حلول مبتكرة

ما هي المدن الذكية؟.. وهل أصبح التحول إليها ضرورة حياتية؟

التطورات التكنولوجية التى شهدها العالم مؤخرا دفعت الدول للتوجه نحو (المدن الذكية) التي تسعى إلى استشراف المستقبل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وتتلخص الغاية منها في توفير بيئة رقمية صديقة للبيئة ومحفزة للتعلم والإبداع، تسهم في توفير بيئة مستدامة تعزز الشعور بالسعادة والصحة. وثمة أكثر من تعريف لمصطلح، (المدن الذكية) وأحيانا أكثر من تسمية، مثل “المدن الرقمية” و”المدن الإيكولوجية”، وتختلف باختلاف الأهداف التي يحددها المسؤولون عن تطويرها. كما يمكن تحديد تعريف أكثر دقة للمدن الذكية المستدامة بواسطة الاتحاد الدولي للاتصالات، الذي أوضح أنها مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة.

وينبغي أن تنعكس هذه المزايا في تلبية احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، حتى تكتسب أي مدينة صفة الذكية. وحدد الاتحاد الأوروبي رؤية أكثر للمدن الذكية، حيث ترتكز على 6 عناصر، هي الاقتصاد الذكي، والأشخاص الأذكياء الذين يمثلون رأس المال البشري والاجتماعين والشفافية والمشاركة الذكية في القرارات، والنقل الذكي القائم على التكنولوجيا الحديثة، والبيئة الذكية، والحياة الذكية التي تهتم بالأوضاع الصحية وسلامة الفرد والتمتع بمرافق تعليمية وسكن وترابط اجتماعي جيد.

المدن الذكية.. هل ثمة ضرورة؟

كشف تقرير حديث للأمم المتحدة أن 70% من سكان العالم سيقطنون في المناطق الحضرية بحلول عام 2050، وهناك توقعات كبيرة بأن تستحوذ دول مجلس التعاون الخليجي على أحد أعلى معدلات التجمع السكاني في المناطق الحضرية على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 80% و100%.

وقدم البحث التوجيه اللازم لجميع الجهات المعنية في النظام الإيكولوجي للمدن الذكية، وسلط الضوء على المنافع وأهم ركائز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدن الذكية، وأبرز أهمية الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وعلى هذا الأساس، انطلق مشروع المدن الذكية الذي يشمل 70 مدينة أوروبية، ويصبو إلى تحديد نقاط القوة والضعف وتحقيق التنمية المحلية المناسبة للجميع حتى تصبح مدنا أكثر تنافسية.

وساعدت التطورات التكنولوجية الجديدة في مساعدة الحكومات على تحقيق حلم المدن الذكية، إذ أسهمت تطورات إنترنت الأشياء القائم على ربط الأجهزة وتبادل البيانات وتدشين أنظمة تحكم مركزية في توفير استهلاك الطاقة وتحسين منظومة إدارة المرور.

وبالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بتحليل قاعدة كبيرة من البيانات لإثراء عملية صنع القرار، وتم الاعتماد عليها بالفعل في مجالات عديدة منها البيئة والزراعة والمؤسسات المالية والمنشآت الصحية والتعليمية.

وفي ظل تكدس أكثر من نصف سكان العالم في المدن ومسؤولياتها عن أكثر من 70% من انبعاثات الكربون واستحواذها على 60-80% من استهلاك الوقود وفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للاتصالات، فإن قرار التوجه للمدن الذكية لم يعد رفاهية.

فهناك نماذج عديدة يمكن أن تسهم خلالها المدن الذكية في تحسين جودة الحياة، أبرزها الشبكات الذكية التي تستخدم تكنولوجيا الاتصالات في إدارة شبكات الكهرباء، إذ توفر معلومات عن نمط استهلاك الطاقة وتوفير عدادات ذكية تساعد في تحسين استخدام الطاقة.

كما أن التطبيقات الحديثة تساعد على توفير بيانات عن مناطق الاختناقات المرورية بهدف تفاديها، وتحسين حركة السيولة المرورية، واستخدام أجهزة لقياس نسب التلوث والتحكم فيها.

كما هناك توجها لتوفير شبكات لأساطيل من السيارات ذاتية القيادة لتوفير النقل الشخصي للزبائن عند الطلب، إلى جانب تطوير حلول توفير الخدمات المالية إلكترونية، لا سيما عبر تقنية “البلوك تشين” الأكثر أمانا للحسابات المالية والمصرفية.

وتجاوزت حلول المدن الذكية حاجز الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، بل وفر أيضا ابتكارات تتيح للمواطنين التصويت في الانتخابات عبر الهواتف الذكية مع توفير حماية كافية ضد أعمال الاختراق.

واتخذت مدن عديدة حول العالم خطوات واسعة في التحول لمدن ذكية مثل نيوريورك، وسان فرانسيسكو، ساوثهامبتون وأمستردام ومدريد وبرشلونة وستوكهولم وكوبنهاجن وفالنسيا.

الملامح الرئيسية للمدن الذكية

تعتمد “المدن الذكية” بشكل رئيسي على البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، ولعل أكثر ما يميزها تركيزها على الإنسان في المقام الأول، لأنها تستطيع الاستجابة للظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المتغيرة، بخلاف المدن التقليدية.

يمكن أن تكون المدن الذكية مدناً جديدة صممت وأنشئت بطريقة ذكية منذ البداية، أو مدينة تقليدية تم تحويلها تدريجيا إلى مدينة ذكية بالكامل.

وأطلقت مدن كثيرة حول العالم مشاريع لمدن ذكية، من بينها دبي ونيويورك وطوكيو وشنغهاي وأمستردام.

السعودية والمدن الذكية

في المملكة العربية السعودية تم وضع أكثر من مدينة في الخطة للتحول إلى مدن ذكية. وفي إطار بلورة رؤية 2030. وقد ساهم النمو السكاني والتوسع الحضري والتطور التقني والتحول المعلوماتي المتتابع في دفعها نحو التفكير لإنشاء المدن الذكية ترسيخاً لمفهومها العصري الذي بدأ في الانتشار سريعًا بشكل عملي في الكثير من مدن العالم.

لقد تضمنت رؤية المملكة 2030 تحويل مدن المملكة إلى مدن ذكية عبر تحقيق أهداف برنامج التحول الوطني في مجال التحول الرقمي، حيث أعلنت وزارة الشؤون البلدية والإسكان عن اختيار خمس مدن سعودية للبدء في تحويلها لمدن ذكية خلال الفترة المقبلة وهي: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، وجدة، والدمام، نظرًا لتوفر البنى التحية لها من تَوفُّر وجاهزية الخدمات مثل التخطيط الحضري وتقنية المعلومات والاتصالات والشبكات العنكبوتية (الإنترنت).

لذا بدأت المملكة في تجهيز البنى التحية وإنشاء منظومة متكاملة لإدارة كل مرافق وخدمات المدينة عبر منظومة إلكترونية ذكية ومترابطة، حيث يأتي هذا المشروع الطموح ضمن التطلعات الطموحة لرؤية المملكة 2030 التي تسعى لتنويع القاعدة الاقتصادية للمملكة من دون الاعتماد على النفط كمورد رئيس للمملكة، كما تسعى المملكة لتحسين جودة الحياة ورفاهيتها في المدن الذكية من خلال استخدام التقنيات الحديثة والبيانات الذكية لتحسين الاتصالات والمواصلات واستخدامات الطاقة والمرافق الصحية وجودة الهواء ودفع النمو الاقتصادي للمواطنين والمقيمين والسائحين عبر مدن ذكية نظيفة خالية من التلوث.

وفي ظل هذا التحول المجتمعي التحضري، فقد حظيت مدن المملكة بوثبات حضارية مذهلة، كان السبق فيها لمدينتي الرياض والمدينة المنورة لأن تصبحا مدنًا ذكية، فالأولى هي عاصمة المملكة وواسطة عقدها المتلألئ وسفرها التاريخي الأصيل، كما أن الثانية هي طيبة الطيبة المدينة المنورة مدينة الرسول الأكرم، وقد كان ذلك تبعًا للتقييم الذي أجراه معهد التطوير الإداري (IMD) ومقره في سويسرا.

إن ذكاء المدن لمن الشمول والعموم بحيث أصبح مرتبطًا بحياة كل منا من دون استثناء بل وملامسًا لاحتياجاته ومتطلباته ورغباته، وهذه ظاهرة تكاد تكون موجودة في معظم دول العالم وبخاصة المتطورة منها. إن الذكاء في مدننا سمة عصرية تمثل في حد ذاتها دليلاً للمستوى الحضاري ومؤشرًا للتقدم العلمي الذي وصلت إليه بلادنا في العصر الحديث.

وتُسهم المدن الذكية بحسب مفهومها العلمي، في تطوير العديد من القطاعات الرئيسة؛ مثل: قطاع النقل الذكي من خلال برمجيات تخطيط الرحلات وحجوزات أنظمة النقل العام، والاقتصاد الذكي المبني على برمجيات متقدمة تساهم في تطوير الكثير من القطاعات كالإمداد والتوصيل والخدمات المساندة المشتركة، إضافة إلى بناء منصات تفاعلية مع الجمهور لتحديد احتياجاتهم وتطلعاتهم والتفاعل معهم بشفافية تضعهم في محور اهتمام أجهزة الدولة، إلى جانب تطوير وتسهيل وصول الخدمات إلى المواطنين.

ويُعد هذا التقدم الملحوظ الذي أحرزته مدينتا الرياض والمدينة لأكبر تقدم بين دول مجموعة العشرين، وثالث أكبر تقدم على مستوى العالم، نتيجة التحسنات الكبيرة التي شهدتها عاصمة المملكة في 34 مؤشرًا في جميع المجالات.

إن اختيار هاتين المدينتين وما سيتلوهما من مدن أخرى ليُعد  إشارة صريحة لما بلغته المملكة من مكانة مرموقة في مجالات التقنية وما حققته من إنجازات باهرة في ميادينها المختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى