نابغون

(الجزري).. ساهم فى إنجازات علمية سابقة لعصرها.. والأب الحقيقى للروبوتات

نبغ العالم المسلم, بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز المعروف بـ “الجزري”, في علوم الميكانيكا والهندسة، وكان كبير مهندسي البلاط الملكي لحكام ديار بكر من بني ارتق لمدة خمسة وعشرين سنة. قال عنه المؤرخ الشهير “جورج سارتون” في موسوعته تاريخ العلم: “الجزري مهندس وصانع نشيط يدخل في التفاصيل الدقيقة للميكانيك وأهميتها لا تقدر بثمن، في تاريخ الهندسة في العالم”. ساهم العالم المسلم, الجزري فى إنجازات علمية سابقة لعصرها بقرون، كانت مقدمات وأساسيات للحضارة الإنسانية،

وقدم الجزري في كتابه (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعية الحيل)، شرحاً علمياً مزوداً بالرسوم التوضيحية لأكتشافاته غير المسبوقة، قدمها إلى الملك ناصر الدين محمود بن قرا، أحد سلاطين بني أرتق، كتبه سنة 1206م، وأنجزه خلال عمل دام خمسا وعشرين عاما من الدراسة والبحث .

ويُعد هذا الكتاب أروع ما كتب في القرون الوسطي من الآلات الميكانيكية والهيدروليكية، وعندما وصل الكتاب إلى أوربا، تمت ترجمته للغة الألمانية الإنجليزية وغيرها .

وقد أبهرت اختراعات الجزري المهندسين والمهتمين بالعلم، وأشاد علماء من الغرب بعقلية الجزري واعتبروه مهندسا عبقريا سبق عصره .

واثنى عليه الباحث الأنجليزي “دونالد هيل” بترجمة كتاب ابو الرزاز الجزري، إلى اللغة الانجليزية، وأوضح في دراسته عن مخطوط الكتاب بشروح الجزري في تركيب الآلات فقال: (لا نملك في عصر ثوة الصناعة الحديثة في أي وثبفة أو حضارة عالمية أفضل من أسلوب وشرح المهندس الجزري في تركيب الآلات، ويختلف عنا في الغرب العالم والكاتب عن بعضها، ولكن الجزري كان كاتبا وعالما وميكانيكيا، أصبحت لنا في العصر الحديث أساس للمحرك أي الموتور العامل على البخار، وكذلك في التحكم الآلي والميكانيكي) .

وقد شرح الجزر مخططات لمائة آلية ميكانيكية، وتوضيحات لكيفية صنع كل واحدة منها، وقام بتصنيف الالات في ستة فئات، حسب الاستخدام، وطريقة الصنع ،وكتب عن الساعات والفوارات المائية، والآلات الرافعة للمائ، والأثقال، وغير ذلك .

استخدم الجزري الماء المتدفق وسيلة لتشغيل آلاته واختراعاته، وهذا ما ساعد في اختراع عمود الكامات (عمود الحدبات) الذ يدور بضغط مكابس المحرك، فتتولد قوة دافعة للأمام، فتتحرك الأجزاء اتوماتيكيا كما يحدث في محرك السيارة .

وبعد مئتي عام، نقل الأوربيون اختراع الجزري حتى توصلوا إلى اختراع المحرك، فبدأ عصر القطارات البخارية، والتي كانت العمود الفقري لعصر النهضة والثورة الصناعية الأوروبية، في القرون الوسطى .

وصمم الجزري مضخة بديعة ذات اسطوانتين متقابلتين تتصلان بأنابيب لسحب الماء، ودفعها لأعلى على ارتفاع اثني عشر متراً، واخترع آلية لتصريف المياه في المغاسل والحمامات، فاخترع حوضاً لغسل اليدين، وبجانبه آلة على شكل خادمة ،وعندما ينتهي المستخدم من غسل يديه، يقوم بسحب ذراع بجانب الحوض بماء نظيف، وهي الآلية المستخدمة في حماماتنا اليوم .

ساعات ادهشت العالم

وأما ساعة الفيل، فتعتبر من بدائع ما صنع الإنسان إلى اليوم، فهي ساعة على شكل فيل، تعمل عن طريق نظام ماء متدفع ،مخزن في بطن الفيل، الذي صنعه بطريقة بديعة، إذ قام الجزري بتزيينه بطريقة فنية مدهشة، عن طريق تقسيمه إلى ستة أجزاء، كل جزء يحمل عناصر ثقافة معينة، وهي: العربية، والفرعونية، والصينية، والهندية، والأفريقية، والأغريقية .

وأدهشت ساعة الفيل علماء الغرب الذين اعتبروها تحفة من تحف هذا الزمان، ومن أبرع ما اخترع الإنسان، وصورة متحضرة لما يطلق عليه الآن مفهوم تلاقي الحضارات، وصنعت نسخ عدة من هذه الساعة الأسطورية .

أول إنسان آلي

وذات مرة، طلب الملك من ابن الجزري اختراع آلة تغنيه عن الخدم كلما رغب في الوضوء للصلاة، فصنع آلة على هيأة غلام منتصب القامة وفي يده إبريق ماء ،وفي اليد الأخرى منشفة، وعلى عمامته يقف طائر، فإذا حان وقت الصلاة غرد الطائر !

ثم يتقدم الخادم  الآلي نحو سيده، ويصب الماء من الأبريق بمقدار معين، فإذا انتهي من وضوئه أقبل إليه هذا الغلام، ليقدم له المنشفة ثم يعود إلى مكانه ويغرد الطائر .

المستشرق مارك إي رتشمان

وصنع الجزري أول نسخة بدائية من الألعاب في صورة إنسان آلي (روبوت)، وتعمل بوظيفة مبرمجة لها مسبقاً، فقد صنع فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء، مؤلفة من شخصيات عدة، كل واحد منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة، وصنع هذه الآلة خصيصا لتسلية ضيوف البلاط الملكي في ديار بكر.

وأشاد بهذه الفرقة الموسيقية المدهشة المستشرق “مارك إي رتشمان” في كتابه (تاريخ تطور الإنسان الآلي ) قائلا: “على عكس الإغريق، فإن الأمثلة العربية للإنسان الآلي لا تعكس تطوراً مفصلياً في التصميم فحسب، بل تعكس توجها لاستخدام المواد المتاحة لراحة الإنسان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى