حلول مبتكرة

أشجار المنجروف ومكافحة تغير المناخ

أشجار المنجروف, هي اشجار البحر الأحمر، وتعرف بأسم القرم، والقندل، والشورا، وتعرف بأنها أكثر الأنظمة البيئية الساحلية إنتاجاً، حيث أنها تنمو بكثرة في مناطق  المد و الجزر ، ذات فروع وجذور، وتعتبر حضانات طبيعية، حيث تشهد تزاوجًا للعديد من الكائنات والطيور البحرية، كما تشكل مناطق المانجروف بيوتا للعديد من الكائنات المستوطنة والنادرة والمهددة بخطر الإنقراض والحيوانات المائية والبرية.

عاشت المنجروف على هذه الأرض وصمدت في أقسى الظروف البيئية لملايين السنين. ويرجع ذلك لقدرتها على العيش في المياه التي تصل لملوحة تتجاوز ١٠٠ مرة من تلك التي يمكن أن تتحملها النباتات الأخرى. كما تستطيع بذورها أن تطفو على سطح الماء لأشهر قبل أن تتجذر، وتستطيع بذرة واحدة منها أن تكون مستعمرة بأكملها وتنشيء نظام بيئي متكامل يوفر الغذاء والمأوى للعديد من الحيوانات، بما في ذلك الطيور وسرطان البحر والسحالي والروبيان والرخويات والقواقع والاسماك.

تزايد الاهتمام خلال العقود الماضية بأشجار المنجروف نظراً لدورها الكبير والمهم في مكافحة تغير المناخ، يقول د. محمد عمر، مدير حماية البيئة في قسم الصحة والسلامة والبيئة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست): “كاوست هي موطن لغابة من أشجار المنغروف تمتد لأكثر من ١١٠ هكتاراً وتضم محمية طبيعية خصصتها الجامعة. وعند مقارنتها بالغابات الأخرى في اليابسة، توفر جذور أشجار المنغروف المتشعبة فرصة كبيرة لعزل وتخزين الكربون في باطن الأرض”.

ويضيف البروفيسور كارلوس دوارتي، الأستاذ المتميز في كاوست أن غابات المانغروف تُصنف ضمن أكثر أحواض الكربون كثافة في المحيط الحيوي، حيث تحبس قدرًا أكبر من الكربون في تربتها مقارنة بالغابات الاستوائية. الا أنه عند تعرضها لأي اضطراب، يمكن أن ينبعث هذا الكربون الموجود في التربة على هيئة ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يحتم علينا حمايتها واستعادة الغابات المفقودة منها“.

جدير بالذكر، أنه يشار إلى أشجار المنجروف بأحواض الكربون الأزرق بسبب ارتباطها بالمناطق الساحلية، فكلمة “أزرق” مستوحاة من المياه، على عكس الكربون “الأخضر” المرتبط بالأشجار البرية على اليابسة.

د. محمد عمر ، مدير حماية البيئة في قسم الصحة والسلامة والبيئة في كاوست (في الوسط) والبروفيسور بيينغ هونغ (يمين) يتحدثون خلال إحدى فعاليات برنامج الإثراء الشتوي (ويب) لعام ٢٠٢٢ في محمية كاوست الطبيعة.

جهود دعم أشجار المنجروف في كاوست

الحفاظ على غابات المنجروف وتعزيزها هو جزء رئيسي من توجهات كاوست ورسالتها منذ افتتاحها، ويتجلى هذا في إحدى فعاليات برنامج الإثراء الشتوي (ويب ٢٠٢٢) حين تم تنظيم فاعلية لغرس أشجار المنغروف في محمية كاوست الطبيعة بهدف زيادة الوعي بالأثر البيئي السلبي لإنبعاثات الكربون المرتبطة بأنظمة النقل والسفر.

يقول البروفيسور بينغ هونغ، الأستاذ في كاوست ورئيس برنامج الأثراء الشتوي (ويب ٢٠٢٢):” يهدف برنامج (ويب) في كل عام لتقديم أنشطة وفعاليات لإثراء طلبتنا. وتشمل هذه الأنشطة استضافة متحدثين مشهورين عالميًا لزيارة حرم الجامعة من حول العالم. الأمر الذي يتسبب في زيادة بصمة الجامعة من ثاني أكسيد الكربون. خصوصاً اذا أخذنا في الاعتبار المسافة التي يقطعها جميع ضيوف ومتحدثي برنامج ويب والتي قدرها قسم الصحة والسلامة والبيئة في الجامعة لهذا العام بحوالي ٢٠٠,٠٠٠ كيلومتر“.

وبعد حساب انبعاثات الكربون من السفر لهذه المسافات الطويلة، قرر فريق (ويب) بالتعاون مع قسمي الصحة والسلامة والبيئة وإدارة المرافق (والبستنة) في الجامعة، بتنظيم فاعلية لزراعة أكثر من ٢٠٠ شجرة منغروف ليس فقط لتعويض هذه الانبعاثات، ولكن أيضًا لزيادة الوعي بقدرة هذه النباتات الرائعة على عزل الكربون وتخزينة.

ومن ناحية أخرى، كشفت جهود الحفاظ على غابات المنغروف في كاوست عن مدى السرعة والفعالية التي يمكن أن تتوسع بها مستعمرات المنغروف عند حفظها بشكل صحيح، يقول د. عمر: “نمت غابات المنغروف لدينا بنحو ٤٥ في المائة بين عامي ٢٠٠٥ و ٢٠٢٠، وهذا النمو الملحوظ هو مزيج من الاستعمار الطبيعي ، وجهود إعادة الزراعة ، وتدخل السياسات البيئية المؤثرة“.

مستقبل المنجروف

تمثل زراعة أشجار المنغروف ومشاريع ترميمها طريقة فعالة من حيث التكلفة لزيادة قدرتنا على عزل الكربون ، خاصة إذا تم التخطيط لها وتنفيذها بشكل صحيح ، كما هو الحال في كاوست، يقول هونغ: “إن زراعة أشجار المنغروف في هذه الحالة أكثر فائدة من زراعة الأشجار البرية ، والتي تتطلب الري بالمياه العذبة. فالمنغروف لا تحتاج للري لأنها تُزرع مباشرة في المناطق الساحلية للبحر”.

واليوم تتبنى العديد من المجتمعات والدول حول العالم جهود إحياء أشجار المنغروف كإجراء طبيعي فعال ومستدام لتخفيف بصماتها الكربونية. يقول دوارتي: “تعد أشجار المنغروف إحدى الطرق لتحقيق أهدافنا المتعلقة بتخفيف الكربون ، ليس فقط لأنها تعزل الكربون ، ولكن لأنها توفر فوائد ضخمة لحماية المناطق الساحلية، وتعزيز مصائد الأسماك. وعلى مدى العقد الماضي ، ازداد مستوى الوعي بالكربون الأزرق ، وتحديداً دور غابات المنغروف. ويجب أن يستمر هذا الوعي على مستوى صانعي السياسات والجمهورالعام لتعزيز المشاركة في استيعاب مشاريع حماية غابات المنغروف وتطويرها“.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى