حلول مبتكرة

مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع

في مجتمعاتنا العربية غالباً ما تنفصل المبادرات البيئية عن المبادرات الاجتماعية البعد، إما لنقص في الوعي أو لنقص في الخيال والإبداع، على الرغم من أن أفضل المبادرات هي تلك التي تجمع بين البعدين البيئي والاجتماعي في عملها. وقد تتعدد مداخل ومقاربات هذا الجمع، بتعدد المشكلات والاحتياجات الملحة في المجتمع.

من بين نماذج المبادرات الملهمة التي تجمع بين البعدين البيئي والاجتماعي، مبادرة “البدال Pedal” الكندية التي تأسست عام 1993، وربيبتها في جواتيمالا “بدال المايا Maya Pedal” التي تأثرت بالمبادرة الكندية منذ عام 1997. وكلاهما يجمع ما بين الرؤية والعمل، فهي ذات رؤى عملية، أو أعمال ذات خلفية فكرية.

تنبني رؤية المبادرة الكندية “البدال” على تصور مجتمع خالٍ من الاضطهاد، تكون فيه الدراجات في متناول الجميع، بغض النظر عن القدرة الملموسة أو حالة التوظيف أو الدخل أو العرق أو الجنس.

وانطلاقا من هذه الرؤية تشجع الجمعية على استخدام الدراجات كوسيلة نقل صحية وبأسعار معقولة وسليمة بيئيا. ومن ثم تقدم التعليم في شكل تدريب على المهارات الميكانيكية لتمكين الناس وتمكين الوصول إلى الخدمات والفرص المجتمعية.

مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع
مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع

كما تخلق فرصا للتجربة، وتعليم الأشخاص كيفية إصلاح دراجاتهم بأنفسهم. وتوفر العلاج المهني من خلال ميكانيكا الدراجات للأشخاص ذوي الإعاقة. وتزود الأشخاص بالمهارات الميكانيكية وتعلمهم كيفية الحفاظ على سلامة الدراجات الأساسية. وتعزز استخدام الدراجات والتقنيات التي تعمل بالدواسات (أو البدالات) لتحسين بيئتنا المشتركة. وتوفر الدراجات لذوي الدخل المحدود لمساعدتهم على المشاركة في المجتمع والوصول إلى الموارد الاجتماعية والاقتصادية، وتطوير وتوزيع التقنيات التي تعمل بالدواسات في المجتمعات الريفية والمحلية. وفي هذا الإطار تقدم الجمعية عددا من البرامج التي تحقق تلك الرؤية والرسالة. وهي تقدم ذلك من خلال ما أسمته “اتفاق مجتمعي” يؤكد على احترام الجميع للتنوع والتعدد والاختلاف داخل المجتمع بكافة أشكاله.

أما “بدال المايا Maya Pedal” هي منظمة غير حكومية تعمل في منطقة سان أندريس إيتزابا التي يغلب على سكانها الأميركيين الأصليين رقيقي الحال من شعب المايا ومن ثم يتعزز ويتعمق البعد الاجتماعي في عملها.

مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع
مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع

تتلقى المبادرة الدراجات المستعملة التي يتم التبرع بها من الولايات المتحدة وكندا والتي إما أن تقوم بتجديدها لبيعها، أو تستخدم مكوناتها لبناء مجموعة من الآلات التي تعمل بالبدالات pedal powered machines، أو بيسيماكيناز “Bicimaquinas” بالإسبانية، وهي المحور الأساسي لعمل مبادرة جواتيمالا.

حيث يتم تسخير قوة الدراجات والبدالات لعدد لا يحصى من التطبيقات التي يتطلب القيام بها عادة وجود الكهرباء، التي قد لا تكون متوفرة، أو القوة اليدوية، والتي تقتضي بذل جهد أكبر بكثير.

الماكينات التي تعمل بالبدالات Bicimaquinas هي ماكينات سهلة وممتعة في الاستخدام، ويمكن بناؤها باستخدام المواد المتوفرة محليا ويمكن تكييفها بسهولة لتناسب احتياجات السكان المحليين، وهي تحرر المستخدم من ارتفاع تكاليف الطاقة، ويمكن استخدامها في أي مكان، ويسهل صيانتها، ولا تسبب أي تلوث وتوفر الفرصة لتمرينات صحية.

ومن هذه الماكينات يتم صنع مضخات المياه، والمطاحن، وماكينات الدريس، وماكينات صناعة البلاط وكسارات الجوز، والخلاطات (لصنع الصابون والشامبو وكذلك المنتجات الغذائية)، والدراجات الثلاثية، والدراجات ذات المقطورات وغيرها.

مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع
مبادرات ملهمة.. الدراجات والبدالات كمدخل لخدمة المجتمع

تقوم مبادرة جواتيمالا من خلال ورشتها المزدحمة بالأعمال والتي يعمل فيها السكان المحليون والمتطوعون من جميع أنحاء العالم ليس فقط بإعداد الماكينات التي تعمل بالبدالات لأغراض مختلفة، ولكن أيضا بإصلاح الدراجات لمن يرغب، وبيع الدراجات المستعملة في المنطقة المحيطة.

وتعمل المبادرة بالتعاون مع عدد من الشركاء من المنظمات الأهلية والتعاونية المحلية، فضلا عن تلقي الدعم من عدد من المنظمات الدولية كما يأتيها المتطوعون من بلدان كثيرة.

وتسعى المنظمة لجعل تصميماتها من الماكينات التي تعمل بالبدالات متاحة عالميا مفتوحة المصدر من خلال صحائف الحقائق القابلة للتنزيل والتعليمات الإرشادية خطوة بخطوة. مستهدفين إلى أن يكونوا مركزا للبحث والتطوير في قوة البدال (الدراجة) ومورد معلومات للمنظمات غير الحكومية التي تروج لهذه التكنولوجيا الملائمة اجتماعيا وبيئيا، والتي تروج للزراعة المستدامة، والمشاريع والماكينات ذات النطاقات الصغيرة.

في الختام، يبقى أن العالم مليء بملايين الدراجات، وآلاف المبادرات التي تتمحور حولها، لكن القليل منها ما يجعل من “الابتكار من أجل الفقراء” عبر “التكنولوجيا الملائمة” التي تدفعهم لتعديل وتحوير تلك الدراجات لتناسب احتياجات وتحل مشكلات المهمشين في المجتمع.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى