صحتك بالدنيا

“التهاب المكورات الرئوية”.. عوامل الخطورة.. العلاج

مرض المكورات الرئوية هو اسم لأي عدوى تسببها بكتيريا تسمى العقدية الرئوية أو المكورات الرئوية Streptococcus  pneumonia وهي امراض متنوعة تتراوح في خطورتها من متوسطة الى مهددة لحياة الانسان.  هناك لقاحات للمساعدة في الوقاية من مرض المكورات الرئوية. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 476,000 حالة وفاة تنتج من أمراض المكورات الرئوية لدى الأطفال دون سن الخامسة حدثت في 2008. وتعد المسبب الرئيسي لحالات الوفاة القابلة للوقاية من خلال اللقاح عند الأطفال وهو ذو خطورة خاصة في البلاد النامية. يساهم مرض المكورات الرئوية أيضاً في العديد من حالات الوفاة لدى كبار السن.

الكائن المسبب

العقدية الرئوية أو المكورات الرئوية Streptococcus pneumoniae  بكتيريا موجبة غرام، لاهوائية اختيارية، غير متحركة ولا تكون أبواغ (None spore-former). وسميت بهذا الاسم لأنها تكون على هيئة أزواج كروية Diplococ ، وتعتبر سبب رئيسي لكل من التهاب الرئة والتهابات الأذن الوسطى، وتعتبر أيضاً من مسببات التهاب السحايا البكتيري، وتجرثم الدم، والتهاب الجيوب الأنفية. تتميز العقدية الرئوية بأنها يمكن أن تحلل خلايا الدم الحمراء تحللاً جزئياً يعرف بتحلل ألفا Alpha haemolysis وتطلق بيروكسيد الهيدروجين Hydrogen peroxide الذي قد يتسبب في تلف في الحمض النووي وقتل خلايا الرئتين.

تتميز هذه البكتيريا بوجود حافظة Capsule تعتبر ضرورية لإحداث المرض ومن خصائصها التنوع المصلي الكبير فهناك ما يقارب 90 من الأنماط المصلية المختلفة، الأمر الذي يعقد عملية إنتاج لقاح والاصابة بسلالة ما وتكوين مناعة ضدها لا يحمي الشخص من الإصابة بسلالات أخرى.

توجد بكتيريا  S. pneumoniae بشكل طبيعي  وبدون ظهور أي أعراض في التجويف الأنفي والجيوب الأنفية والجهاز التنفسي. ولكن عند الأفراد الذين يعانون من نقص المناعة أو الذين يدخنون السجائر (خاصة الذين يدخنون بشراهة) أو المصابين ببعض الأمراض كالربو، أو من يعملون في مصانع كيميائية أو الدهانات فقد تسبب لهم الأمراض. الالتهاب الرئوي هو أكثر الأمراض شيوعاً والأكثر خطورة من بكتيريا العقدية الرئوية  S. pneumonia. وتنتشر بكتيريا المكورات الرئوية للآخرين من خلال الاتصال المباشر بإفرازات الجهاز التنفسي، مثل اللعاب أو المخاط.

الأعراض

تشتمل أعراض الالتهاب الرئوي على الحمّى، القشعريرة، السعال، التنفس السريع، صعوبة التنفس وألم في الصدر. بالنسبة للمسنين، بالإضافة للأعراض السابقة قد يعانون من الارتباك واليقظة المنخفضة. وإذا ما انتشرت العدوى إلى الدماغ والحبل الشوكي، فمن الممكن أن يتسبب بالتهاب السحايا. وتشمل الأعراض تصلب العنق، حمّى، صداع، الارتباك ورهاب الضوء. قد تتسبب العدوى بتعفن الدم الذي يؤدي إلى تلف الأنسجة، فشل الأعضاء وحتى الموت. تشمل الأعراض ضيق التنفس، ارتفاع معدل ضربات القلب، الألم أو عدم الراحة، العرق، الحمى، الارتجاف أو الشعور بالبرد.

مضاعفات محتملة

يمكن أن يكون مرض المكورات الرئوية الحاد والتهاب الرئة بالمكورات الرئوية ذات خطورة بالغة وغالباً ما يتطلبان مدة إقامة أطول بالمستشفى. قد يؤدي تجرثم الدم بالمكورات الرئوية إلى تلف الأنسجة وبتر أصابع اليد وأصابع القدم والأطراف. وقد يعاني الناجون من التهاب السحايا بالمكورات الرئوية من إعاقات دائمة، مثل تلف الدماغ والصرع وفقدان السمع.  ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة.

تُسبّب العقدية الرئوية الأمراض في جميع أنحاء العالم. وقد يكون المسافرون معرضين لخطر أكبر إذا ما أمضوا الوقت في الأماكن المزدحمة أو على اتصال وثيق بالأطفال في البلدان التي لا يستخدم فيها لقاح العقدية الرئوية المقترن Pneumococcal Conjugated Vaccine (PVC)  بشكل روتيني. ويكون مرض العقدية الرئوية أكثر شيوعاً في البلدان النامية، وأيضاً خلال الشتاء وأوائل الربيع ويحدث على مدار العام في المناطق المدارية. بالنسبة لتفشي أو حصول وباء العقدية الرئوية غير شائع في البلدان التي أدخلت لقاح العقدية الرئوية، ولكن قد تحدث في بعض الحالات، مثل دور رعاية المسنين، مراكز رعاية الأطفال أو غيرها من مؤسسات الرعاية الصحية.

عوامل الخطورة

يمكن لأي شخص أن يصاب بمرض المكورات الرئوية، لكن بعض الأشخاص معرضون لخطر متزايد. منهم: الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين والذين يعانون من بعض الأمراض مثل: مرض الخلايا المنجلية، عدم وجود الطحال، عدوى فيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز)، السرطان ، أو أي حالة أخرى تضعف جهاز المناعة، أو  الأطفال المصابين بداء السكري، أو بالمتلازمة الكلوية، من لديهم أمراض القلب والرئة والكلى المزمنة، تسرب السائل النخاعي (CSF).

أيضاً يتعرض البالغون من العمر 65 عاماً أو أكثر لخطر متزايد للإصابة بمرض المكورات الرئوية.  إذا كان لديهم أي من الأمراض التي تم ذكرها مسبقاً مع الأطفال، أيضاً إدمان الكحول والتدخين يزيد من خطر الاصابة بمرض المكورات الرئوية.

التشخيص

عند الاشتباه في الإصابة بمرض المكورات الرئوية الخطيرة، مثل التهاب السحايا أو عدوى مجرى الدم، فيتم جمع عينات من السائل النخاعي أو الدم. ثم يرسل الأطباء العينات إلى المختبر لفحصها. تساعد زراعة البكتيريا في المختبر في تحديد نوع البكتيريا المسببة للعدوى. وبالتالي اختيار العلاج المناسب، بما في ذلك المضاد الحيوي الذي سيعمل بشكل أفضل. يمكن للأطباء استخدام اختبار البول  Pneumococcal urinary antigen test  للمساعدة في تشخيص الالتهاب الرئوي بالمكورات الرئوية عند البالغين. عادةً ما يشخص الأطباء التهابات الأذن والجيوب الأنفية بناءً على الأعراض ونتائج الفحص السريري التي ترجّح عدوى المكورات الرئوية.

العلاج

تعتبر المضادات الحيوية هي العلاج الأساسي للالتهابات البكتيرية والتي تعتبر فعّالة ضد المكورات الرئوية، ويعتمد علاج التهابات العقدية الرئوية على نوع السلالة التي أصابت المريض. بقيت هذه البكتيريا فترة طويلة من الزمن دون أن تكوّن مقاومة للمضادات الحيوية ولكن مؤخراً اكتسبت بعض سلالات المكورات الرئوية مقاومة لبعض المضادات الحيوية وبالتالي أصبح من الصعب علاجها بشكل موثوق. عادةً ما يتم فحص مدى حساسية العقدية الرئوية للمضادات الحيوية Antimicrobial susceptibility testing أثناء عملية التشخيص، كما ويقوم الطبيب بالحكم على فعالية العلاج اعتماداً على النتائج المترتبة على تناول العلاج. ومن المضادات الحيوية المستخدمة: (Erythromycin) اريثرومايسين، (Cefixime) سيفكسيم، (Cefditoren) سيفديتورين والبنسيلينات بشكل عام.

مقاومة المكورات العقدية للمضادات الحيوية

انتشرت السلالات المقاومة للبنسلين في جميع أنحاء العالم بالإضافة الى مقاومتها أيضاً لأنواع أخرى من المضادات الحيوية مثل الاريثروميسين Erythromycin، التتراسيكلين Tetracycline والكلورامفينيكول Chloamphenicol. حيث أصبح من الصعب علاج العدوى التي تحدثها السلالات المقاومة. وتشير الـتقديرات أن بكتيريا المكورات الرئوية مقاومة لمضاد حيوي واحد أو أكثر في 3 حالات من كل 10 حالات. وحسب مركز الوقاية والتحكم في الأمراض (CDC) الذي قدر أن 30% من حالات المكورات الرئوية كانت بسبب سلالات مقاومة لمضاد حيوي واحد أو أكثر في 2013.  هذه المقاومة تزيد من عدد زيارات الطبيب والمستشفيات حيث أشارت تقارير نفس المركز إلى أن السلالات المقاومة يمكن أن تؤدي إلى 1,200,000حالة مرضية إضافية و7000 حالة وفاة سنوياً. زيادة مقاومة العقدية الرئوية للمضادات الحيوية شائعة الاستخدام مثل الماكروليدات أو السيفالوسبورينات وغيرها من العقاقير المتعددة هي مشكلة صحية خطيرة أخرى.  وقد أدى هذا الانخفاض في القدرة على معالجة المكورات الرئوية إلى تسريع العمل على تطوير اللقاحات التي من شأنها توفير الحماية قبل العدوى وبالتالي تقليل الحاجة إلى المضادات الحيوية.

التطعيم واللقاح

قدرت منظمة الصحة العالمية أنه مع بداية تطعيم الرضّع بلقاح العقدية الرئوية انخفض معدل الوفيات. على الرغم من فعالية تطعيم PCV في البلدان المختلفة، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الوفيات المرتبطة بالعقدية الرئوية بين الأطفال دون سن الخامسة لا تزال مرتفعة. هناك نوع من اللقاحات المقترنة PCV التي تحمي ضد بكتيريا العقدية الرئوية؛ والتي تغطي الأنماط المصلية 7 (PCV7) و10 (PCV10) و13 (PCV13).

 يتوفر أيضاُ لقاح العقدية الرئوية عديد السكريات 23 (PPSV23) The pneumococcal polysaccharide vaccine 23 المحسّن المنقى حيث يتم إعطاؤه بشكل روتيني للبالغين من العمر 65 عاماً فأكثر، حيث يحمي ضد 23 من أنماط بكتيريا العقدية الرئوية وفعّالة في 50-70 ٪ من الحالات في البالغين.

يوفر لقاح PCV13 مناعة طويلة الأمد من خلال تحفيزها للخلايا البائية cells B والخلايا التائية cell T وقد أدى استخدام هذا اللقاح إلى انخفاض حالات الإصابة بالالتهاب الرئوي لدى الأطفال الصغار بنسبة تزيد عن 90٪، وهو أكثر فاعلية لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.  يُعطى اللقاح على جرعتين أو ثلاث جرعات ابتداءً من الشهر الثاني وتتبعها جرعة معززة.

كما أسلفنا فإن اللقاحات المذكورة تحمي ضد أنواع سلالات عديدة وليست جميعها. فالتطعيم هنا لا يوفر الحماية الكاملة ضد العقدية الرئوية. هذا يعني أنه لا تزال هنالك فرصة لأن يتعرض الشخص للإصابة بمرض المكورات الرئوية حتى بعد التطعيم.

من منطلق مبدأ الوقاية خير من العلاج، فإن التطعيم هو الخيار الأفضل لتجنب الإصابة بالمرض. يوصى عادةً إعطاء مطاعيم العقدية الرئوية بشكل روتيني لجميع الأطفال من خلال برنامج التحصين الوطني، كما يُوصى بإعطاء هذه المطاعيم للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بها. التطعيم لا يغطي جميع الأنماط المصلية المختلفة للعقدية الرئوية ولا يوفر حماية تصل الى 100% ولم تستطع الكثير من الدول الفقيرة تأمين التطعيم لأطفالها لذا يجب أيضاً البحث عن مضادات حيوية جديدة حتى تشكل ضمانة إضافية في حال انتشار سلالات لا يغطيها التطعيم أو في بلدان لا تستخدم التطعيم بعد.

أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة

  الجامعة الإسلامية – غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى