منوعات

برنامج الإثراء الشتوي (ويب2022).. يناقش بناء المستقبل الأخضر والسياحة المتجددة في المملكة العربية السعودية

انطلقت مؤخراً في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) فعاليات برنامج الإثراء الشتوي “ويب” ٢٠٢٢, تحت شعار: “المرونة”. وكان المتحدث الرئيسي في ليلة الافتتاح شخصية متميزة ومناسبة لتمثيل هذا الموضوع هو الخبير الاقتصادي الشهير عالمياً ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، البروفيسور “جيفري زاكس”. والذي ناشد في كلمته بالحاجة لإنهاء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول منتصف القرن الحالي. كما تحدث أيضاً, في “ويب” 2022 “جون باغانو”، الرئيس التنفيذي لشركة البحر الأحمر للتطوير وشركة أمالا.

تسخير العلوم والتقنية

وفي معرض حديثه عن سبب أهمية موضوع “المرونة” في الوقت الحالي حيث يواجه العالم اضطرابات متعددة من التدهور البيئي إلى جائحة فيروس كورونا، قال جيفري زاكس: “إن الموضوع الذي تدعو له كاوست والمتمثل في تسخير العلوم والتقنية للتأثير في هذه التحديات الهائلة التي نوجهها اليوم ليس حاسماً فحسب، بل وضروري جداً “.

وأشار زاكس الى الأهمية المركزية للتعاون بين جميع المنظمات والمؤسسات العالمية لمواجهة تلك التحديات خصوصاً في العشرين إلى الثلاثين عامًا القادمة لإنقاذ كوكبنا من آثارنا المدمرة عليه، وفي مقدمتها معالجة الانبعاثات الهائلة لغازات الاحتباس الحراري والتي تتزايد بشكل مقلق وتؤثر بقوة على ظاهرة تغير المناخ. ويوضح زاكس: “نحتاج لإنهاء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل أساسي بحلول منتصف القرن. وهذا يعني إزالة الكربون من نظام الطاقة والاقتصاد العالمي. فلا يمكن لأي جزء من العالم أن يحقق هذا التغيير بمفرده”.

التكّيف مع تغير المناخ

أحد الأسئلة الكبيرة التي أشار إليها البروفيسور زاكس هو كيف يمكن للعالم أن يتكيف بشكل أكثر فاعلية مع تغير المناخ؟ حيث حذر من أن “هناك الكثير من الاحترار الكامن والقادم في أنظمة الأرض”. ويجب علينا أن نتكيف مع هذه الحقيقة وأن نسارع بطرح حلول علمية وتكنولوجية ناجعة لتنويع مزيج الطاقة لدينا داخل المملكة العربية السعودية والمنطقة والعالم للوصول إلى طموح “صفرية الانبعاثات” بحلول منتصف القرن.

الحد من الاستخدام المستمر للهيدروكربونات

من الواضح أن الحل يكمن في مصادر الطاقة المتجددة أو الخالية من الكربون، والحد من الاستخدام المستمر للهيدروكربونات، وتطوير تقنيات عزل الكربون وتخزينه. ولا شك أن كاوست لديها اسهامات ومشاريع بحثية متميزة للرد على هذه التحديات العلمية والجيولوجية في المملكة خصوصاً تلك المتعلقة بعزل وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون على نطاق واسع في المنطقة، فضلاً عن مبادرة الكربون الدائري في الجامعة التي تعتبر من الدوافع القوية للبحث والابتكار في كاوست لتطوير ونشر حلول تكنولوجية جديدة تدعم منصة الاقتصاد الكربوني الدائري (CCE).

يقول زاكس: “إن لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية والمملكة العربية السعودية دورًا عالميًا بناءً في إيجاد حلول لعزل الكربون بسرعة، وبناء نظام طاقة عالمي مترابط، يكون قاعدة الانطلاق لمواجهة تحديات التكيف- مع ظاهرة تغير المناخ والظواهر البيئة الأخرى، إنها بلا شك مسؤولية ضخمة وفريدة من نوعها لا تقوم بها الا الجامعات العظيمة في العالم”.

البروفيسور “جيفري زاكس”

مستقبل اقتصاد الهيدروجين

وعلى المستوى الحكومي، تعمل مبادرة السعودية الخضراء على تعزيز ودعم التعاون المبتكر عبر القطاعات المختلفة في المملكة لحماية البيئة، والمساهمة في مبادرات تحول الطاقة، وإنشاء برامج الاستدامة لتحقيق الهدف الأسمى والمتمثل ببناء مستقبل أخضر في المنطقة والعالم.

وأحد السبل الرئيسية نحو مستقبل أخضر خالٍ من الكربون هو تطوير اقتصاد الهيدروجين. كما أوضح زاكس في حديثه، هناك نسختان رئيسيتان من الهيدروجين المستدام من حيث المبدأ: الهيدروجين الأخضر – المنتج بواسطة الطاقة الشمسية أو الطاقة الخالية من الكربون، والهيدروجين الأزرق – المنتج بواسطة الهيدروكربونات، بشرط أن يكون هناك عزل وتخزين شامل للكربون المنتج على نطاق واسع.

جون باغانو

السياحة المتجددة

من جانبه ألقى جون باغانو، الرئيس التنفيذي لشركة “أمالا” وشركة البحر الأحمر للتطوير في المملكة العربية السعودية، كلمة رئيسية متميزة في برنامج الإثراء الشتوي (ويب) ٢٠٢٢ في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، بعنوان “تطوير السياحة المتجددة: الاستخدام الأمثل بالعلم”، سلط الضوء خلالها على الأساليب المستدامة الجديدة والمبتكرة في السياحية.

وأشار باغانو إلى أن مشروع (أمالا) ومشروع (البحر الأحمر) هما أكثر المشاريع التجديدية طموحًا في العالم اليوم، من خلال تسخيرها لعقول العلماء والمهندسين لابتكار تقنيات جديدة يمكنها مواجهة تحديات الأمن الغذائي والطاقة، وخلق صناعات ووظائف جديدة في المملكة، فضلاً عن اعتمادها لطرق جديدة في التشييد والبناء والهندسة.

مفهوم “المرونة”

يقول باغانو: “المرونة هي القدرة على التعافي من الشدائد، وينطبق هذا المفهوم على كل من البيئة والمجتمع أيضًا”. وأشار إلى مرونة مرجان البحر الأحمر وقدرته على الصمود والبقاء على قيد الحياة في درجات حرارة وملوحة مرتفعة.

كما تحدث باغانو عن دور شركة البحر الأحمر للتطوير في حماية المرجان والجهود التي تبذلها في هذه البيئة البحرية الغنية بالشعاب المرجانية على ساحل البحر الأحمر والتي يمكن أن تكون مفتاحاً لحماية النظم البيئية الحيوية الاخرى في جميع أنحاء العالم.

التنمية المستدامة

شرح باغانو أنهم في مشروع البحر الأحمر وضعوا مفهوم الاستدامة أساساً في كل قرار تم اتخاذه منذ المراحل الأولى للمشروع، حيث قاموا بعمل بحوث مكثفة حول النظام البيئي في المنطقة، كما أجروا واحدة من أكثر عمليات محاكاة التخطيط المكاني البحري شمولاً في العالم بالشراكة مع كاوست، وكانت النتائج مفيدة جداً خصوصاً في تعريفهم بالموائل والمخلوقات التي تعيش هناك، بما في ذلك الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض. واستطاعوا عبر هذا البحوث التوصل إلى التعداد المثالي للضيوف الذين يمكن استقبالهم سنويًا (بنحو مليون زائر).

كما قرر مشروع البحر الأحمر ترك ٧٥٪ من الجزر دون أن تدخل أو مشاريع تطويرية وتخصيص تسع مناطق كمحميات على هذه الجزر. وأنهم سيقومون بتطوير ١٪ فقط من هذه الجزر.

ويكمن التحدي الأكبر لمشروع البحر الأحمر في حماية البيئة البحرية وعدم التأثير عليها بواسطة مشاريع التطوير. لذلك قرر القائمون على المشروع إعطاء الأولوية لحماية البيئة على سرعة انجاز المشاريع، وهو ما أكده باغانو بقوله: “يعمل فريق التطوير لدينا جنب لجنب مع علماء البحار، كما نعمل مع كاوست أيضًا لضمان تقدم مشاريعنا بأمان”.

السياسات والتقنيات المبتكرة

كانت كمية الانبعاثات العالمية من غازات الاحتباس الحراري من قطاع السياحة فقط قبل الجائحة عند معدل ٥٪ وستنمو بنسبة ٢٥٪ أخرى بحلول عام ٢٠٣٠. لهذا سيتم اعتماد الطاقة المتجددة بالكامل في مشروع البحر الأحمر وأمالا، مما يحد من مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

وستشمل تقنيات التصنيع البناء خارج الموقع وشحن الوحدات الجاهزة. وهذا يقلل من التأثير البشري في الموقع. علاوة على ذلك، يجب استخدام ابتكارات جديدة لتحسين البيئة، بما في ذلك استخدام العديد من أجهزة الاستشعار لمراقبة النظم البيئية في المنطقة – بحيث يمكن اتخاذ الإجراء المناسب عند اكتشاف أي تغير في البيئة. وسيتم أيضًا اعتماد سياسة تصفير الهدر في مكب النفايات، عن طريق إعادة التدوير وإعادة الاستخدام ان أمكن. وفي حال تعذر ذلك يتم حرق المواد واستخدام الرماد في مكب النفايات. كما سيتم أيضًا معالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في المسطحات الطبيعية التجميلية، وإنتاج الأسمدة التي ستستخدمها المشاتل المعنية برعاية هذه المسطحات.

الطاقة والأمن الغذائي

يتم تشغيل مشروع البحر الأحمر بالطاقة المتجددة خارج الشبكة الكهربائية التقليدية على مدار ٢٤ ساعة في اليوم، وذلك باستخدام أكبر منشأة لتخزين البطاريات في العالم بقدرة ١٠٠٠ ميغاوات / ساعة.

ولمعالجة الأمن الغذائي، يتم تعليم المزارعين المحليين تقنيات الزراعة المستدامة. كما تشارك شركة مزارع البحر الأحمر في التنمية لبناء مزارع داخلية باستخدام مياه البحر لتبريد المستنبتات الزجاجية ولزراعة المحاصيل، مما يوفر ٣٠٠ لترًا من المياه العذبة لكل كيلوغرام من الطعام – وهو توفير بنسبة ٩٥٪ مقارنة بطرق إنتاج الغذاء الأخرى. علاوة على ذلك، سيتم اعتماد الزراعة العمودية (الزراعة في طبقات مكدسة رأسيًا) والتي أظهرت تفوقها في انتاج محاصيل وغلات رائعة في مساحات صغيرة، ويتم أيضاً تفعيل مبادرات تجميع مياه الأمطار.

يتم إنتاج مياه الشرب المعبأة المستدامة من ضوء الشمس والهواء باستخدام الألواح المائية التي تجمع البخار من الهواء وتكثفه ثم تحوله لمياه شرب تقدم للمستهلك في قوارير زجاجية.

تحقيق الأهداف الاقتصادية وحماية البيئة

يذكر أن المملكة تهدف لرفع الناتج المحلي الإجمالي لإيرادات السياحة من ٣٪ إلى ١٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠. ومن المتوقع أن ينتج مشروع البحر الأحمر وأمالا ١٠ مليار ريال سنويًا لاقتصاد المملكة ويخلقان ٦٠ ألف فرصة عمل مباشرة و٦٠ ألفًا أخرى غير مباشرة. وختم باغانو كلمته قائلاً: “نحن عازمون على حماية البيئة والنظام البيئي، وتنمية الاقتصاد ودعم البنية التحتية المجتمعية في المملكة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى