صحتك بالدنيا

د. رهام نصر الدين: الإمساك.. المشكلة والحل

موضوع الإمساك من الأمور التى لا يرغب البعض الحديث عنها! غير أنه وكما اتضح من البحث العلمي فإن حالة حركة الأمعاء هي انعكاس قوي لصحتنا العامة.

ولأن هذا الموضوع لا يتطرق له في أغلب الأحيان، فمعظم الناس لا يدركون ما هي حركة الأمعاء الطبيعية أو الصحية. بشكل عام، يجب أن تحدث حركة أمعاء واحدة وكاملة مرة على الأقل في اليوم (نعم، إخراج مرة واحدة وكاملة على الأقل في اليوم)، ولكن من الطبيعي جدا حدوث مرتين إلى ثلاث مرات. فالدراسات التي أجريت على معظم القبائل الأصلية المحتفظة بأسلوب حياتها وغذائها تبين أنه من الطبيعي أن يحدث الإخراج مع كل وجبة في اليوم.

والأصل في الإخراج أن تكون الفضلات سهلة الإخراج من دون حاجة إلى جهد أو ضغط لإخراجها، فكثرة الضغط أثناء الإخراج ممكن أن يكون له آثار سيئة على القولون وتسبب له الالتهاب وحدوث الرتج. أما اللون الطبيعي فهو يميل إلى البني الفاتح، من دون وجود أي قطع طعام ملحوظة، وهذا دليل على وجود ما يكفي من حامض المعدة وفعالية عملية الهضم في الجسم.

أما شكل الفضلات فيجب أن تكون على شكل أسطوانات طويلة ورفيعة، وليس على شكل كرات صغيرة صلبة أو متكدسة. ستجدون تفصيلا أكبر عن شكل الفضلات في الصورة التالية.

عدم توفر هذه المواصفات تعني أن عملية الإخراج غير “منتظمة”. البعض يلجأ للأدوية أو الألياف للحصول على النتيجة الطبيعية، وهم ربما يكونون أفضل حالا ولكن بالتأكيد هم بحاجة للمساعدة لأن هذا يعني أن لديهم خلل في عملية الإخراج.

الكثير والكثير من الناس اليوم مصابون بالإمساك بل بحالة مزمنة من الإمساك! على عكس الناس في القديم فقد كانوا يأكلون كميات كبيرة من الألياف كل يوم، ويشربون الكثير من الماء، ويتحركون طوال الوقت، وينامون بشكل جيد، وكانوا يعيشون في بيئة منخفضة بالسموم، ويتمتعون بأمعاء صحية تحتوي على الأنواع الصحيحة من البكتيريا الحميدة ولذلك كانوا يخرجون بشكل طبيعي ومريح. للأسف الشديد، عدم انتظام الإخراج وحدوث الإمساك بشكل مزمن ليس فقط أنه مزعج ومتعب حقا بل يجعل من حدوث المشاكل الصحية مجرد وقت لا أكثر!

أعجبني هذا الوصف لعملية الإمساك لأنه يقربه إلى الأذهان بشكل جيد. عدم الإخراج يوميا مثل عدم إخراج قمامة المطبخ عندما تتراكم وتتكدس في العلبة، تبدأ الأمور بالخروج عن السيطرة ويبدأ حدوث النتن والرائحة الكريهة. وهكذا يحدث مع الفضلات، تزدهر البكتيريا الضارة وتستمر بتخمير البراز مسببة التهيج والتسمم لجدار الأمعاء، بل وستبدأ البطانة بامتصاص السموم التي يحاول الجسم التخلص منها من جديد، تماما مثل أكل قمامة المطبخ من جديد! إخراج الفضلات هو طريقة جسمك الطبيعية للتخلص من كل المواد كبقايا الطعام والسموم والأدوية والمواد الكيماوية والمعادن الثقيلة والهرمونات والكوليسترول الزائد… 

هذه بعض التغييرات التي يمكن إدخالها على نمط الحياة والتي يمكن أن تساعد عملية الإخراج وتعيدها إلى طبيعتها:

الدهون الصحية: بالرغم من الحرب المستعرة على الدهون منذ أكثر من ثلاثين عاما، فلا بد أن نعمل جاهدين لنغير هذا المفهوم في أذهاننا. فالدهون من المصادر الصحية الطبيعية مثل زيت الزيتون وزيت جوز الهند والأفوكادو والسلمون البري والجوز واللوز وبذور اليقطين والبيض هي دهون ممتازة بل ويثبت العلم أنها تحمي القلب وتساعد على خسارة الوزن ونحتاج إلى تناولها يوميا.

وللعلم، فأفضل مادة لتشحيم الأنابيب هي الزيوت وليس الماء. هذا الكلام ينطبق على أمعائنا، فهي أنابيب تحتاج التشحيم حتى تنساب المكونات داخلها بسهولة وانسيابية، والدهون الصحية هي خير معين على هذا الأمر.

الأطعمة النباتية: توجد الألياف فقط في مصادر الأطعمة النباتية وليس الحيوانية مثل الفواكه والخضروات والمكسرات والبذور. لا يوجد أي بديل عن الألياف ولكن من المهم أن ندرك أنها ليست اللاعب الوحيد في مسألة الإمساك. من المهم جدا زيادة الألياف ببطء وتدرج وإلا فمن الممكن أن تتفاقم المشكلة أكثر. من الأفضل البدء بزيادة الماء والدهون والمغنيسيوم ومن ثم ندخل الألياف ببطء. أفضل عدم استخدام الأنواع التجارية من الألياف لأن معظمها يحتوي على ألوان صناعية ونكهات ومحليات. تأكدوا من قراءة الملصقات على المنتج بعناية. بشكل عام هناك نوعان رئيسيان يهمنا ذكرها هنا:

أ. الألياف القابلة للذوبان مثل تلك التي في الأرز، الشوفان والتفاح. هذه الألياف تشكل مادة هلامية في الأمعاء وتعمل على زيادة محتوى الماء وزيادة حجم الفضلات ولذلك فهي مفيدة أيضا في حالات الإسهال والفضلات الرخوة. قشور السيلليوم (Psyllium husks) هي مكملات طبيعية من الألياف القابلة للذوبان يمكن إضافتها للسموذي أو اللبن.

ب. الألياف غير القابلة للذوبان مثل الخضار خاصة الورقية وهذه تعمل على تحريك البراز على طول الأمعاء وتسهيل خروجه. هذا النوع من الألياف مفيد بشكل خاص للإمساك. تعتبر بذور الكتان الكاملة مصدرًا ممتازًا للألياف غير القابلة للذوبان أيضًا.  

أنصح بمنتج مثل Superseed من Garden of Life بناء على تجربتي مع الكثيرين، أو أي منتج مشابه له، لأنه مصنوع من مجموعة من البذور والبقوليات والحبوب المنبتة (sprouted) والتي تكون ألطف على الأمعاء.

 الماء: معظمنا يهمل شرب الماء ومصاب ببعض الجفاف. من المهم جدا أن نعلم أن الألياف لن تعمل من دون كمية كافية من الماء. الأفضل دائما هو ارتشاف الماء على طول اليوم. الأهم، شرب كوب كبير مباشرة بعد الاستيقاظ في الصباح حيث نكون في أعلى حالات الجفاف.

شرب الماء يجب أن يكون بين الوجبات وليس معها باستثناء كميات صغيرة بالطبع، فنحن بحاجة إلى أن يكون حامض المعدة قويا وغير مخفف من أجل فعالية عملية الهضم. تناول كوب كبير من الماء مع الوجبة سيبطئ بشكل كبير من حركة الجهاز الهضمي العلوي (الطعام الذي يغادر المعدة)، وممكن أن يسبب سوء امتصاص العناصر الغذائية والتجشؤ والانتفاخ والارتجاع. استبعاد عادة شرب كمية كبيرة من السوائل مع الوجبات قد تكون خطوة بسيطة ولكن قد تصنع معكم فرقا كبيرا.

مكملات البروبيوتيك: في أمعائنا مليارات الجراثيم. عندما تكون متوازنة وأغلبها حميد ففي الغالب تكون عمليات الهضم والامتصاص والإخراج بخير. ولكن لو انقلب التوازن لصالح الجراثيم المضرة فإن هذا سيسبب الكثير من المشاكل سواء في الهضم أو الإمتصاص أو الإخراج.

تساعد البكتيريا المفيدة في تهدئة الالتهاب وتحريك الأمعاء. في حالات الإمساك، من الأفضل البحث عن بروبيوتيك شامل ومتعدد السلالات ويحتوي أكبر نسبة من بكتيريا البيفيدوبكتيريا (Bifidobacteria)، يعني ما بين ثلث إلى نصف المحتوى. لأن اختيار صنف يغلب عليه اللاكتوباسيلاي أو العصيات اللبنية (Lactobacillus)، ممكن أن يجعل الإمساك أسوأ. فاللاكتوباسيلاي هي واحدة من الأنواع البكتيرية السائدة في الأمعاء الدقيقة (وهي مفيدة حتما)، ولكن الأمعاء الغليظة (حيث يحدث تكون الفضلات أو البراز) مستعمرة بشكل كبير بواسطة البيفيدوبكتيريا.

المغنيسيوم: الكثيرون يعانون من نقص في معدن المغنيسيوم. إضافة المغنيسيوم قد تكون من أكثر الحلول فعالية خاصة لو كان هناك نقص فعلي في المغنيسيوم في الجسم. يوجد المغنيسيوم في أطعمة متعددة مثل اللوز والكاجو والسبانخ والأعشاب البحرية. وللأسف، انخفض محتوى الأطعمة النباتية من المغنيسيوم بسرعة منذ منتصف القرن العشرين بسبب الإفراط في زراعة نفس التربة دون إعطائها فرصة لتعويض نقص المعادن فيها، وهذا ينطبق على كل المغذيات الأخرى.

في حال أن الألياف والماء والدهون والبروبيوتيك لم تجد نفعا، فيمكن تجربة ما بين 400-800 ملجم من سترات المغنيسيوم (magnesium citrate) بعد وجبة العشاء مساءا.

المغنيسيوم يساعد حركة الأمعاء التموجية بشكل طبيعي لإخراج الفضلات. المغنيسيوم قد يكون فكرة ممتازة خاصة لمن يعاني من أعراض أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم، الصداع المتكرر، الارتجاع، تشنجات/ وجع العضلات وسرعة الانفعال. في حال تناول جرعة أكبر من المطلوب فما سيحدث هو حدوث الإسهال لفترة قصيرة، ولكن بالإمكان فورا تخفيف الجرعة حتى الوصول للجرعة المطلوبة. من فوائد المغنيسيوم مساءا أنه سوف يساعد على النوم والاسترخاء بشكل أفضل خلال الليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى