نابغون

ماهابير بون.. راعي غنم أضاء الروابي والقمم

ليس يهم كيف تبدو، ولا كيف تبدو حياتك، ولا يهم ما تحمله من شهادات، ما يهم أكثر هو ما تحمله من عزم، وما تحمله على كتفك من هم، وما يحمله عقلك من نور يضيء لمن حولك.

هذه هي الخلاصات التي تخرج بها من مطالعة قصة هذا الرجل النيبالي الفقير البسيط “ماهابير بون Mahabir Pun ” الذي بثت قصته قناة الجزيرة الوثائقية في أحدث سلاسلها “وجوه من آسيا”، فذهبت أبحث عن تفاصيل أخرى لقصته لأرويها مكتوبة موثقة للناس.

تقول الويكيبيديا عن الرجل: ماهابير بون هو معلم نيبالي، ورائد اجتماعي، وناشط، معروف بعمله المكثف في تطبيق التقنيات اللاسل كية لتطوير المناطق النائية في جبال الهيمالايا، في المشروع المعروف باسم مشروع الشبكات اللاسل كية في نيبال، وهو شخصية معروفة على نطاق واسع في نيبال، وقد تم الاعتراف بعمله من قبل مؤسسة أشوكا، ومؤسسة رامون ماجسايساى، وجامعة نبراسكا، وبنك الأفكار العالمية.

ولد ماهابير ونشأ في نانجي عام 1955، ونانجي هي قرية نائية في منطقة مياجدي الجبلية في غرب نيبال، وأمضى طفولته في رعي الماشية والأغنام وذهب إلى مدرسة قروية بدون أوراق أو أقلام أو كتب مدرسية أو معلمين مؤهلين. تقليديا، لم يكن لدى السكان المحليين هناك أي تعليم، انضم معظم الرجال هناك إلى جيش الجورخا البريطاني. لكن حياة ماهابير تغيرت بشكل كبير عندما اتخذ والده، خطوة نقل الأسرة إلى السهل الجنوبي النيبالي حيث استثمر مدخرات الأسرة بالكامل في تعليم ابنه.

وبعد إنهاء دراسته الثانوية، عمل ماهابير معلماً لمدة 12 عامًا في أربع مدارس، مع دعم تعليم أخوته وأخواته. وفي عام 1989 ، وبعد العديد من المحاولات، نجح في الحصول على منحة جزئية لجامعة نبراسكا في كيرني بالولايات المتحدة، وتخرج منها في عام 1993 وحصل على درجة البكالوريوس في تدريس العلوم. ثم عاد إلى جامعة نبراسكا للحصول على درجة الماجستير في الإدارة التعليمية، والتي أكملها في عام 2001 .

بعد التخرج، عاد إلى قريته الأم، بعد أربع وعشرين سنة من مغادرته لها كطفل. وهناك في نانجي أدرك الحاجة الماسة للتعليم المستدام، ومن ثم بدأ في صياغة هدفه المتمثل في إنشاء مدرسة ثانوية لتكون بمثابة نموذج للتنمية التعليمية والاقتصادية المحلية.

من ثم أسس ماهابير بالتعاون مع أهل القرية مدرسة هيانتشال الثانوية مع التركيز بشكل خاص على تعليم الكمبيوتر والبرامج الأخرى ذات القدرة على توليد الدخل. وللإنفاق على مشروع المدرسة أسس ماهابير عدة مشاريع مدرة للدخل، منها مشروع “كامب براون”، والذي أسسه عام 1994، ومكان لحمام ساخن يعمل بالطاقة الشمسية، يستطيع الناس استخدامه نظير أجرة زهيدة 75 روبية، وحقق المشروع دخلا جيدا للمدرسة والمجتمع. كان المشروع الآخر المدر للدخل هو مساعدة الأهالي على تطوير الزراعة، من حيث زراعة بعض المحاصيل النقدية، وزراعة الخضر وبيع ما يفيض منها في الأسواق، وإنشاء برك صغيرة لتربية الاسماك، ومشروع لتصنيع الورق بالطرق التقليدية، ومشروع لزراعة نوع غالي الثمن من الفطر وبيعه، ومشروع للغزل والنسيج. كما بنى ماهابير مكتبة خاصة بالقرية عام 1997، وأسس عددا من الطرق ومواقع للتخييم وفق خريطة تساهم في تشجيع رياضة وسياحة المشي وتسلق الجبال وذلك عام 1998، وهو المشروع الذي تأجل حينها بسبب التمرد الماوي في نيبال، ونفذ لاحقا.

وبعد كل هذه السنين من العمل أدرك صعوبات التواصل مواصلات كانت أم اتصالات( بين القرى النائية التي تقع على قمم جبال نيبال، وبين القرى والمراكز، وأدرك كم تعد مشكلة الاتصال هذه عائقا أمام تطور حياة الناس، مسببا لمشكلات جمة أكبر منها. لذلك بدأ ماهابير مشروعه الأكبر، وهو بناء الشبكة الخاصة بالاتصالات اللاسل كية بين القرى لتشغيل المشاريع التطويرية للقرى بسلاسة، وذلك عام 2001، ووقتها لم تكن هناك خدمات هاتف أو إنترنت بالمناطق الريفية في نيبال، نتيجة للتمرد السياسي، وكما يقول ماهابير في الفيلم الوثائقي لم يكن لديهم فكرة عن كيفية بناء شبكة اتصالات لاسلكية، لأن تقنية الواي فاي كانت ناشئة في ذلك الحين ولم يكن أحد يعرفها، فعمد ماهابير لمراسلة البي بي سي، وطلب منهم توجيهه للوصول إلى أشخاص يستطيعون المساعدة، وبعد نشر القصة كان التجاوب هائلا، سواء عبر الرسائل، أو توافد المتطوعين ذوي الخبرة للمساعدة في بناء الشبكة اللاسل كية، والتي بدأت متواضعة، لعدم وجود هوائيات، لذلك بدأوا في بناء الهوائيات الخاصة بهم، واختبارها، وطلب المساعدة من المتطوعين القادمين لتوفير أجهزة لتقوية البث، ومع الوقت اتسعت شبكة الإنترنت وغطت 13 مقاطعة وأكثر من 120 قرية بواسطة تقنية الواي فاي.

وبفضل توافر الشبكة، بدأ استخدامها في توفير خدمات كثيرة يحتاجها سكان تلك القرى في حياتهم، سواء خدمة التعليم عن بعد، أو خدمة الرعاية الصحية عن بعد، أو خدمة تجارة محاصيل وحيوانات القرى، وغيرها من المصالح الاقتصادية لأهلها، فضلا عن تمكنهم من متابعة الأخبار المحلية والعالمية عبر المواقع الإعلامية المختلفة، حيث لا تتوافر لهم الصحف. وبفضل ما تلقاه من دعم وأجهزة استطاع بناء معمل هيمانشال للكمبيوتر وغيرها من المعامل التي توفر تعليما إل كترونيا لأبناء قريته والقرى الأخرى، فضلا عن ذلك يقوم ماهابير وبدعم من المتطوعين بتوفير تدريب مهني لشباب القرى على بناء وصيانة الشبكة اللاسل كية وبناء مختبرات الحواسيب وصيانة أجهزة الكمبيوتر، وذلك لتحقيق الاستدامة للمشاريع. ولا تتوقف طموحات وأحلام ماهابير لقومه عند هذا الحد، بل إنه يسعى لبناء جامعة إل كترونية لتعويض عجز أهالي المناطق الريفية عن إرسال أبنائهم إلى المعاهد والكليات في المدن.

وبفضل جهوده تلك نال ماهابير تكريما وجوائز دولية عدة، منها زمالة مؤسسة أشوكا للريادة الاجتماعية عام 2002، كما حصل عام 2004 على جائزة الابتكار الاجتماعي الشاملة من بنك الأفكار العالمي، والمعروف أيضا باسم معهد الابتكارات الاجتماعية، وفي عام 2007 حصل على جائزة رامون ماجسايساي والتي تعرف باسم جائزة نوبل الآسيوية، وفي نفس العام منحته جامعة نبراسكا الدكتوراه الفخرية في الآداب الإنسانية، وفي عام 2014 فاز بجائزة خدمة جوناثان ب. بوستيل من جمعية الإنترنت. ورغم كل هذه الجوائز والتكريمات، لا يزال ماهابير يعيش حياته البسيطة وسط القرويين، يسعى بينهم، يحمل همومهم على كتفيه، ولا يكف عقله عن الحلم لهم، وبهم، ومعهم.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى