صيدلية الشفاء

ماذا نعرف عن “الميكروبيوتا”؟

تعيش الكثير من الكائنات الحية الدقيقة -التي يفوق عدد خلاياها خلايا جسم الإنسان نفسه- على امتداد الجهاز الهضمي من الفم وحتى الشرج.

وتشتمل هذه الكائنات على البكتيريا، والفيروسات، والأركيا، والفطريات الطبيعية واللازمة لصحة ووظيفة الجهاز الهضمي (حوالي 30 تريليون في جسم الإنسان البالغ) وتُعرف مجتمعةً باسم “الميكروبيوتا”.

في حين يشير مصطلح “ميكروبيوم” إلى التركيب الجيني للميكروبات الحيوية مجتمعةً. وفي حالة حدوث أي خلل في التوازن الطبيعي “للميكروبيوم”؛ تظهر لنا أعراضًا مماثلة لما يحدث بعد استخدام المضادات الحيوية، مثل: الإسهال، والعدوى الفطرية.

تاريخ دارسة الميكروبيوتا

تعود دراسة الميكروبيوم البشري إلى عمل أنتوني فان ليفينهوك 1632-1723، الذي دفعه شغفه بالعدسات إلى اكتشاف الميكروبات باستخدام ميكروسكوبات من تصميمه. وعلى الرغم من ذلك، بقيت معرفتنا بمكوناتها محدودة لفترة طويلة بعد ذلك، بسبب حقيقة أن معظم هذه الكائنات الدقيقة لا تنمو في ظروف نمو المختبر المتاحة فيما مضى.

ولكن مع التقدُّم التكنولوجي الكبير، الذي أحدث ثورة في قدرتنا على تسلسل المواد الوراثية على نطاق واسع، اكتسبنا نظرة ثاقبة على تنوُّع الكائنات الحية المجهرية البشرية، وكذلك الوظائف والمسارات الموجودة في الكائنات الحية الدقيقة. وهذه المعرفة الحديثة هي ثمرة المبادرات الرئيسة، مثل مشروع الميكروبيوم البشري الذي أنشأه المعهد الوطني للصحة عام 2008م في الولايات المتحدة الأميركية، والذي يهدف إلى تقديم تحليل شامل للميكروبيوم البشري ودوره في الصحة والأمراض.

ويكتسب الميكروبيوم أهمية متزايدة نظراً للدور الذي تقوم به مكوّناته، من الكائنات الحية الدقيقة، وتفاعلها مع بيئات الجسم المختلفة سلباً على الصحة من ناحية، وإيجاباً من ناحية ثانية كالاعتماد عليها في هضم الطعام، وإنتاج بعض الفيتامينات، وتنظيم جهاز المناعة، وحماية بعض أنواعها الحميدة لنا من بعضها الآخر المسبب للأمراض، وغير ذلك.

الميكروبيوم جهاز غير ذاتي، يعتبره جهاز المناعة جسماً غريباً، مما يطرح تساؤلاً حيوياً حول حقيقة العلاقة بين مختلف أنظمة الجسم الحيوية، وكذلك بينها وبين ما تستضيف من كائنات حية. وقد أصبحت هذه المعرفة ضروريةً لمستقبل الرعاية الصحية وعلاج الأمراض.

والحال، أنه لفترة طويلة مضت تخطت القرن، لم يكن هناك إجماع بين العلماء حول تعريف هذه العلاقة. ولما ساد الرأي أنها علاقة تكافلية، اختلفت الآراء حول ماهية التكافلية. ولكن الأبحاث البيولوجية الجديدة والتطور الكبير في التكنولوجيا المرتبطة بها، أدت إلى توسع المفاهيم حول هذه العلاقة وطبيعتها متخطية الجدال السابق.

نمو وتطوّر الميكروبيوم البشري

تظل الأجنّة معقَّمة طبيعياً حتى لحظة ولادتها من خلال قناة الولادة، حيث تتعرَّض للميكروبيوم المهبلي. هذا يمثل التأسيس المبكر لميكروبيومات هذه الأجنّة التي تستمر بالتطور خلال السنوات الأولى من الحياة متأثرة بالميكروبيوتا الموجودة في حليب الأم والكائنات الحية الدقيقة الموجودة في البيئة، كما تتأثر كذلك بالتعرُّض للمضادات الحيوية.

في وقت لاحق من الحياة، تصبح الميكروبيوتا لدينا أكثر استقراراً. لكنها تبقى عرضةً للتغييرات التي تفرضها عوامل مثل النظام الغذائي والإجهاد والتعرُّض للعقاقير. وفي الواقع، يُعدُّ التعرُّض المبكر لاستعمار الميكروبيوتا أمراً ضرورياً للتطور السليم لنظام المناعة لدينا. وقد وُجد أن الأطفال المولودين من خلال الولادة القيصرية، التي لا تتعرَّض للميكروبيوم في قناة الولادة، أكثر عرضةً لأمراض الأيض، والأمراض المتعلقة بالمناعة مثل السكري والسُّمْنة والحساسية والربو.

مشروع الميكروبيوم البشري 

وقد قام المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2007 ببناء مبادرة لفهم دور “الميكروبيوم” في صحة الانسان، وعلاقته بالأمراض المزمنة، مثل: السكري، والسمنة، والزهايمر، وأمراض الجهاز الهضمي. وقد أُطلق على هذه المبادرة اسم “مشروع الميكروبيوم البشري”.

ينقسم هذا المشروع إلى مرحلتين؛ الأولى: تهتم بمعرفة وتصنيف هذه الكائنات عن طريق تحليل جينات الميكروبات التي تعيش في مناطق مختلفة من الجسم البشريّ، والثانية: تهدف لمعرفة دورها في الحالات الصحية والمرضية، وذلك من خلال تشكيل قاعدة بيانات جينية ضخمة علنية، تعتمد على دراسات جينية كثيرة سابقة.

ما السلوكيات التي تضر بهذه الميكروبات؟

هناك العديد من السلوكيات التي يقوم بها الإنسان بشكل يومي، والتي قد تضر بميكروبات الأمعاء النافعة؛ فاستخدام المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب قد يؤدي إلى قتل العديد من الميكروبات النافعة. كذلك يمكن أن يؤدي النظام الغذائي الذي يفتقر إلى مجموعة متنوعة من الأطعمة الكاملة إلى فقدان تنوع بكتيريا الأمعاء؛ مما يسبب خللًا في تكوينها الوظيفي، وبالتالي ظهور أعراضٍ جانبيةٍ.

هل يمكننا الكشف عن الأمراض عن طريق تحليل جينات الميكروبات؟

بالطبع، وهذا ما كشفت عنه العديد من الدراسات الحديثة التي أُجريت على الإنسان، وفئران التجارب. وبشكل عام، يكون محتوي الميكروبيوم ثابت في جسم الإنسان، ولكن عند حدوث خلل في هذا التكوين؛ يكون هذا بمثابة إشارة على وجود مرض معين، وبذلك نتمكن من تعيين المرض قبل ظهور أعراضه. وقد استخدم الباحثون تقنيات الوسائط المتعددة، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي؛ لتحديد بصمات الميكروبيوم، والتي يمكن استخدامها في تشخيص الأمراض والتنبؤ بها. ومع توصل العلماء إلى فهم كيفية تأثير بكتيريا معينة على الجسم، يعتقد الكثيرون أنهم يستطيعون، وبمنتهى الدقة، تحديد التكوين المناسب من البكتيريا لعلاج بعض الأمراض باستخدام عدد من العلاجات، مثل: زراعة بكتيريا الأمعاء، أو العلاج عن طريق المكملات الغذائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى