أنه اضطراب في النمو العصبي. و يتضمن هذا الاضطراب أربعة تشخيصات سابقة لـ DSM-IV: اضطراب التوحد (التوحد)، متلازمة أسبرجر، اضطراب الطفولة المتفكك والاضطرابات النمائية الشاملة غير المحددة. من خلال الدليل، فإن هذا يعكس الإجماع العلمي على أن هذه الاضطرابات الأربعة هي في الواقع حالة واحدة مع مستويات مختلفة من الشدة لفئتين من الأعراض.

إن إجراء التشخيص هو دائمًا مرحلة ذات أهمية قصوى تكون فيها مسؤولية الممارس أكبر عندما يتعلق بتأكيده لإصابة طفل صغير باضطراب معين، و نرى أن الأمر أكثر خطورة عندما يتعلق باضطراب طيف التوحد. في مجموعة من الدول، و في مواجهة مثل هذه المهمة، يرفض عدد من الأطباء النفسانيين اتخاذ مثل هذا القرار لتخوفهم من الأخطاء لإيمانهم باللدونة الكبيرة للأطفال الصغار. و مشكلة التشخيص تتعقد أكثر عندما نطرح التشخيص الفارقي. مما يعكس لنا أهمية نهج تشخيص قائم قدر الإمكان على معايير صلبة. فالصعوبة الكبرى للتشخيص و كذلك التشخيص الفارقي تتمثل في التحديد الدقيق للأعراض الأقرب لأعراض اضطراب طيف التوحد من أجل تجاوز الخطأ بالتشخيص.                 

بالنسبة للأسر، فإن مرحلة الإخبار بنتيحة التشخيص، هي الأصعب لأنها تلجأ للمختص للحسم، و تود منه أن يقدم لها المساعدة في أقرب وقت ممكن. و لا يمكن القول في كثير من الأحيان أن الحديث عن الوقاية والكشف المبكر ليس له معنى ما لم تكن وسائل العمل متاحة في نفس الوقت في غضون فترة زمنية معقولة. فبعد هذا التشخيص ستبدأ الكثير من الأسر في البحث عن مؤسسات قادرة على التكفل بالطفل.

و يبدو أن حقيقة طرح فرضية تشخيصية لها ثقلٌ كبير لأن الأسرة ستجد نفسها في مواجهة مسمى “التوحد”، الذي يمكن أن يُحبطها و يُدخلها في دوامة  من القلق و التوتر و البحث عن نقطة لبدء مسار إيجاد سبل التدخل والتكفل الملائم للطفل. فتطرح تساؤلات مقلقةً بخصوص نقطة البداية، و بعد البداية يبقى التوجس، هل تسير حقًا في اتجاه حق طفلها في النمو والتطور بانسجام؟ أم تدخله فقط في دوامة لأنها مع مرور الوقت تلاحظ أنه لا يستفيد في ظروف إكراه بيئة غير قادرة على التكيف مع خصوصياته.

المعايير التشخيصية لـ DSM-5

أ) العجز المستمر في التواصل الاجتماعي والتفاعلات الاجتماعية في سياقات متعددة، كما يتضح من ما يلي، في الوقت الراهن أو في السابق (الأمثلة توضيحية وليست شاملة):

1-القصور في المعاملة بالمثل الاجتماعية – العاطفية، التي تتراوح، على سبيل المثال، بين النهج الاجتماعي غير الطبيعي وعدم القدرة على التبادل في المحادثة ؛ والحد من تقاسم المصالح أو العواطف أو التأثير ؛ عدم الانخراط في التفاعلات الاجتماعية أو الاستجابة لها.

2-القصور في سلوكيات الاتصال غير اللفظي المستخدمة في التفاعل الاجتماعي، والتي تتراوح بين التواصل اللفظي وغير اللفظي غير المتكامل ؛ اختلال في التواصل البصري ولغة الجسد أو نقص في فهم واستخدام الإيماءات: نقص تام في تعابير الوجه والتواصل غير اللفظي.

3-القصور في تطوير العلاقات والحفاظ عليها وفهمها، والتي تتراوح، على سبيل المثال، بين الصعوبات في تكييف السلوك مع السياقات الاجتماعية المختلفة ؛ وصعوبات تقاسم الألعاب المبتكرة أو تكوين صداقات ؛ عدم الاهتمام بالأقران.

ب) الأنماط المقيدة والمتكررة للسلوك أو الاهتمامات أو النشاط، كما يتضح من اثنين على الأقل من الأنماط التالية، في الوقت الراهن أو في السابق (الأمثلة توضيحية وليست شاملة):

1-الحركات، أو استخدام الأشياء، أو الكلام النمطي أو المتكرر (على سبيل المثال، الصور النمطية الحركية البسيطة، أو محاذاة الألعاب أو تقليب الأشياء، أو الصدى، أو العبارات الخاصة [خارج السياق])

2-الإصرار على الالتزام غير المرن بالعادات أو أنماط السلوك اللفظي أو غير اللفظي (على سبيل المثال، الضيق الشديد في حالة التغيرات الطفيفة، والصعوبات في التحولات، وطرق التفكير متصلبة، وطقوس التحية، التمسك بالسير بنفس الطريق أو تناول نفس الطعام كل يوم).

3-اهتمامات محدودة ومحدودة جداً غير طبيعية في شدتها أو اتجاهها (على سبيل المثال، ارتباط قوي بأشياء غير عادية، واهتمامات محدودة بشكل مفرط أو مُتبعة بمثابرة مفرطة).

4-فرط أو نقص النشاط للمدخلات الحسية أو مستوى غير عادي من الاهتمام بالجوانب الحسية للبيئة (على سبيل المثال، اللامبالاة الظاهرة بالألم/درجة الحرارة، رد الفعل السلبي لأصوات أو لِقوام معين، شم أو لمس أشياء بشكل مفرط، الانبهار البصري بالأضواء أو الحركة).

ت) يجب أن تكون الأعراض موجودة في فترة النمو المبكرة (ولكن قد تصبح واضحة تمامًا فقط بعد تجاوز المتطلبات الاجتماعية القدرات المحدودة، أو قد يتم طمسها من خلال الاستراتيجيات التي يتم تعلمها لاحقًا في الحياة).

ث) تسبب الأعراض ضعفًا كبيرًا سريريًا في الأداء الحالي في المجالات الاجتماعية أو الأكاديمية أو المهنية أو غيرها من المجالات المهمة.

ج) لا يتم تفسير هذه الاضطرابات بشكل أفضل من خلال الإعاقة الذهنية (اضطراب النمو الفكري) أو التأخير العام في النمو. وكثيرا ما تحدث الإعاقة الذهنية واضطرابات طيف التوحد معا؛ لإجراء تشخيص لاضطراب طيف التوحد والإعاقة الذهنية، يجب أن يكون التواصل الاجتماعي أقل من المستوى العام للتطور.

المحددات تتجلى في:

  • تحديد الشدة
  • مع أو بدون إعاقة ذهنية
  • شدة صعوبة التواصل الاجتماعي
  • شدة السلوكيات النمطية
  • تقديرات منفصلة للمهارات اللفظية وغير اللفظية.

هذه المعايير التشخيصية يتم اعتمادها من طرف ذوي الاختصاص باعتبار الدليل التشخيصي و الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية الذي يصنف ويصف جميع التشخيصات النفسية للاضطرابات العقلية، و هو معتمد دوليا في هذا المجال.

الأكيد أنه كلما تم الكشف  مبكرًا وكلما وضعنا بشكل أكثر اتساقاً مجموعة من التدخلات التي تروم تحسين المجالات العلائقية التفاعلية والسلوكية والحسية العصبية والمعرفية والأسرية والاجتماعية مع تحديد أهداف دقيقة تتسم بالمرونة، والتتبع المستمر و المراقبة الموضوعية للنتائج،  كلما رأينا أن الطفل يتطور و يصبح أكثر اندماجا في محيطه. فالعديد من الدراسات و الأبحاث أكدت على ضرورة التدخل المبكر بتكفل متعدد التخصصات. لقد أحرزت مجموعة من الدول بالتأكيد تقدمًا في القدرة على الكشف والتدخل وفهم التوحد. ومع ذلك، أكيد أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به خصوصا بالدول التي لازالت تفتقر لذوي الاختصاص من أجل تشخيص دقيق. و يبقى التساؤل، هل نتوفر حاليًا على الوسائل اللازمة لتقليل مصادر الخطأ والتحقق من صحة الافتراض من أجل الحسم في التشخيص؟

المرجع: الدليل التشخيصي و الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية  DSM-5-TR

أ. مينة القالي

استشارية ومدربة توحد و ABA

أمين عام مجلس العالم الإسلامي للإعاقة و التأهيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى