نابغون

فورست شومر.. الرجل الذي نذر نفسه لقضية البذور البرية

قليلون هم أولئك الذين يكرسون حياتهم لقضية مركزية، وينذرون أنفسهم للعمل لها ومن أجلها، قضية تمثل لهم نقطة ارتكاز، ومحورًا يطوفون حوله كما تطوف الإلكترونيات، والكائنات، والأفلاك والمجرات، حتى ليصدق فيهم قول القائل: “كلٌّ ميسر لما خلق له”. من هؤلاء القلة فورست شومر Forest Shomer، الرجل الذي نذر نفسه لقضية البذور البرية، وامتدادها الطبيعي فيما يعرف بالزراعة الروحية.

بدأت علاقة شومر بالزراعة والبيئة حينما شارك في عام 1969 فيما يسمى بـ “حركة منتزه الشعب People’s Park Movement ” حينما كان طالباً في جامعة كاليفورنيا/ بيركلي، وهي الحركة التي تحرك فيها الطلاب والمجتمع المحلي لتحويل مساحة كبيرة من الأرض استحوذت عليها الجامعة إلى متنزه للجمهور، ومساحة للتعبير الحر عن الآراء، وخلال هذه المشاركة تدرب شومر على الزراعة والبستنة وبدأ شغفه بالبيئة، والبذور.

وبداية من عام 1973 تفرغ شومر للطواف لجمع البذور البرية في منطقة الساحل الشمالي الغربي للولايات المتحدة، من كاليفورنيا جنوبا إلى آلاسكا شمالا، وإكثارها وتوزيعها، حيث أسس “مؤسسة بذور الحياة الوفيرة Abundant Life Seed Foundation غير الربحية في ذلك العام، والتي أنتجت ووزعت ما يصل إلى 600 نوع من البذور المفتوحة التلقيح للخضروات والأعشاب والزهور، فضلا عن قيامها بإنتاج وتوزيع كتالوجات لتلك البذور، وكانت أول كيان من نوعه يتخصص في البذور البرية والأصلية لإقليم معين في الولايات المتحدة، وقد استمر شومر في إدارة المؤسسة حتى عام 1992 .

ومنذ عام 1974، قدم شومر العشرات من ورش عمل حول توفير البذور وأهمية التنوع الوراثي الحيوي، وكانت المتحدث الرئيسي في تجمع الزراعة المعمرة في شمال غرب الولايات المتحدة عام 2012، وأيضا في مؤتمر “بذور التجديد والتبادل النباتي” في هاواي؛ كما قدم شومر برنامجاً إذاعياً لبضع سنوات حول البيئة والزراعة والبذور، كان يجري فيه مقابلات لمدة 30 دقيقة استضاف فيها مجموعة متنوعة ممن لهم صلة بتلك المجالات. ومنذ عام 1992، امتلك وأدار شركة Inside Passage Seeds، وهي شركة متخصصة لخدمة البذور، تركز عملها على النباتات الطبيعية المتوطنة في المنطقة الساحلية .

والتي يطلق عليها اسم الممر الداخلي وهو الاسم الذي يطلق على الممرات الساحلية – المحمية بين بوجيه ساوند في ولاية واشنطن جنوبا حتى مضيق آلاسكا الجليدي شمالا ومنه جاء اسم – الشركة. وفضلا عن البذور، فقد قامت الشركة بتوفير المادة العلمية وتعليم المهارات وتقديم الخدمات التي تعزز الاستخدام الحكيم لهذه الأنواع من البذور.

أما علاقة شومر بالزراعة الروحية فلها قصة طويلة، تعود إلى تضمين الزراعة Ziraat في إطار تقاليد الطريقة العناياتة الصوفية على مدى عقود، منذ إنشائها عام 1926، حيث امتزج تفاني عنايت خان مؤسس الطريقة وحبه العميق للطبيعة مع تقاليد النسب الصوفي، حيث قدم الزراعة لطلابه قبل أن تصبح موضوعا متعلقا بالاستدامة العالمية على كوكبنا، حيث مهد تفانيه للطبيعة التي اعتبرها كتاب الله المقدس الطريق لأولئك الذين يرثون تعاليمه.

ومع مرور الزمن، تطورت الزراعة في إطار التصوف من المعنى الروحي لـ “زراعة التطور الروحي” إلى الاهتمام العملي الأساسي الملزم لاستمرارية الكوكب، والتي يعتمد عليها استدامة جميع المسارات الداخلية والخارجية للإنسان. وفي إطار تعاليم حضرة عنايت خان أصبحت الزراعة وصفة للاستدامة وعلاقة تجدد مع الطبيعة.

وفي فترة ما من هذا المسار أصبح فورست شومر وعلى مدى عشرين عاما منسقا لنشاطات الزراعة في “روحانيات الصوفية العالمية Sufi Ruhaniat International “، وذلك بعد أن تتلمذ على يد معين الدين جابلونسكي، في طريقته “عمل الروح Soulwork “.

وخلال عمل شومر كمنسق لروحانيات الصوفية العالمية أشرف على إصدار سفر مرجعي هام في “الزراعة Ziraat ” والذي يعرف بأوراق الزراعة أو قارئ الزراعة Ziraat Papers or Ziraat Reader في جزئين، والسفر هو مجموعة مختارات قام بتجميعها، وهو مستند من 134 صفحة مليئ بالمواد والصور الفوتوغرافية القيمة، ويضم الأدعية والممارسات، وورقات الزراعة، والمقالات، والتعليقات، والإلهامات، والأعمال المكتوبة من قبل عنايت خان، ومريديه، وهو مصمم بنية نشر الزراعة Ziraat بين الأسرة الروحية الكبرى.

وكما يشير موقع روحانيات الصوفية العالمية، في تقديمه لهذا السفر، فإن الزراعة Ziraat تعني أن يعقد الصوفيون في قلوبهم الانسجام والاستدامة والتوازن ل كوكب الأرض بأسره وأن يدمجوا هذا الوعي بنشاط في حياتهم اليومية بأي طريقة، فهم مدعوون للقيام بذلك.

فكما يشير التقديم : “من الضروري أن يواجه الصوفية في القرن الواحد والعشرين التحدي البيئي المتمثل في الحفاظ على بيئة تكون فيها الأرض والهواء والماء والنار مصادر لرفاهنا، فالبيئة الصحية تدعم الجسم والعقل السليم، وهما أساس ممارستنا.

وفي الوقت نفسه، فإن الحفاظ على حديقة الأرض هو هدية لجميع المخلوقات وشبكة الحياة المترابطة. فعندما نقول “نحو الواحد” نتعهد بأن نكون جميعًا شاملين لجميع الكائنات، الزراعة إذا في نظرنا ليست اختيارية، ولكنها مرادفة للوحدانية Oneness التي نتحرك نحوها.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى