نابغون

خُلد اسمه إلى جانب “توماس اديسون”.. “نيكولا تيسلا” العبقري الذي تنبأ بتكنولوجيا الهواتف الذكية

“نيكولا تيسلا”, هو العبقري.. الرائد.. صاحب أول محرك كهربائي يعمل بالتيار المتردد، ومخترع الراديو، وأول من بث إشارات تلفزيونية، وخلق زلزالًا فعليا هز أنحاء مانهاتن، اشتهر بإسهاماته في تصميم نظام التيار المتردد الرئيسي. وطور فكرة تقنية الهواتف الذكية في عام 1901. اكتسب “تسلا” خبرة في التهاتف والهندسة الكهربائية قبل هجرته إلى الولايات المتحدة عام 1884م للعمل لدى توماس إديسون في مدينة نيويورك. سرعان ما انفصل تسلا عن إديسون وأسس معامله وشركاته لتطوير عدد من الأجهزة الكهربائية.

اشترى جورج ويستينغهاوس حقوق استغلال براءة اختراع تسلا للمحرك الحثي والمُحوّل، كما عيّنه ويستينغهاوس لفترة قصيرة مستشارًا له. كان عمل تسلا لسنوات لتطوير الطاقة الكهربائية جزء من “حرب التيارات” بين أنصار التيار المتردد والتيار المستمر، وكذلك حرب البراءات. وفي سنة 1891م، حصل تسلا على المواطنة الأمريكية.

عرف بأنه هو الذي ابتكر التيار الكهربائي المتناوب والتي تعتمد عليه معظم المحركات الكهربائية في عصرنا الحالي، كما أنه هو الذي اخترع الدينامو لتوليد الكهرباء من الحركة الميكانيكية والذي لا غنى للسيارات عنه. هذا العالم المغمور نسبياً الذي قال التاريخ فيه كلمته، والذي عُرِفَ بسبب مساهماته الثورية في مجال الكهرومغناطيسية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، يعتبره العلماء بالفعل أنه “أبو الفيزياء” وأطلق عليه لقب “الرجل الذي اخترع القرن العشرين”.

والمؤرخون يعتبرون التقدم العلمي قد مر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي ظهور الآلات البخارية، و المرحلة الثانية هي اكتشاف الكهرباء، والمرحلة الثالثة هي ظهور النظرية الالكترونية المادية. ولهذا تجاوزت سمعة تيسلا سمعة أي مخترع أو عالم آخر في تاريخ أمريكا، لكن أفكاره غير القابلة للتصديق في ذلك الوقت أدّت إلى نبذه واتهامه بالجنون، وعدم حصوله على حقوقه الكاملة في تاريخ الابتكار والاختراع. ولكن مؤخراً أنصف التاريخ “تسيلا”، وحملت أسرع سيارة كهربائية في العالم اسمه، وغيرت شركة جوجل شعارها في يوم ميلاده تقديراً لجهوده في مجال الابتكار والاختراع.

لا يكل ولا يمل

ولد “نيكولا تيسلا” لأبوين صربيين في قرية سميلجان في كرواتيا في العاشر من يوليو عام 1856، ويعد من أهم المخترعين والفيزيائيين والمهندسين على مدار التاريخ الحديث. وتعلم “تيسلا” في مدرسة “البوليتيكنيك” في “غراز” ثم في جامعة “براغ” ثم عمل كمهندس هواتف في “براغ” و”باريس”.

وفي بداية حياته العملية ابتكر “تيسلا” نوعاً جديداً من المحركات بدون عاكس للتيار كتيار مباشر. وقد كانت المحركات تعمل على مبدأ دوران حقل مغناطيسي تنتجه تيارات تناوب ذات مراحل متعددة، وهو الطراز أو النموذج الأصلي للمحرك الكهربائي الذي يعمل على التيار المتناوب.

وكان هذا الشاب المبدع عالماً لامعاً وباحثاً لا يكلّ ولا يملّ.  وفي عام 1883 تقدم للعمل بالفرع الأوروبي التابع لشركة “أديسون”، وتدخل “شارلس باشيلور” لإقناع الشاب بالسفر والتقاء “توماس أديسون” شخصياً، وهو ما حصل بالفعل، وقام بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1884م.

كان أديسون مقتنعاً بالكهرباء المتصلة، أما هذا الشاب فكان ينتقد المولدات الكهربية الموجودة، وزعم أنه يمكن بناء مولدات للطاقة الكهربية تنتج التوتر المتناوب للكهرباء. وذهب إلى “أديسون” يوماً يشرح له الفكرة، ففرح بها، وقال له: ابدأ مشروعك ولك مني مكافأة 50 ألف دولار؟! وللأسف صدق “تيسلا” الوعد، وكان يعمل يوميا 18 ساعة سبعة أيام في الأسبوع. وبعد مرور سنة جاءه فرحاً وقد وصل لهدفه و طلب المكافأة الموعودة؟ ضحك أديسون و قال له: أنتم لم تفهموا بعد المجتمع الرأسمالي وروح الدعابة؟ ولم يعطه شيئاً، بل زاد له راتبه زيادة طفيفة، وقال “أديسون”: “في عالم التجارة والمال و الصناعة الكل يسرق الكل، وأنا شخصياً سرقت الكثير، و أعرف كيف يسرق المرء جيداً”.

ترك “تيسلا” عمله محبطاً عند “أديسون”، وأسس مختبره الخاص ثم توالت ابتكاراته التي حصل بها على براءات اختراعات للمبتكرات التالية: موتورات متعددة المراحل، مولدات كهرباء، محولات كهرباء لأنظمة التيار المتناوب. ومن ثمّ تعرف على “جورج ويستينجهاوس” الذي اشترى منه براءات اختراع الموتور متعدد المراحل مقابل مليون دولار إضافة إلى حقوق الاختراع.

ودخل “تيسلا” في مواجهة مباشرة مع “توماس أديسون” حيث كان كل منهما يدافع بشراسة عن ابتكاره في مجال الكهرباء فبينما كان “أديسون” يحاول اقناع الناس بجدارة وكفاية التيار الكهربي المباشر كان تيسلا يبرز أوجه التفوق في التيار الذي ابتكره واسماه التيار المتناوب، وقد نجح “تيسلا” في النهاية في جعل التيار المتناوب مقبولاً و معتمداً كنظام للطاقة الكهربائية على مستوى العالم.

ثم قام “تيسلا” بالتعاون مع “ويستنجهاوس” بإنارة معرض “شيكاغو” الدولي، وبنى مولّد شلالات “نياجرا” للطاقة الهيدروكهربائية، وشيد أنظمة تيار متناوب في مناجم “كولورادو” للفضة وغيرها من الصناعات.

ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ارتفع “تيسلا” إلى مقام المشاهير بالمقارنة مع انتشار “أديسون”، وقد استطاع اختراع وتطوير أدوات كهربائية بناء على الإمكانيات الهائلة للتيار المتناوب والتيار العالي التردد، فابتكر الراديو، الإنارة عالية التردد، الأشعة السينية، بالإضافة إلى وسائل العلاج بالكهرباء. وقد استطاع أثناء إجراءه التجارب الخاصة في مخبره في “مانهاتن” اختراع و تطوير أدوات كهربائية بناء على الإمكانيات الهائلة للتيار المتناوب والتيار العالي التردد، إضافة إلى الراديو، الإنارة عالية التردد، الأشعة السينية، ووسائل العلاج بالكهرباء.

وبعد أن عانى من احتراق مخبره قام بإعادة بناءه واستمر في إجراء تجاربه ثم نقل مخبره إلى “كولورادو سبرينجز” فى عام 1899م. وقد بنى جهاز إرسال ضخم مكبر، كما أجرى التجارب في مجال الطاقة الكهربائية اللاسلكية، والراديو والرنين الأرضي. ثم درس البرق واستطاع بعدها صنع البرق الصناعي. ولما وصل إلى اختراع التيار المتناوب، تقدم إلى براءة الاختراع؛ و أقنعه “بيربونت مورجان” بعد نيله براءة الاختراع، بالتخلي عنها له، مقابل 216 ألف دولار، وبالرغم من أنه مبلغ كبير في تلك الأيام، لكنه لا يعتد بما قبض بيربونت من 12 مليون دولار!

 ثم عاد إلى نيويورك بتشجيع من “بيربونت” وقام بتطوير نظام عالمي للبث الإذاعي للطاقة الكهربائية باستخدام أجهزة إرسال مكبرة وبنى برجا ضخما لتقوية الإرسال في “واردينكليف لونج آيلند” باعتبارها أول محطة في النظام الكهربائي العالمي الجديد. وبعد أن استلم ما يكفي من “بيربونت” لإخراج المحطة إلى الوجود وإكمالها، توقف التمويل فجأة وانهار المشروع تماماً.

استمر في الاختراع حتى العشرينات من القرن الماضي، لكن ابتكاراته الجديدة كانت قليلة الأهمية بالمقارنة مع الاختراعات الأولى التي كانت كالسيل الجارف والتي بلغت 700 اختراع على مستوى العالم كله. وقد تنبأ تيسلا بالمايكروويف، وتقنيات حزمة الأشعة، والتلفزيون ومحرك يعمل على الأشعة الكونية، والاتصالات بين الكواكب، وأدوات التداخل الموجي والتي دعيت باسمه منذ ذلك الوقت. في الثلاثينيات من القرن العشرين شارك في مشاريع الطاقة اللاسلكية في كويبيك. بعيداً عن أعماله في الكهرومغناطيسية والهندسة.

 وبعيداً عن أعماله في الكهرومغناطيسية و الهندسة ساهم تيسلا في تقدم الانسان الآلي والتحكم عن بعد والرادار وحتى علوم الكمبيوتر والتمدد البالستي والفيزياء النووية والفيزياء النظرية. وفي عام 1943 صدقت المحكمة العليا في أمريكا على أن تسيلا هو مخترع الراديو.

تيسلا وتكنولوجيا الهواتف الذكية

في عام 1926 وخلال مقابلة مع مجلة Collier الأمريكية “تأسست عام 1888” وصف العالم الأسطوري “نيكولا تيسلا” قطعة تكنولوجية بأنها ستحدث ثورة في يوم من الأيام، ومما قاله في هذه المقابلة:

“عندما يتم تطوير تكنولوجيا الاتصال اللاسلكي بصورة كاملة، سوف نكون قادرين على أن نتواصل مع بعضنا البعض مباشرة بغض النظر عن بعد المسافات، ليس هذا فقط، بل ومن خلال التلفاز والهاتف سوف نكون قادرين على رؤية وسماع بعضنا البعض كما لو أننا نتحدث معاً وجهاً لوجه، حتى لو كانت المسافة الفاصلة بيننا آلاف الأميال، والجهاز الذي سنستخدمه للقيام بهذه الاشياء سيكون مثيرا للدهشة بالمقارنة مع هواتفنا اليوم، وسيأتي يوم ويستطيع أي انسان أن يحمل الهاتف في جيبه”

وبما أن تيسلا لم يطلق اسم الهاتف الذكي على هذا الجهاز إلا أن توقعاته نافذه!! حيث مرت صناعة الهواتف بمراحل، و تطورت شيئا فشيئا، وحدث تنافس بين الشركات على مر السنين حتى وصلت الهواتف إلى شكلها الحالي وأصبحت جزءا من حياتنا نعتمد عليها في كل شيء.

رفض جائزة نوبل !

قررت الأكاديمية السويدية للعلوم عام 1916 منح “توماس أديسون” و”نيكولا تيسلا” جائزة نوبل للفيزياء مناصفةً لجهودهما في مجال الفيزياء التجريبية لكن “أديسون” رفض تقاسم الجائزة مع “تيسلا”، كما رفض “تيسلا” مشاطرة الجائزة مع أديسون فحجبت عنهما معاً.

وقد كان آخر حضور له في مؤتمر صحفي في عام 1940. بعدها أغلقت وسائل الإعلام أبوابها في وجهه باستثناء المؤتمرات الصحفية التي كانت تجرى في عيد ميلاده. عاش بعدها تيسلا محبطاً ومات فقيراً في شيخوخته، وهو يقول: “إن عالم القوة محكوم بديناميكية الغابة، فالغربان و الضباع تنتظر من يأتي بالفريسة، فلا تتعب نفسها كثيراً، و لا تبذل طاقة، و لا تضيع وقتاً في مطاردة الفريسة، مع ذلك فهي موجودة و تستفيد من تعب الآخرين، فهكذا هي الحياة في جانب منها”.

لم يكن تيسلا يهتم بالمال، و توفي فقيراً عن عمر ناهز 87 عاماً في غرفة في فندق في “نيويورك”. وقد تم حجز الكثير من الأوراق الخاصة به بما فيها نسخ من ملاحظات مخبرية من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لتظهر بعد عدة سنوات في “متحف تيسلا” في بلجراد بيوغوسلافيا، و لم ينشر المتحف من هذه الملاحظات سوى مقتطفات بعنوان “ملاحظات ينابيع كولورادو”.

الباحثون المعاصرون لتيسلا عدّوه “مخترع القرن العشرين”والقديس شفيع الكهرباء الحديثة. وخلّد اسم “تيسلا” الى جانب اسم “اديسون” حيث أطلق اسم العالمين الكبيرين على معلمين مهمين من معالم جغرافية القمر.

ومن أقواله الشهيرة:

– ” آخر 29 يوماً من الشهر هي الأصعب !”.

– ” فضائلنا و عيوبنا لا ينفصلان، مثل القوة و الضعف “.

– ” لا أعتقد أن هناك أي شعور يخالج قلب الإنسان يمكن أن يماثل شعور المخترع بعد أن تتحول أفكاره بنجاح إلى واقع، هذه المشاعر تنسيه الطعام والنوم والأصدقاء والحب وكل شيء “.

– “نيكولا تيسلا” المخترع العبقري غريب الأطوار.

دكتور/ طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد/كلية العلوم والآداب – جامعة الباحة

المصادر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى