مقالات

هل نصدق الحتم البيئي؟!

من أشهر مدارس تحليل السلوك البشري تلك المدرسة التي تأسست في القرون الماضية وتسمى مدرسىة “الحتم البيئي”. ترى هذه المدرسة الإنسان أسيرًا للمعطيات البيئية ومتحركًا بفضل عواملها. فأهل الصحراء المسطحة والسهول الفيضية الممهدة والمناخ الذي لا يتغير لا ينتظر منهم – وفق هذه المدرسة – أي تطور عقلي ولا اختراعات ولا ابتكارات وسيعيشون عالة على منجزات الأمم التي تخترع وتبتكر.

الاختراع هو  الابن الشرعي لظروف التطور والحراك والتغير ومواجهة التحديات. يغالي أصحاب مدرسة الحتم البيئي فيقولون إن حالة السكون البيئي والهدوء والرتابة في المناخ وغياب القلق الإيجابي الذي تفرضه الطبيعة وانعدام الضغوط البناءة من مؤثرات البحر والجو والبر كل ذلك قد يؤثر على السكان فلا يتقدمون للأمام ويعيدون تكرار ماضيهم.

يقول هؤلاء إن العقل البشري اخترع بعض أعظم إبداعات التاريخ تحت  ظروف من الضغط والتوتر والقصف  والنيران، على  نحو ما تسببت الحرب العالمية الثانية مثلا في طفرة هائلة في معظم الاختراعات التي يعيشها البشر حاليا والتي جعلت بعض المفكرين يعيدون النظر في التعبير  الشهير “الحرب أم الشرور”.

تقفز هذه الأفكار أمامنا ونحن  نتابع منذ يوم أول أمس الأعاصير المدمرة التي تضرب جنوب شرق الولايات المتحدة وتكتسح معها قطاعا واسعا مدمرة للمنشئات ومهددة لحياة البشر.

الخرائط هي ابنة التحديات البيئية، قبل أكثر من ربع قرن تطورت تقنيات الخرائط الرقمية والتواصل اللحظي عبر الإنترنت على خرائط الهواتف المحمولة بين سكان هذه المناطق وبعضها البعض.

إذا كنا في مصر مثلا ذات الطبيعة الاستاتيكية الثابتة نفتح خرائط الهاتف المحمول للبحث عن مطعم او مقهى أو حجز تاكسي أوبر وأخواته فإن الناس في البلاد ذات الطبيعة الديناميكية المتحركة وخلال حالة مثل الاعاصير يتداولون المعلومات مع الجهات الرسمية وبقية السكان قبل وأثناء وبعد مرور الأعاصير عبر خرائط رقمية دائمة التحديث مما يخفف إلى حد كبير من الخسائر الممكنة.

يذهب مؤرخ الخرائط البريطاني الشهير جوردون برانش إلى أن الفضل لإعصار كاترينا في تطور مرحلة متقدمة للغاية من الخرائط الرقمية في العالم بعدما استلزم هذا الإعصار “رقمنة” بيانات السكان والسكن وتداولها بين الناس حتى أن الخرائط الرقمية التي يستعملها الناس كل يوم حول العالم حققت طفرة هائلة بسبب هذه الثنائية الشهيرة من “الحاجة والاختراع” “الأزمة والفرصة”.

عاطف معتمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى