حلول مبتكرة

محمود سعادة.. عالم مصري حارب إسرائيل بالعلم

لم يسبق أن شارك في حرب أو ارتدى زياً عسكريًا، لكنه وضع نفسه في مصاف أبطال حرب السادس من أكتوبر، إنه العالم, الأكاديمي المصري, الدكتور محمود يوسف سعادة، الأستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومي للبحوث.

لم ينل الدكتور سعادة “جزءًا” مما يستحقه، وأمضى فى حياته يخدم مصر فى دأب وصمت، مترفعًا عن صغائر الدنيا ومناصبها، ومنكبًا على دراساته العلمية، متفرغًا لعمله البحثي، نائبًا لرئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، ومديرًا لمكتب براءة الاختراع فى تسعينيات القرن المنصرم، ثم أستاذًا متفرغًا بالمركز القومى للبحوث، حتى لاقى وجه ربه الكريم فى 28 ديسمبر 2011م.

قد يسأل سائل: وما علاقة هذا العالم بنصر أكتوبر؟ نعود بالذاكرة إلى ما قبل اكتوبر من العام 1973 حيث عُقدت اجتماعات مكثفة شارك فيها كافة الخبراء، بعدما أعلن الرئيس أنور السادات قراره بالاستغناء عن الخبراء العسكريين السوفييت فى مصر، بعدما صاروا عبئًا على البلاد بسكرهم الدائم وإشاعتهم روح الهزيمة بين المقاتلين، وكان رد فعل السوفييت أن تعنتوا فى إمداد مصر بما تحتاجه، من أسلحة حديثة وقطع غيار ووقود صواريخ، مما يعنى أن يصبح حائط الصواريخ خارج الخدمة، وتنكشف سماء مصر أمام أية طائرات مغيرة، واستحالة دخولها الحرب، فلا قيمة لحائط الصواريخ دون وقود يطلق الصاروخ، وكانت معضلة استنفر لها الرئيس السادات علماء مصر.

فكر المشير محمد علي فهمي قائد سلاح الدفاع الجوي آنذاك، فى الدكتور مهندس محمود يوسف سعادة، وخلال دقائق انتقلت سيارة خاصة لمنزل العالم المصري، محمود يوسف سعادة، وطلب منه قائدها التوجه معه لمقابلة مسؤولين كبار، وفور وصوله عرضوا عليه تفاصيل المشكلة التي تؤرق الرئيس الراحل وقادة الجيش.

فك الشفرة

انكب “سعادة” على الدرس والبحث، وتمكن خلال شهر واحد من فك شفرة مكونات الوقود، ورده إلى عوامله الأساسية ونسب كل عامل من هذه المكونات، فضلاً عن استخلاص 240 لترًا من الوقود الصالح للإستخدام، من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بالمخازن، وأجريت تجربة للوقود الذى أنتجه وتم إطلاق الصاروخ بنجاح، وكانت مفاجأة صادمة للسوفييت الذين توهموا أن المصريين سيظلون فى حاجة إليهم، ما بقوا يسيطرون على امدادات قواتهم المسلحة، ولم يدركوا أن العقل المصرى يبدع وينتج عند الشدائد.

وبفضل الله ثم اجتهاد د.محمود سعادة ورفاقه، كسبت مصر حربًا توقع الجميع أن تخسرها، وتمكن الدفاع الجوى بعدما توفر الوقود من إعادة حائط الصواريخ إلى الخدمة، وبعودة الصواريخ تم تدمير 326 طائرة اسرائيلية خلال حرب أكتوبر العظيمة.

شاب في الـ 35 حاد الذكاء

توصل العالم المصري محمود سعادة مع المسؤولين في معامل الجيش إلى الحل السحري الذي أبهر السادات، وقرر بعده اتخاذ قرار الحرب، وتحديد موعدها بدقة، فقد أبلغه قائد كبير بالجيش أن المشكلة انتهت، ويمكن توافر الوقود اللازم خلال أيام.

تقول ابنته الدكتورة سعاد محمود سعادة المتخصصة في ترميم الآثار: الحل الذي توصل إليه والدى بالتعاون مع الجيش هو تكوين الوقود من العناصر المستخدمة فيه، والتي لم تنتهِ صلاحيتها بعد، والاستعانة بالمواد الخام المتوافر مثلها في مصر لإعادة تصنيعه من جديد وهو ما حدث، مضيفة أنه تم توفير كميات هائلة منه، الأمر الذي أدى في النهاية لخوض الحرب والانتصار الكبير.

وتضيف أن والدها نجح في استخلاص 45 طن وقود جديد من الوقود المنتهي الصلاحية الموجود، حيث تمكن من فك شفرة مكونات الوقود إلى عوامله الأساسية وأعاد تكوينه، وتم إجراء تجربة شحن صاروخ به وإطلاقه، ونجحت التجربة تماما، وفرح الرئيس السادات وقادة الجيش كثيرا بذلك.

المبيدات الحشرية

وتقول إن والدها كان من أوائل من عملوا في مجال الكيمياء الصناعية والموجات فوق الصوتية في مصر ، حيث توصل كذلك لحل مشكلة أخرى كبيرة كانت تؤرق المسؤولين عن الزراعة المصرية، وهي الفئران الحقلية الكبيرة التي كانت تلتهم المحاصيل، ولم تفلح المبيدات الحشرية في التخلص منها، مضيفة أن والدها تمكن من استخدام الموجات في إزاحة الفئران والتخلص منها نهائيا.

العالم المصري محمود يوسف سعادة، كما تقول ابنته تخرج في كلية الهندسة قسم كيمياء صناعية، وتزوج من ابنه أستاذ التخطيط المصري الشهير سيد كريم، الذي يرجع إليه الفضل في وضع التصميمات والتخطيط العمراني لعدة مدن مصرية وعربية، مثل بغداد الجديدة ودمشق الجديدة وأبوظبي، وصاحب مشروع تخطيط القاهرة الكبرى عام 1952، وأول من أدخل عمارة الأدوار العالية إلى مصر.

وتقول إن والدتها كان عمرها 16عاما عندما تزوجها والدها، ولم تكن قد أكلمت دراستها، وساعدها والدها العالم الراحل في إكمال مشوارها الدراسي، حتى حصلت على الدكتوراه في الآثار، وتقوم بالتدريس حاليا في الجامعة الأميركية في القاهرة.

توفي العالم الراحل في العام 2011 وشهد جنازته عدد من العسكريين والعلماء الذين كانوا على علم تام بدوره الكبير في حرب أكتوبر والنصر العظيم الذي تحقق لمصر والعرب.

جند من السماء

يقول اللواء طيار محمد عكاشة في كتابه “جند من السماء”: “إن سعادة تمكن من فك شفرات مكونات الوقود الأساسية ونسب كل مكون، ومن ثم استيراد عينة من الخارج”.

بعد استيراد عينة الوقود من الخارج، أجرى سعادة تجربة شحن الصواريخ بالوقود الجديد، نجحت التجربة تماماً، وكان ذلك بداية تعاون بين القوات المسلحة والمركز القومي للبحوث الذين نجحوا في إنتاج كمية كبيرة قدرت بـ (45) طنا من وقود الصواريخ، وبذلك أصبح الدفاع الجوي المصري مستعداً لتنفيذ دوره في حرب أكتوبر.

وتقديرًا لدوره في الحرب، كرمت الدولة الدكتور سعادة ومنحته جائزة الدولة التشجيعية تقديرًا لجهوده، وتوفي في عام 2011، ليكتب اسمه ضمن أبطال معركة حرب أكتوبر دون أن يطلق رصاصة واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى