جديد العلوم

أدق صورة للكون.. هكذا تفوق مقراب “جيمس ويب” على سلفه “هابل”

حققت الإنسانية اختراقاً علمياً هذا الاسبوع, بما نشرته وكالة ناسا الأمريكية من صور التلسكوب جيمس ويب, هذا انتصار كبير للعقل البشري وبشرى لمستقبل يرتاد فيه الإنسان الفضاء ويعمره.

وكالة ناسا تقول لنا: أن المنطقة التي تغطيها صورة تلسكوب “جيمس ويب” تشمل جزءا ضئيلا من الكون بحجم حبة رمال، ويظهر فيها آلاف البعرات، قصدي المجرات، التي تحوي بدورها مليارات النجوم، ثم تجد بعضهم مازال يكفر باللطيف الخبير!

عُرضت الصورة المذهلة التي التُقطَت بالأشعة تحت الحمراء، في إحاطة إعلامية بالبيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقامت الوكالة الأمريكية بعرض صور إضافية في اليوم التالي، التقطها التلسكوب الفضائي الذي جرى إطلاقه أواخر العام الماضي، وقد أظهر دقة عالية مقارنة بسلفه تلسكوب “هابل”.

كيف التُقطت الصورة الأولى؟

رغم أنّ الصورة الأولى لا تغطي سوى رقعة من السماء بحجم حبة الرمل التي يحملها شخص على مسافة ذراع، فإنها تفيض بالتفاصيل كما يقول الخبراء، بما في ذلك آلاف المجرات بعضها يظهر أمام أعيننا لأول مرة في التاريخ، بحسب بيانٍ نشر على موقع الوكالة الأمريكية.

في هذه الصورة التقط “جيمس ويب” الضوء القادم من أقدم الأجسام التي تشكّلت في مئات الملايين من السنين الأولى بعد الانفجار العظيم – إذ يبلغ عمر ضوء المجرات الواصل إلى التلسكوب أكثر من 13 مليار سنة- مستخدمًا قوة الانحناء التي مارستها عليه مجموعة ضخمة من المجرات الشابة.

أول صورة التقطها تلسكوب جيمس ويب  تكشف تفاصيل أجراما سماوية تبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية

التقطت الصورة بواسطة جهاز (NIRCam) الجهاز الرئيسي للتصوير على متن التلسكوب الفضائي، الذي يعمل في المجال الطيفي القريب من الأشعة تحت الحمراء.

وأنتج تلسكوب “جيمس ويب” اللقطة المركبة في حوالي 12 ساعة ونصف، وهي مدة وجيزة جدًا مقارنةً بتلسكوب “هابل” الذي يتطلّب عادة عدة أسابيع للقيام بمثل هذه المهام.

وتُعدّ الأشعة تحت الحمراء حاليا أفضل أداة لرصد المسافات البعيدة جدًا في الفضاء. ويتوقع العلماء أن يرى “جيمس ويب” أكثر مما كنا قادرين على الوصول إليه من قبل، ويأملون أن يكشف عن تفاصيل جديدة ومهمة حول كيفية بدء الكون.

ما الذي نراه في الصورة الأولى؟

تُظهر الصورة نجومًا لامعة جدا ينبثق منها شعاعا في ستة اتجاهات، هذه النجوم تنتمي لمجرتنا أي قريبة جدا منا، وليس لوجودها أهمية لأنها كانت في نفس اتجاه الضوء القادم من بعيد لا غير.

في وسط الصورة يظهر العنقود المجري SMACS 0723، وهو مجموعة من المجرات تبدو ذات ألوان فاتحة وأشكال بيضاوية، تقع على بعد حوالي 4.6 مليار سنة ضوئية، أي أن الضوء الواصل إلينا منها انطلق عندما بدأ كوكبنا في التشكّل. ويقع هذا العنقود داخل كوكبة السمكة الطائرة التي يمكن رؤيتها من نصف الكرة الجنوبي على الأرض. وقد سبق لتلسكوبات أخرى بما في ذلك تلسكوب هابل، إجراء مسوحات مختلفة لتلك المنطقة بحثًا عن مزيد من التفاصيل حول الماضي السحيق للكون.

تقدم هذه الصورة الجديدة تفاصيل غير مسبوقة للعنقود المجري SMACS الذي يلعب دور عدسة جاذبية مقربة تمكن من رؤية أجرام بعيدة جدًا تقع خلفه عند رصده من الأرض. ويحدث تأثير عدسة الجاذبية عندما يمر الضوء بجوار جسمٍ كوني ضخم، يكون له تأثير جاذبي قوي يسبب انحناء في الضوء المنبعث عن جسم غير مظلم خلفه. وبما أنّ الضوء ينحني في اتجاهات مختلفة حسب المسار الذي يسلكه حول الجسم المظلم، يمكن لتأثير عدسة الجاذبية أن ينتج صورًا متعددة للجسم الساطع الأصلي تتيح لنا رؤيته أو على الأقل الاستدلال على وجوده عن طريق استنتاج الجاذبية اللازمة لانحناء الضوء المرصود.

كيف يحدث تأثير عدسة الجاذبية؟

لهذا، تظهر في الصورة حول المركز، أهم جزء فيها وهي مجرات قديمة منحنية قليلًا بشكل أقواس حمراء – بفعل تأثير العدسة الجاذبية- حول العنقود المجري SMACS 0723. تقع هذه المجرات على مسافة تصل إلى حوالي 13.2 مليار سنة ضوئية أي بعد بضعة مئات الملايين من السنين فقط من نشأة الكون.

بحسب العلماء، هذه هي المرة الأولى التي يمكننا فيها أن نرى تفاصيل هذه المجرات الأولى، التي تشكّلت في كونٍ كان معظمه مظلمًا، ومليئًا بغاز الهيدروجين، وتأوي الأجيال الأولى من النجوم.

وعرضت وكالة ناسا يوم الثلاثاء في احتفال نظم في مركز “غودارد” لرحلات الفضاء بولاية ماريلاند، مجموعة من أربعة صور أخرى من الصور والبيانات التي حصل عليها تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي، تظهر قدرته غير المسبوقة على رؤية أعماق الفضاء والزمان.

وكما كان متوقعًا شملت الصور الجديدة مجمل الأهداف الخمسة الأولية التي وضعتها الوكالة وشركاؤها وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية مستقبلًا.

اكتشاف توقيع مميز للمياه على كوكب خارجي

ثاني الصور التي عرضتها ناسا تعلقت بالكشف عن آثار وجود المياه على كوكب عملاق يعرف باسم (Wasp-96 b) يبلغ حجمه نصف حجم كوكب المشتري، ويدور حول نجم يقع على بعد 1150 سنة ضوئية من الأرض. يدور هذا الكوكب في مدار قريب جدا من نجمه اللامع الذي يشبه الشمس، بحيث يتعذر رصده  كجسمٍ منفرد. لكن تلسكوب “جيمس ويب” تمكّن من الحصول على الطيف الضوئي المنعكس على الكوكب، وهو إنجازٌ مهم علميًا لأنه يمكن أن يكشف عن تكوين الغلاف الجوي للكوكب.

وتظهر دراسة الطيف الضوئي المنعكس على الكوكب التوقيع المميز للمياه، مع أدلة على وجود السحب والضباب في الغلاف الجوي المحيط بالكوكب الغازي العملاق. ووفقًا للعلماء فإنّ اكتشاف وجود جزيئاتٍ غازية محددة بناءً على انخفاضاتٍ طفيفة في سطوع الألوان الدقيقة للضوء، يعدّ الأكثر دقة من نوعه حتى الآن، مما يدلّ على قدرة “ويب” غير المسبوقة على تحليل الغلاف الجوي على بعد مئات السنين الضوئية.

سديم الحلقة الجنوبية

أما الصورة الثالثة فهي لسديم الحلقة الجنوبية المعروف باسم (NGC 3132). يقع هذا السديم على بعد حوالي 2000 سنة ضوئية، وهو عبارة عن سحابة غازية تحيط بنجم محتضر. التقطت كاميرتان على متن “ويب” أحدث صورة لهذا السديم الكوكبي، تظهر أنّ النجم الباهت في وسط هذا السديم كان يرسل حلقات من الغاز والغبار لآلاف السنين في جميع الاتجاهات، وقد كشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا للمرة الأولى أن هذا النجم مغطى بالغبار.

خماسية ستيفان كما صورها تلسكوب جيمس ويب (ناسا)

خماسية ستيفان

الصورة الرابعة كانت لخماسية ستيفان (Stephan’s Quintet)‏، وهي مجموعة من 5 مجرات يمكن أن تُرى بالعين المجردة في كوكبة الفرس الأعظم، تشكل أربعة منها عنقودًا يبعد حوالي 290 مليون سنة ضوئية. وقد سبق لتلسكوب “هابل” أن رصد هذا الخماسي، وستسمح الصورة الجديدة بإجراء مقارنة بين ما يرصده التلسكوبان الفضائيان في أطوال موجية مختلفة.

الصورة الخامسة كانت لسديم كارينا (Carina Nebula) وهو سديم مليء بالنجوم، من بينها النظام النجمي الفائق السطوع (Eta Carinae) .يقع على بعد حوالي 7500 سنة ضوئية من الأرض، داخل مجرتنا درب التبانة، ويمكن رؤيته من نصف الكرة الجنوبي. ويعتبر السديم حضانة نجمية، بأعمدتها الشاهقة التي تشمل “الجبل الغامض”، وهو قمة سديمية يبلغ ارتفاعها ثلاث سنوات ضوئية تم التقاطها في صورة مبدعة بواسطة هابل سابقا.

في الصورة الجديدة يمكن رؤية “المنحدرات الكونية” للسديم تقسم الصورة أفقيًا بواسطة خطٍ متموّج بين منظر سديم يمتد على طول الجزء السفلي وجزء علوي واضح نسبيا، ويتخلل الجزأين حقل نجمي، يُظهر عددا لا يُحصى من النجوم ذات الأحجام المتعددة.

يصف العلماء القدرات الواعدة لتلسكوب “جيمس ويب” بكونها تفتح نافذة ضخمة على الكون يمكن من خلالها رؤية التفاصيل الصغيرة، بعد أن كنا ننظر إليه من ثقب ضيق.

عن مقراب جيمس ويب الفضائي

مقراب جيمس ويب الفضائي أو تلسكوب جيمس ويب الفضائي (James Webb Space Telescope)‏ اختصاراً JWST، هو مرصد فضائي طُوِّر بشكل مباشر من قِبل ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية. من المخطط أن يَخلف تلسكوب هابل الفضائي في إطار مهمة فلاجشيب الخاصة بناسا في الفيزياء الفلكية.

سيوفر مقراب جيمس ويب، الذي تم إطلاقه في 25 ديسمبر 2021، دقة وحساسية محسَّنتان تفوقان تلسكوب هابل، كما انه سيخلف مقراب سبيتزر الفضائي الذي انتهت مدة خدمته في عام 2020. سيتموضع تلسكوب جيمس ويب الفضائي على بعد 5و1 مليون كيلومتر خلف الأرض والشمس في نقطة لاغرانج L2، وسوف يحوم حول تلك النقطة في مدار دائري ليقوم بالرصد.

وسيمكِّن مجموعة واسعة من التحقيقات في مجاليّ علم الفلك وعلم الكون، بما في ذلك رصد بعض الأحداث والأجرام الفلكية الأكثر بُعدًا في الكون، مثل تكوُّن المجرات الأولى، والتوصيف التفصيلي للأغلفة الجوية للكواكب خارج النظام الشمسي التي من المحتمَل أن تكون صالحة للحياة.

تتكون المرآة الأساسية لمقراب جيمس ويب، وهي عنصر التلسكوب البصري، من 18 قطعة من المرايا سداسية الأضلاع المصنوعة من البيريليوم المطلي بالذهب واللائي تتحد لتكوين مرآة قُطرها 6.5 مترًا (21 قدمًا)، وهي أكبر بكثير من مرآة هابل التي تبلغ 2.4 مترًا (7 أقدام و10 بوصات). وعلى عكس هابل، والذي يرصد الأطياف القريبة من الأشعة فوق البنفسجية، والمرئية، والقريبة من الأشعة تحت الحمراء (من 0.1 إلى 1 ميكرومتر)، سوف يرصد مقراب جيمس ويب في نطاق تردد أقل، من الضوء المرئي ذو الطول الموجي الطويل حتى منتصف الأشعة تحت الحمراء (من 0.6 إلى 28.3 ميكرومتر)، وهو ما سيسمح له برصد الأجرام ذات الانزياح الأحمر العالي والتي ستكون قديمة جدًا وبعيدة جدًا عنا، ولا يستطيع مقراب هابل الفضائي الرصد في ذلك الحيز من الأشعة تحت الحمراء ولا بد من إبقاء المقراب باردًا جدًا ليتمكن من الرصد بواسطة الأشعة تحت الحمراء دون تدَخّل خارجي، لذلك سيتم نشره في الفضاء بالقرب من نقطة لاجرانج الشمس-الأرضL2، وسيُبقي الدرع الشمسي الكبير المصنوع من السيليكون والكابتون المغلف بالألومنيوم درجة حرارة مرآته وأجهزته أقل من 50 كلفن.

تلسكوب جيمس ويب الفضائي لديه كتلة منتظَرة بنحو نصف كتلة تلسكوب هابل الفضائي، ولكن مرآته الأساسية، عاكس البيريليوم المطلي بالذهب بقُطر 6.5 مترًا (21 قدمًا) سوف تحتوي على مساحة تجميع أكبر بسِت مرات، 25.4 متر مربع (273 قدم2)، باستخدام 18 مرآة سداسية مع وجود تعتيم قدره 0.9 متر مربع (9.7 قدم2) لدعامات الدعم الثانوية.

تم تجهيز تلسكوب جيمس ويب بأجهزة قياس الأشعة تحت الحمراء القريبة، ولكنه يمكنه أيضًا رؤية الضوء المرئي البرتقالي والأحمر، بالإضافة لمنطقة منتصف الأشعة تحت الحمراء، وهذا يعتمد على الأجهزة المزود بها. التصميم يعطي أهمية خاصة لنطاق الأشعة القريبة إلى منتصف تحت الحمراء لثلاثة أسباب رئيسية:

الأجرام ذات الانزياح الأحمر العالي تتحول انبعاثاتها المرئية إلى الأشعة تحت الحمراء.

الأجرام الباردة مثل أقراص الحطام والكواكب تبعث بشكل أكبر في الأشعة تحت الحمراء.

هذا النطاق تصعب دراسته من الأرض بواسطة التلسكوبات الفضائية الموجودة مثل هابل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى