تكنولوجيا طبية

علاج السكري باستخدام الخلايا الجذعية

يعتبر داء السكري أو مرض السكر من الأمراض الشائعة بين البشر، ويوجد 143 مليون مصاب بالسكري في جميع أنحاء العالم، منهم 110 ملايين في دول العالم الثالث، ومن المتوقع أن هذا الرقم سيتضاعف حتى عام 2025 أكثر من مرتين؛ نظرًا للاعتماد على أنظمة غذائية غير صحية وعدم ممارسة الفعاليات الرياضية. ويقدر عدد المصابين حاليًا بالسكري في الخليج بنحو 1,5 مليون مصاب، ويوجد في مصر أكثر من 6 ملايين مصاب بالمرض.

وعلى الرغم من تعدد أساليب العلاج، لكن لا توجد حتى الآن أي وسيلة علاجية تستأصل هذا المرض من جذوره، ولكن مؤخرا حقق العلماء نجاح جديد في علاج مرض السكري الذي يقلق مضاجع مئات الملايين حول العالم ويتسبب في آلام ومعاناة لهم. العلاج الجديد المعتمد على الخلايا الجذعية يقضي على السكري في عشرة أيام في تجاربه المخبرية حتى الآن، مما يفتح نافذة كبيرة من الأمل لمرضى السكري من النوع الأول، الذين يضطرون لاستخدام الإبر يوميا في حقن الأنسولين فضلا عن المضاعفات الصحية الخطيرة على الكبد والكلى والأعصاب والعين.

مرض السكري

مرض السكرى هو حالة مزمنة تحدث عندما يعجز الجسم عن إنتاج الأنسولين بكميات كافية أو لا يستخدمه بصورة فعالة. والأنسولين هو هرمون يفرزه البنكرياس ويسمح للجلوكوز بدخول خلايا الجسم حيث يتحول إلى طاقة ضرورية للعضلات والأنسجة للقيام بوظائفها. ونتيجة لذلك، لا يمتص جسم مريض السكري الجلوكوز على نحو ملائم مما يضر بالأنسجة مع مرور الوقت، وهذا بدوره يؤدي إلى مضاعفات صحية تهدد حياة المريض.

وينتج مرض السكري عادة من اضطرابات مستمرة في الأيض مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم الأمر الذي يؤدي بدوره إلى عدم القدرة على إنتاج أو استخدام الأنسولين أيضا. وسكري النمط الثاني هو اضطراب استقلابي يتميز بارتفاع معدّل السكر في الدم، وهو على النقيض من داء السكري من النوع الأول الذي يتصف بنقص الانسولين المطلق بسبب تدمير خلايا الجزر في البنكرياس. ويوجد ثلاثة أنواع رئيسة للسكري: النوع الأول، والنوع الثاني، وسكري الحمل (سكر الحمل).

ويشكل السكري من النوع الثاني حوالي 90٪ من حالات مرض السكري. ويعتقد أن السمنة هي السبب الرئيسي للسكري من النوع الثاني لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي لهذا المرض. والسكري من النوع الثاني هو النوع الأكثر شيوعاً ويصيب عادة البالغين، بيد أنه آخذ بالازدياد بين الأطفال والمراهقين. وفي هذا المرض يكون الجسم قادراً على إنتاج الأنسولين، ولكن إما أن يكون بكميات غير كافية أو أن الجسم لا يستجيب لتأثيراته ما يؤدي لتراكم الجلوكوز في الدم. وتزداد أعداد المصابين بهذا النوع بسرعة في كافة أرجاء العالم، وترتبط هذه الزيادة بالنمو الاقتصادي، والشيخوخة، وازدياد التمدن، والتغيرات في النظام الغذائي، وانخفاض النشاط البدني، والتغيرات في أنماط أسلوب الحياة.

ومن المعروف أن خلايا “بيتا” (β) في البنكرياس السليم هي التي تقوم بإفراز هرمون الإنسولين الذي يتحكم في مستوى السكر في الدم، ويتم الحفاظ على تلك الخلايا عن طريق التجدد والانقسام المستمر وموت الخلايا المبرمج. ولكن يفقد هذا التوازن الدقيق في مرضى السكري.

ويوجد حاليا العديد من طرق العلاج التقليدية لمرض السكري مثل حقن الأنسولين وأدوية ضبط مستوي السكر بالدم والتي تؤخذ عن طريق الفم وتعمل على تخفيف أو تأخير ظهور المضاعفات المرتبطة بمرض السكري ولكنها لا تعالج العيوب في وظائف خلايا “بيتا” (β) من الجذور. ولقد حاول العلماء والأطباء حل هذه المشكلة، وتنوعت الأساليب التي حاولت حماية خلايا “بيتا” (β) المتبقية والحفاظ عليها وكذلك إضافة الأعداد الكافية من هذه الخلايا اللازمة للحفاظ على مستوى السكر في الدم. والمشكلة الأزلية التي تعيق عملية زراعة خلايا البنكرياس كعلاج جذري لمرض السكري النوع الأول هي عدم توفر عدد كاف من هذه الخلايا، حيث أن الشخص المصاب بمرض السكري النوع الأول يحتاج إلى أكثر من متبرعين أو ثلاثة متبرعين بعضو البنكرياس للحصول على العدد الكافي من هذه الخلايا وبالتالي التخلص من حقن الإنسولين بعد الزرع، ولهذا أدى التقدم في تقنيات زراعة الخلايا الجذعية لتجدد الآمال في استخدامها لعلاج مرض السكري، والهدف الرئيس من العلاج بالخلايا الجذعية هو تقليل أدوية الإنسولين وأدوية تقليل مستوى السكر في الدم أو التوقف عن تناولها كلية، كما يعمل العلاج على تخفيف المضاعفات المزمنة لمرض السكري. ويمكن حصر مجال زراعة البنكرياس أو خلاياه كعلاج لمرض السكري في ثلاثة طرق رئيسية وهي كالتالي: زراعة البنكرياس كعضو كامل أو زراعة خلايا البنكرياس أو زراعة الخلايا الجذعية بعد تحويلها إلى خلايا بنكرياسية قادرة على إفراز هرمون الإنسولين.

زراعة البنكرياس

وقد بدأت زراعة البنكرياس كعضو كامل في الستينيات وقد نجح هذا النوع من العمليات لمرضى السكري الذي يعانون من فشل كلوي.  ويحتاج المريض بطبيعة الحال إلى أدوية مهبطة للمناعة بصورة كاملة وأبدية وتكون هذه الأدوية قوية المفعول. وعادة لا يجرى هذا النوع من الزراعة إلا لمرضى الفشل الكلوي المصاحب لمرض السكري، حيث أن وضع مريض السكري على أدوية مهبطة للمناعة ليس بالأمر السهل وخاصة إن كانت هذه الأدوية المناعية ستصرف للمريض مدى الحياة. كما أن حالة مريض السكري الصحية بعد زراعة البنكرياس وحتمية استخدامه للأدوية المهبطة للمناعة أيضا أمر ليس بالسهل، ولذا لا تتم عملية زراعة البنكرياس كعضو كامل إلا إذا احتاج مريض السكري إلى كلية وفي حالة الفشل الكلوي فقط.

ولتفادي الاستخدام المرهق للأدوية المهبطة للمناعة لجأ الباحثون إلى ما يعرف بزراعة خلايا البنكرياس التي لا تحتاج إلى أدوية مهبطة للمناعة بشكل كبير كما هو الحال بعد زراعة البنكرياس كعضو كامل، وذلك باستخلاص هذه الخلايا من شخص متوفى ونقلها إلى مريض السكري المصاب بالنوع الأول من السكري المعتمد على الإنسولين. وقد اصطدم العلماء بمسألة توفر هذه الخلايا وكون مريض السكري يحتاج إلى متبرعين اثنين أو ثلاثة أو حتى أربعة متوفين لاستخلاص كم كاف من هذه الخلايا. وكلما كان المختبر أكثر خبرة في مجال تنقية خلايا البنكرياس واستخلاصها، كلما كانت له القدرة على استخلاص كم كاف من هذه الخلايا من عدد أقل من المتبرعين.

وتوالت نجاحات العلماء في جامعة أدمونتن في كندا بعد تعديلات هامة في مجال عزل الخلايا واستخلاصها، ولكن بعد عدة سنوات ظهرت بعض المشاكل الصحية لهؤلاء المرضى منها انسداد الوريد البابي في الكبد وهو الطريق الذي تزرع منه الخلايا وبعض المشاكل الأخرى. وقد حاولت المراكز الأمريكية والكندية إجراء تعديلات كثيرة لبروتوكولات زراعة الخلايا لتقلل من جوانبها السلبية ومازال البحث مستمرا في هذا المجال.

وعملية استخلاص خلايا البنكرياس من البنكرياس هي عملية معقدة تحتاج إلى عدة خطوات تعقيميه وعزليه تؤدي إلى تلف عدد كبير من هذه الخلايا، وبالتالي تكون المحصلة النهائية من هذه الخلايا غير كافية لإنجاح عملية الزراعة. ويقوم الجهاز المناعي لمريض السكري بعد الزراعة برفض عدد كبير من هذه الخلايا مما يقلل بشكل أكبر المحصلة النهائية لهذه الخلايا أيضا. وكانت هناك دراسات تتحدث عن وضع هذه الخلايا في كبسولة مجهرية دقيقة لكي تتفادى تأثير الجهاز المناعي الرافض لها، ولذلك يصب البحث العلمي على إيجاد وسيلة أخرى غير التبرع بالبنكرياس لعلاج مرض السكري النوع الأول بشكل جذري. ومن هذه الوسائل هو التوصل إلى علاج يهبط مناعة المريض المتلقي للزراعة أو توفير عدد أكبر من خلايا البنكرياس عن طريق عملية تحوير الخلايا الجذعية.

تحوير الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياسية

الخلايا الجذعية هي الخلايا الأم والتي تمتلك القدرة على الانقسام والتحول الى أي نوع من الخلايا في الجسم البشري. ومن اهم مواصفات هذه الخلايا هي قدرتها على التجديد وصيانة نفسها بنفسها وكذلك قدرتها على التكاثر والانقسام مع المحافظة في نفس الوقت على القدرة على التحول الى اي نوع من خلايا الجسم الاخرى.

هذه الخلايا يمكنها التحول الى خلايا دم (كريات الدم الحمراء او البيضاء او الصفائح الدموية) كما يمكنها التحول الى خلايا قلب، دماغ، عظام، عضلات، جلد وغيرها. وتوجد العديد من المصادر للحصول على الخلايا الجذعية ومهما تعددت انواع تلك الخلايا الجذعية الا انها جميعا تشترك في ان لها القدرة على التحول الى اي نوع من خلايا وانسجة الجسم المختلفة في ظروف معينة مما يجعلها مصدرا خصبا للباحثين لمحاولة علاج العديد من الامراض المستعصية حال اصبحت هذه التقنية قابلة للتطبيق العملي.

واهم استخدام للخلايا الجذعية هو استخدامها في انتاج خلايا متخصصة جديدة يمكن زرعها داخل أعضاء جسم الإنسان المصابة واستبدال الخلايا التالفة.

إنجاز مصري

تمكّن فريق من العلماء المصريين من تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا منتجة للإنسولين في الفئران المصابة بالسكري. وقدّم فريق مركز أمراض الكلى والمسالك البولية (UNC) بجامعة المنصورة، نتائج واعدة في محاولة منهم لإيجاد علاج لمرض السكري يعتمد على الخلايا الجذعية، على الرغم من قلة الموارد المالية. وقد تمكّن هؤلاء العلماء الذين يقودهم أستاذ طب المسالك البولية الدكتور محمد غنيم من علاج حيوان قارض مصاب بالسكري، ويأمُلون تكرارَ النتائج باستخدام الخلايا البشرية.

وركّز فريقه على تحويل الخلايا الجذعية المتوسِّطة (خلايا – (MS خلايا جذعية من مخ عظام البالغين- إلى خلايا منتجة للإنسولين. وقد اختاروا هذا النوع من الخلايا الجذعية بسبب قدراتها المتعددة، التي تسمح بتمايزها إلى أنواع مختلفة من الخلايا، مثل خلايا الدم، والكبد، والرئة، والجلد، والعضلات، والخلايا العصبية، والخلايا المنتجة للإنسولين. كما يمكن أيضا للخلايا الجذعية المشتقّة من نخاع العظم لدى البالغين أن تستخدم خارج جسم الإنسان لفترة طويلة دون أن تتمايز، وهي توفّر مصدرا غنيا للخلايا الجذعية ذاتية المنشأ، والمستمدة من جسم المريض نفسه، مما يحدّ من خطر الرفض.

وبدأت الدراسة بسلسلة من التجارب التي حُوِّلت فيها الخلايا الجذعية المتوسِّطة إلى خلايا منتجة للإنسولين، وزُرِعَت في وسط غني بالجلوكوز يحتوي على عوامل التفعيل والنمو، ونُقلت إلى هياكل بنيوية مشابهة للجزيرات المنتجة للإنسولين. كانت نسبة الخلايا التي أصبحت خلايا فعالة منتجة للإنسولين متواضعة تتراوح بين 1.5 و5%.

وعندما زُرعت هذه المجموعات الخلوية تحت كلية فأرٍ عارٍ مصاب بالسكري –وهو فأر مخبري مثبّط المناعة- أصبحت مستويات السكر لديه طبيعية خلال قرابة أربعة أسابيع. وبعد مرور أشهر على محاولة فهم لماذا تمكّن عدد قليل جدا من الخلايا من إحداث مثل هذا الأثر، حصل العلماء على الإجابة في مطلع نوفمبر 2013؛ فقد حدث المزيد من تمايز الخلايا داخل الجسم الحي بعد حقن الخلايا المنتجة للإنسولين. وقدروا أن النسبة المئوية الأولية من الخلايا المنتجة للإنسولين والتي كانت منخفضة، قد ارتفعت في الأسبوع الرابع إلى 20 أو 30%، وكان هذا كافيا لعلاج الفأر وعودة نسبة السكر في الدم إلى الوضع الطبيعي.

وفي المراحل الأولية من التجربة، قام العلماء بزرع المجموعات الخلوية المنتجة للإنسولين والمستمدة من الخلايا الجذعية لنخاع عظام ذكور أقارب الفئران، لعلاج مرضى السكري لدى الفئران. وعلى الرغم من أن النتائج لم توثق بدقة، وكان هناك لغط حول بحثهم، لكن العمل قدّم ملاحظات أوليّة حول جدوى تمايز الخلايا الجذعية إلى خلايا منتجة للإنسولين واجتذب هذا العمل اهتماما من باحثين دوليين، من ضمنهم روي كالْن، الجراح البريطاني المتميّز ورائد زراعة الأعضاء، الذي بدأ بالتعاون معهم.

اختراق علمي لجامعة هارفارد

ومؤخرًا، تناقلت وسائل الإعلام المختلفة خبر النجاح الذي توصلت إليه جامعة هارفارد في تجاوز عقبة الحصول على عدد كاف من الخلايا المفرزة لهرمون الإنسولين عبر تحوير الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياسية قادرة على إفراز هذا الهرمون اللازم لحرق السكريات، وبعدد كبير جداً، مما جدد الأمل في أن علاج مرض السكري بالخلايا الجذعية أصبح أقرب كثيرا من ذي قبل.

وقد أعلنت جامعة هارفارد على لسان الباحث الرئيس الدكتور ميلتون الذي كرس حياته لإيجاد علاج جذري لمرض السكري، لإصابة طفليه بمرض السكري من النوع الأول، نجاح تحوير الخلايا الجنينية إلى خلايا بنكرياسية وبعدد كبير جدا في الحيوان، وذكر ان التجارب على الإنسان ستكون ناجحة أيضا. وقد نشرت نتائج هذه الدراسة في المجلة الطبية الشهيرة (الخلية) والتي لاقت استحسان منظمات مرض السكري الداعمة لهذه البحوث وخاصة منظمة مرض سكري الأطفال.

وبحسب الدراسة، نجحت خلايا “بيتا” (β) المحولة من الخلايا الجذعية في علاج السكري لدى فئران التجارب بصورة كاملة وتم التخلص من حقن الأنسولين تماماً خلال 10 أيام من وضع خلايا بيتا المستزرعة في الجدار الخارجي لإحدى الكليتين لدى هذه الفئران، ونجح العلماء في استزراع مئات الملايين من خلايا “بيتا” (β) عن طريق الخلايا الجذعية، وتمكنت هذه الخلايا من إفراز هرمون الأنسولين بصورة طبيعية حسب مستوى سكر الدم لديها.

وقال رئيس فريق البحث دوجلاس ملتون الأستاذ في كليات الطب، والآداب، والعلوم بجامعة هارفارد أن الخطوة التالية هي وضع هذه الخلايا داخل حافظة بيولوجية وزرعها داخل الجسم، لمنع خلايا المناعة من مهاجمتها. ويعتبر هذا الخيار أفضل من إعطاء المريض أدوية مهبطة للمناعة كما هو حاصل الآن عند زرع خلايا “بيتا” (β) المجمعة من مرضى متوفين الى مريض مصاب بالسكري. ويحتاج وضع هذه التقنية في متناول المرضى حوالي سنة من الآن للتغلب على بعض الصعوبات التقنية ومنها الحافظة البيولوجية، وكذلك الحصول على ترخيص هيئة الدواء والغذاء الأمريكية.

ويعتبر هذا النجاح انجازاً علمياً كبيراً لم يحدث له مثيل منذ عدة عقود منذ تصنيع الأنسولين في أوائل الثمانينات وهو الأمر الذي تفتحت معه أبواب عدة لعلاج السكري، وهو إنجاز يبشر بنهاية قريبة لداء السكري الذي يحتاج لإبر الانسولين أو مضخة الأنسولين ويحتاج المريض خلال العلاج بأي منهما إلى قياس سكر الدم مرات عدة عن طريق وخز الإبر.

العلاج الذي توصل إليه علماء جامعة هارفارد؛ يساهم في شفاء كبير للمرضى من النوع الأول من مرض السكري. وفي حال نجاح تجارب الخلايا الجذعية الحالية في انتاج وزراعة الخلايا التخصصية سيتمكن الأطباء من علاج عدد كبير من الأمراض المزمنة حيث وجد انه عند زرع الخلايا الجذعية في العضو المصاب تقوم هذه الخلايا باستبدال واصلاح الخلايا التالفة في ذلك العضو مما يغنى الأطباء عن استبداله بعملية زرع للأعضاء.

وقال العلماء إنهم تمكنوا باستخدام خلايا جذعية جنينية من استحداث خلايا منتجة للأنسولين في البنكرياس، أشبه بالخلايا الطبيعية في البنكرياس. وأضافوا أنهم نجحوا في توليد خلايا بكميات كبيرة تكفي لزراعتها في أجساد المرضى وللأغراض الصيدلانية. وأعلنوا أن العلاج الجديد الذي تم اختباره في نطاق التجارب على الفئران مع معالجات أخرى، نجح في توفير حماية للفئران من هجمات نظام المناعة شهوراً عدة كما نجح في القضاء على السكري في غضون 10 أيام.

وتوقع علماء أن توفر الخلايا البنكرياسية الجديدة أملاً كبيراً أيضاً لنحو 10% من المصابين بالنوع الثاني من السكري الذين يعتمدون على حقن الأنسولين وأن هذا التقدم العلمي يفتح الباب على مصراعيه لتوفير كمية غير محدودة من الخلايا لمرضى السكري الذين ينتظرون العلاج بالخلايا.

يتوج هذا الاختراق مسيرة أبحاث مضنية بدأها ميلتون قبل 23 عاماً، وتفوقت أبحاث ميلتون وفريقه من ناحيتين، إذ تمكنت من إنتاج خلايا بيتا البنكرياسية من خلايا جذعية من أجنّة، ونجحت في الوقت نفسه في تفادي أي هجوم يشنه جهاز المناعة ضد الأجسام الغريبة. تعاون ميلتون مع باحثين في معهد ماساتشوسيتس التقني للتغلب على عقبات كبيرة في علاج السكري الذي يحصل فيه هجوم نظام المناعة على خلايا بيتا في البنكرياس وهي المسؤولة عن إنتاج الأنسولين. ويأمل ميلتون أن يتمكن من خلال تعاونه مع دانيال أندرسون خبير الهندسة البيولوجية من تطوير وسيلة تغليف -كبسولة تحمي الخلايا من نظام المناعة، ويتخيل جهاز على هيئة بطاقة ائتمان يمكن زراعته تحت جلد مرضى السكري لإفراز الخلايا الجذعية بيتا التي تولد الأنسولين.

البنكرياس الصناعي

مضاعفات السكر من النوع الأول، لا يمكن تجنبها من خلال تناول الإنسولين على المدى الطويل، لهذا حاول الأطباء استزراع البنكرياس أسوة بعمليات نقل الأعضاء، أو عن طريق استزراع خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين، في الغشاء البريتوني أو الكبد، مع إعطاء العقاقير المضعفة للجهاز المناعي، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى حل جذري وهو استنساخ كامل لبنكرياس جديد؛ بحيث يتم استبدال البنكرياس المعطوب، بآخر سليم يكون حاملاً لخلايا نشيطة ومحصِّنًا ضد الهجوم المناعي في الجسم؛ ليصبح هذا العضو المهم في الجسم أداة لإنتاج الإنسولين طبيعيًّا دون الحاجة إلى حقن أو أقراص أو استنشاق الإنسولين.

وبدأت التجارب في جامعة “ميامي” بالولايات المتحدة بزراعة خلايا “لانجرهانز” التي تفرز الإنسولين في ستة من القرود المصابين بالسكري بنجاح، مما مكّنهم من الاستغناء عن الإنسولين لمدة عام كامل، وكان الشيء الجديد في هذا البحث هو الوصول إلى دواء يستطيع أن يحمي خلايا البنكرياس من اللفظ أو الطرد بواسطة الجهاز المناعي للجسم، دون الحاجة إلى استخدام الأدوية المثبّطة لجهاز المناعة التي يجب أن تؤخذ مدى الحياة.

وبعد ذلك نجح الجرّاح “جيمس شابريو” الطبيب البريطاني المولد والباحث في جامعة “ألبرتا” في كندا، في استخلاص خلايا “لانجرهانز” التي تفرز الإنسولين في البنكرياس من أشخاص متوفّين، وقام بزراعة هذه الخلايا عن طريق حقنها في الوريد البابي للكبد لثمانية مرضى بالسكري منذ أكثر من عام، وما زالوا يعيشون حياة طبيعية مثل أي شخص عادي ولم تلفظ أجسامهم الخلايا، ويعيشون بدون إنسولين خارجي وبدون الحمية الغذائية الخاصة بمرضى السكري، وقد تم نشر هذا البحث في مجلة:New England Journal of Medicine.

وطوّر الدكتور “شابيرو”، هذا الأسلوب بعد ذلك، بأخذ مجموعات من خلايا “لانجرهانز” من متبرع صحيح الجسم ليتم زرعها في كبد مرضى السكري، وتستغرق عملية الزرع نحو نصف يوم، ويقول الدكتور “شابيرو”: إن العلاج الثوري الجديد ليس خاليًا من المخاطر، كما أنه ليس مناسبًا لجميع مرضى السكري، لكن من ضمن المستفيدين الأكثر أولئك الذين يعانون من حدة المرض أكثر من غيرهم.

ويفكر الباحثون في استغلال التطورات الثورية الأخيرة في مجال زراعة الخلايا الجذعية والتحكم في تمايزها، لا سيما ما يخص علاج سكري الأطفال من النوع الأول، لابتكار  “البنكرياس الصناعي” وهو مشروع لاح في الأفق حديثا وهو يتكوّن من ثلاثة أجهزة تعمل تلقائيا من دون تدخل المريض أو الطبيب المعالج، ويتشكل من مضخة تعمل بطريقة الحلقة المغلقة ومستشعر (مجس) يقيس نسبة السكر في السائل الخلوي باستمرار كل 5 دقائق ويرسل نتائج التحليل إلى جهاز التحكم في المضخة بواسطة الأشعة تحت الحمراء، ويرتبط هذا النظام بجهاز متطور حديث يقوم بتنظيم عملية ضخ الإنسولين من المضخة إلى جسم المريض أوتوماتيكيا من دون تدخل خارجي معتمدا على برمجة الطبيب المعالج وكذلك على قراءات السكر وكمية الكربوهيدرات التي يتناولها هذا المريض.

وستكون مضخة الإنسولين قادرة على ضخ 3 أنواع من الهرمونات وهي كما يلي: الإنسولين، الجلوكاجون، الأميلين. وبهذه الطريقة سوف يصبح عمل المضخة قريبا جدا إلى وظائف البنكرياس الطبيعي. واستخدمت هذه التقنية في الآونة الأخيرة في عدة مراكز بحثية ولكنها لا تزال إلى الآن في طور التطوير.

ومن المتوقع أن تضع هذه الاختراقات العلمية الجديدة نهاية لحقن الأنسولين اليومية المزعجة، ولكن على الرغم من نجاح هذه العمليات التحويرية للخلايا الجذعية واستخدامها في مجال علاج مرض السكري مما يبشر بقرب التوصل إلى حل جذري لعلاج مرض السكري يبقى الهاجس الأخلاقي قائما، فضلا عن التخوف من تحور هذه الخلايا الجذعية إلى خلايا سرطانية في المستقبل.

د. طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد كلية العلوم والآداب ببلجرشي جامعة الباحة – المملكة العربية السعودية

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى