درهم وقاية

السعال الديكي: مراحله.. مضاعفاته.. العلاج

يُعرف السعال الديكي أيضاً باسم الشاهوق “whooping cough” بسبب الصوت المشابه لصوت الديك الذي يصدره المريض عندما يستنشق الهواء بعد نوبة السعال المتواصلة. السعال الناجم قد يستمر لمدة تصل إلى 10 أسابيع أو أكثر؛ بعض الناس يُعرّفون هذا المرض باسم “سعال المائة يوم”.

أول الأوبئة المسجلة حصلت في القرن السادس عشر، وتم عزل العامل المسبب وهي بكتيريا تسمى Bordetella pertussis  في العام  1906. في القرن الماضي، كان السعال الديكي من الأمراض الشائعة التي تصيب الأطفال وسبب رئيسي للوفاة في الولايات المتحدة وفي الكثير من بلدان العالم.  قبل توافر اللقاح في الأربعينيات كان حوالي 200000 طفل يمرضون بالسعال الديكي كل عام في الولايات المتحدة وحدها. انخفض معدل الإصابة بأكثر من 80٪ مقارنة بعصر ما قبل اللقاح. لا يزال السعال الديكي يمثل مشكلة صحية كبيرة بين الأطفال في البلدان النامية، حيث حدثت 294000 حالة وفاة بسبب المرض في عام 2002 حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

الكائن المسبب

بكتيريا Bordetella pertussis، بكتيريا سالبة غرام عصوية الشكل، هوائية لها احتياجات غذائية خاصة ومعقدة. تلتصق هذه البكتيريا بالأهداب (زوائد صغيرة تشبه الشعر) والتي تشكل جزءاً من الجهاز التنفسي العلوي. تقوم البكتيريا بإطلاق السموم، والتي تُتلف الأهداب وتؤدي إلى تضخم الشعب الهوائية. يتميز بالسعال العنيف الذي لا يمكن التحكم فيه والذي يجعل التنفس في كثير من الأحيان صعباً. بعد نوبات السعال، يحتاج الشخص المصاب بالسعال الديكي في كثير من الأحيان إلى أخذ أنفاس عميقة، مما ينتج عنه صوت “الديك”. يمكن أن يؤثر السعال الديكي على الأشخاص من جميع الأعمار، ولكنه قد يكون خطيراً جداً بل ومميتاً للأطفال أقل من عام.

طرق الانتقال

السعال الديكي مرض معدٍ للغاية تنتشر بين البشر فقط. ينتشر السعال الديكي عادة الى شخص آخر عن طريق السعال أو العطس أو بالاتصال المباشر. يصاب العديد من الأطفال الذين يصابون بالتهاب السعال الديكي من قبل الأشقاء الأكبر سناً أو أولياء الأمور أو مقدمي الرعاية الذين قد لا يعرفون حتى إصابتهم بالمرض. الأشخاص المصابون بالعدوى أكثر من حوالي 2 أسابيع بعد بدء السعال أيضاً قادرين على نقل المرض.

الأعراض

الإصابة بالمرض لا تظهر بشكل فوري على المصاب، حيث تظهر أعراض المرض بعد 7- 10 أيام تقريباً من الإصابة بالوضع الطبيعي، وتكون أعراضه في البداية معتدلة ومشابه لنزلة البرد، حيث يعاني من سيلان واحتقان في الأنف، احمرار في العينين، حمّى وسعال.

يمر المرض بثلاثة مراحل

 المرحلة الأولى

عادة ما تستمر أعراض المرحلة الأولى من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع، وغالباً ما تتمثل بسعال البسيط. سيلان الأنف. ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم.

المرحلة الثانية

قد تمتد أعراض هذه المرحلة لعدة أسابيع، وتظهر في شكل نوبات حادة من السعال ويكون أشدّ مما هو عليه في المرحلة الأولى. يكون السعال جافاً وقوياً. ينتهي السعال بصوت يُشبه صوت الديك عند استنشاق الهواء، ولكنّ الرضع وحديثي الولادة لا يظهر لديهم هذا العرض لعدم قدرتهم على أخذ النّفس بسهولة عند إصابتهم بالسعال الديكي. يمكن أن يتقيأ الطفل عند السعال. ويمكن أن يبدأ السعال عند الطفل عند البكاء، أو اللعب، أو حتى عند تناوله الطعام أو الحليب.

المرحلة الثالثة

تبدأ أعراض المرحلة الثالثة بالظهور في الأسبوع الرابع تقريبًا من الإصابة بالسعال الديكي، ومن ميزات هذه المرحلة توقف القيء والسعال في بداية هذه المرحلة. يحدث السعال على هيئة نوبات متقطعة بين حين وآخر بعد الأسبوع السادس، وقد تستمر نوبات السعال لمدة شهر أو شهرين.

مضاعفات محتملة

الأطفال الرضع دون 6 أشهر على وجه التحديد يتعرضون لخطر المضاعفات والموت من السعال الديكي. تشمل المضاعفات التهاب الرئة (البكتيري أو الفيروسي)، النوبات، والتهاب الأذن وغيرها، وعند البالغين، يمكن حصول كسر في الضلع نتيجة السعال.

إحصائيات وأرقام

في جميع أنحاء العالم، يقدر بنحو 24.1 مليون حالة من حالات السعال الديكي وحوالي 160700 حالة وفاة سنوياً. في عام 2012، أبلغ مركز السيطرة على الأمراض CDC عن 48277 حالة من حالات السعال الديكي في الولايات المتحدة، لكن هناك الكثير من الحالات الأخرى لم يتم تشخيصها أو الإبلاغ عنها.  ويعتبر هذا أكبر عدد من الحالات المبلغ عنها في الولايات المتحدة منذ عام 1955 عندما أبلغ خبراء الصحة العامة عن 62786 حالة.

منذ الثمانينات، حدثت زيادة في عدد حالات السعال الديكي المبلغ عنها في الولايات المتحدة. في عام 2010، شهد مركز السيطرة على الأمراض زيادة في الحالات المبلغ عنها بين الأطفال من 7 إلى 10 سنوات. حدثت اتجاهات مماثلة في السنوات التالية؛ ومع ذلك، لاحظ CDC أيضاً زيادة في الحالات بين المراهقين.

التشخيص

في المختبر يتم عزل وتحديد الهوية لعدد من البكتيريا المسببة للمرض للتأكد من وجود هذا المرض (Bordetella pertussis و B. parapertussisو B. holmesii و  B. bronchisepticaو  Corynebacterium diphtheriaeو C. ulcerans وC. pseudotuberculosis). والفحوصات المستخدمة بالإضافة الى عزل وتحديد الكائنات الحية من العينات السريرية، الكشف عن الكائنات الحية عن طريق تفاعل سلسلة البلمرة (PCR) واختبار مصل للأجسام المضادة لتسمم السعال الديكي(pertussis toxin).

العلاج

العوامل المضادة للميكروبات الموصى بها للعلاج أو الوقاية الكيميائية من السعال الديكي هي أزيثروميسين، وكلاريثروميسين، وإريثروميسين. يمكن أيضاً استخدام Trimethoprim-sulfamethoxasole. بالرغم من فاعلية المضادات المذكورة في تبيط نشاط البكتيريا المسببة للمرض الا إن استخدامها لن يغير من مسار المرض الذي ذكرنا سابقاً انه يمر بثلاثة مراحل لكن هناك فائدتان الأولى تخفيف الاعراض وتقصير فترة المرض بالإضافة الى تقليل فرص نقل العدوى الى اخرين.

الوقاية

الطريقة الأكثر فاعلية للوقاية من السعال الديكي هي من خلال التطعيم باستخدام DTaP للأطفال والرضع (لقاح ثلاثي يحتوي على توكسويد الدفتيريا, والتيتانوس بالإضافة الى أجزاء من بكتيريا البورديتيلا) ولقاح Tdap الخاص بالمراهقين والبالغين. في حين أن لقاحات السعال الديكي هي الأداة الأكثر فعالية للوقاية من هذا المرض، لكن فعلياً لا يوجد لقاح فعال بنسبة 100٪. عندما ينتشر السعال الديكي في المجتمع، هناك احتمال أن يصاب الشخص الذي تم تحصينه بالكامل، في أي عمر بهذا المرض. قد تكون حصلت على لقاح السعال الديكي ولكنك مازال بالإمكان أن تنقل المرض.

يتم إعطاء اللقاح في العضل بجرعة مقدارها 0,5 مل. في حال وجود مشاكل تتعلق بتخثّر الدم، يُنْصح بحَقْن اللقاح تحت الجلد، خشية حدوث نزف عند الحقن.

لقاح DTaP يُعطى لبناء مناعة ضدّ الأمراض الثلاثة المذكورة سابقًا، ويُعطي لمن تتراوح أعمارهم بين ستة أسابيع إلى سبع سنوات، وضمن جدول التطعيم الخاصّ بالأطفال يتمّ إعطاء جرعة واحدة منه على الأعمار الآتية: شهرين، وأربعة أشهر، وستة أشهر، ثمّ جرعة واحدة خلال الفترة التي تتراوح ما بين 15-18 شهراًّ، ثمّ تُعطى جرعة واحدة خلال الفترة التي تتراوح ما بين أربع إلى ست سنوات.

يحتوي لقاح Tdap على جرعة أقل من المطعوم مُقارنةً بلقاحDTaP ، إذ إنّه يُستخدم لتعزيز المناعة فقط، وليس بناء المناعة، ويُعطى لمن تجاوزت أعمارهم العشرة أعوام، وتجدر الإشارة إلى أنّه يُعطى كجرعة داعمة على عمر 11-12 سنة، ولمن بلغ من العمر 19 عاماً ولم يتلقى الجرعة الأساسية.

إن استخدام اللقاح على نطاق واسع كان له أثر واضح على انخفاض نسب الإصابة والتي تكاد تصل الى الصفر في بعض المناطق التي تصل فيها تغطية اللقاح الى 100%.  لكن منذ أوائل الثمانينيات، كان هناك زيادة في حالات السعال الديكي المبلغ عنها؛ سببه أن البكتيريا التي تسبب السعال الديكي أولاً تتغير دائماً على المستوى الجيني. البحوث جارية لتحديد ما إذا كان أي من التغييرات لها تأثير على الصحة العامة. ومع ذلك، تشير أحدث الدراسات إلى أن لقاحات السعال الديكي لا تزال فعالة على الرغم من التغيرات الجينية الأخيرة. سبب آخر لارتفاع عدد الحالات هو ضعف المناعة.

خلال التسعينيات، تحولت الولايات المتحدة من استخدام DTP إلى استخدام DTaP للأطفال الرضّع والأطفال. ترتبط لقاحات السعال الديكي الخلوي بمعدلات أعلى من الآثار الجانبية الطفيفة والمؤقتة مثل الحمى والألم والتورم بموقع الحقن. نادراً ما تحدث ردود الفعل السلبية العصبية الخطيرة، بما في ذلك المشاكل العصبية المزمنة، بين الأطفال الذين تلّقوا مؤخراً لقاحات كاملة من الخلايا. ومع ذلك، أدى القلق العام في بعض الدول إلى بذل جهد متضافر لتطوير لقاح مع تحسين السلامة.  تحولت الولايات المتحدة إلى لقاحات السعال الديكي الخلوي (DTaP) (acellular pertussis vaccines (DTaP and Tdap)).

بشكل عام، لا يعاني معظم الحاصلين على اللقاح من مشاكل خطيرة. لكن قد تحدث آثار جانبية، ومعظم هذه الأعراض خفيفة، بمعنى أنها لا تؤثر على الانشطة اليومية.

توصيات

توصي منظمة الصحة العالمية أن يتلقى جميع الرضع حول العالم لقاح السعال الديكي. يُعطى اللقاح كسلسلة مكونة من ثلاثة جرع أولية من DTaP ابتداءً من عمر شهرين. ويوصى بإعطاء جرعة معززة عند بلوغ سنتين من العمر. في بعض الدول، يوصى بإعطاء الجرع المعززة للمراهقين.

ثلاث جرع من لقاح السعال الديكي تعتبر فعالة بنسبة 90% لمكافحة هذا المرض عند الرضّع. ففي العام 2008، تلقّى حوالي 82% من الرضّع حول العالم 3 جرعات من لقاح السعال الديكي. ووفقاً لمنظمة الصحة العالميّة، تم تجنُب حوالي 687,000 حالة وفاة بسبب برنامج التطعيم العالمي لمكافحة السعال الديكي.

يجب أن يحصل المراهقون أو البالغين الذين لم يحصلوا على Tdap وهم أطفال على جرعة واحدة. الحصول على Tdap مهم بشكل خاص للنساء الحوامل خلال الثلث الثالث (الأسبوع 27-36). من المهم أيضاً أن يكون أولئك الذين يعتنون بالأطفال محصنين بالتطعيم ضد السعال الديكي.

أ.د. عبد الرؤوف علي المناعمة

المصدر: منظمة المجتمع العلمي العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى