العالم يقرأ

الباحثة اللبنانية “سهى بعيون” تتناول “إسهام المرأة الأندلسية في النشاط العلمي في عصر ملوك الطوائف

يعتبر كتاب الباحثة اللبنانية الدكتورة “سهى بعيون”, (حاصلة على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية بجامعة بيروت الإسلامية). والمعنون بـ (إسهام المرأة الأندلسية في النشاط العلمي في الأندلس.. عصر ملوك الطوائف 422-479هـ/1031-1086م)، والصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت, دراسة رائدة حول إسهام المرأة الأندلسية في النهضة الثقافية في الأندلس ولا سيما في مجالي العلم والأدب، وفي عصرٍ كان خلفاء الأندلس وملوكها، وعامة الناس فيها تقريباً، مولعين بالعلوم والآداب، وقد درجوا على تشجيع كل عبقرية وتكريمها.

نوابغ العلم

توضح الباحثة الدكتورة سهى بعيون كيف بلغ العلم في عصر ملوك الطوائف أوج نشاطه وشهد ظهور نوابغ العلم، ليس على مستوى الأندلس فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي أيضاً، وكيف كان لتعدد المراكز الحضارية في عهد ملوك الطوائف، وتنافس الملوك على العلوم أثره في هذا الازدهار العلمي. وكيف انعكس هذا الازدهار الفكري والفني على المرأة العربية الأندلسية. وجعلها تحتل مكانة سامية يومئذ في المجتمع. وتشارك في مختلف مجالات الحياة الثقافية والعلمية، وتنجح فيها أيضا، (العلوم الدينية – الحركة الأدبية واللغوية – الطب والصيدلة وغيرها)، الأمر الذي جعل من ولع النساء الأندلسيات بهذه العلوم حدثاً تاريخياً ومعرفياً عظيما سجلته أقلام الكتاّب والمؤرخين كعلامة بارزة في نهضة الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس إلى اليوم.

وبينت الباحثة أن عهد ملوك الطوائف يبدأُ بسقوط الدولة الأموية في الأندلس وتفكّك الدولة إلى دويلات سياسية وطائفية متنازعة. وينتهي بدخولِ المرابطين من المغرب إلى الأندلس بقيادةِ يوسف بن تاشفين وانتصارِهم على الإسبان في معركة الزلاقة سنة 1086م. ويمتد هذا العصر من (422ـ 479ه‍/ 1031ـ 1086م).

تعدد المراكز الحضارية والازدهار العلمي

وتناولت الباحثة تنافس الملوك وتعدد المراكز الحضارية في عهد ملوك الطوائف وأثره في الازدهار العلمي، وبينت أنه كان من أثر ذلك التنافس بين ملوك الطوائف في تقريب النابغين من العلماء أن غلب على كل بلاط من بلاطات‍هم لون من ألوان العلم والأدب. فاجتذبوا العلماء إلى بلاطاتِهم وعملوا على تشجيعهم ورعايتهم، فكان لاهتمام ملوك الطوائف بالأدب والعلم وتشجيعهم للعلماء والأدباء أكبر الأثر في ازدهار الحركة العلمية والأدبية في هذا العصر.

كما تحدثت الباحثة عن المرأة الأندلسية، ثقافتها ومكانتها الاجتماعية، وبينت تمتع المرأة الأندلسية بمكانة عظيمة في المجتمع، فكانت انطلاقتها في المجتمع الأندلسي أوسع مما كانت عليه في البلدان العربية والإسلامية الأخرى. وتدخلت بعض هؤلاء النسوة في شئون الدولة، وساهمت في السلطة إلى جانب زوجها. كما ألقت الضوء على الجواري في المجتمع الأندلسي. حيث كثرت الجواري في بلاطات ملوك الطوائف، وكان هؤلاء الملوك يتنافسون في اقتناء الموهوبات منهن. وزادت العناية بتهذيبهن وثقافتهن، وكان لهن شهرة ذائعة في الأدب والشعر. ولقد كان نفوذ الجواري كبيرا جدا؛ لأنّهن تدخلن فعليا في الحكم.وكانت النساء في الأندلس أكثر تحرراً منهن في بقية البلدان الإسلامية. وكانت المرأة الأندلسية في عصر ملوك الطوائف أكثر تحرراً عن العصور السابقة. ولقد كان لبعض النساء منتديات أدبية يؤمها الرجال والنساء على حد سواء. وإن شعرهن دليلا على مستوى من التحرر الذي تمتعت به. وقد شاركت الرجل في عصر ملوك الطوائف في مجال التربية والتعليم. وشغفت النساء المثقفات كذلك بجمع الكتب وإنشاء المكتبات. وكانت للنساء الأندلسيات مشاركة في مختلف العلوم والفنون، وفي الأحداث الثقافية والفكرية لعصرهن.

وتناولت الدكتورة سهى بعيون إسهام المرأة الأندلسية في العلوم الدينية حيث وضحت أنه في  عصر ملوك الطوائف ازداد عدد النساء التي كانت لهن مشاركة في هذه العلوم. فقد أسهمن في ازدهار علم الفقه وتعليمه لبنات جنسهن. وكان لهن مشاركة في نشاط الدراسات المتعلقة بالحديث وعلومه، وفي ازدهار علم القراءات.

السيدات المتأدبات

وأشارت بعيون  إلى أنه في عصر ملوك الطوائف برزت أسماء سيدات متأدبات كن يترددن على المنتديات الأدبية. ولقد تحول بيوت بعضهن إلى أندية تجمع رجال الأدب والعلم، لرواية الشعر والأدب والأخبار.وقد حفل عصر ملوك الطوائف بالشاعرات وكان لكل دولة شاعرات‍ها التي اختصت بِها. ولقد أسهمت شاعرات الأندلس في دفع موكب الشعر أشواطا نحو الرقي والتقدم. وإنّ شعرهن يتراوح بين الجد والمحافظة وبين الانطلاق والتحرر.ولقد عالجت المرأة الأندلسية معظم الأغراض الشعرية، كالمدح، والهجاء، والغزل، ووصف الطبيعة.ولقد تفننت الشاعرة الأندلسية في وصف الطبيعة حتى فاقت زميلتها المشرقية. وقد اشتهر في هذا الغرض الشعري عدد من الشاعرات، كما برز بعض النساء في الأدب والكتابة.

العلوم الطبية

كما ألقت الباحثة الضوء على إسهام المرأة الأندلسية في العلوم الطبية، وبينت زيادة العناية بدراسة الطب والصيدلة في عصر ملوك الطوائف والعصور التي جاءت من بعده، وكانت للنساء الأندلسيات إسهام في هذا العلم، حتى أن نساء الملوك كن في غنى عن الأطباء بالطبيبات، لقد وجدت المرأة في الأندلس التشجيع والتقدير، والحافز على استكمال شخصيتها، فشاركت في النهضة الثقافية في عصرها. وتضافرت في عصر ملوك الطوائف جميع عناصر التشجيع لتحفيزها على العطاء، فازدادت مشاركتها في الثقافة والعلوم وأدى ذلك إلى ازدياد الازدهار العلمي في هذا العصر.

حول المؤلفة

الدكتورة سهى بعيون، كاتبة وباحثة لبنانية في التاريخ والحضارة الإسلامية، ولها مساهمات في إثراء المكتبة العربية بكتب عدة منها: إسهام العلماء المسلمين في الأندلس، ونظام القضاء في العهد الأموي، إشراقة أمل، نظام القضاء في العهد النبوي ، قضاء الخلفاء الراشدين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى