حلول مبتكرة

هكذا يساهم الذكاء الاصطناعي في جعل طاقة الرياح البحرية أكثر استدامة

يمكن أن تقلّل تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكلٍ ملحوظ من انبعاثات الكربون الناتجة عن طاقة الرياح البحرية لتكون أكثر استدامة.

شهد سوق طاقة الرياح البحرية العالمية بين عامي 2010 و 2018 نموًّا بنحو 30 %، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة (IEA). وتقود دول مثل الصين والدنمارك والمملكة المتحدة الطريق في هذا المجال، حتى أنّ رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” صرّح أنّ بلاده تعتزم لأن تكون “المملكة العربية السعودية لطاقة الرياح”. وبينما تعدّ مزارع الرياح مصدرًا مستدامًا للطاقة، إلّا أنها تحتاج إلى إدارةٍ ملائمة، لما لها من أثرٍ في تقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والحد من تداعيات التغيرات المناخية التي يعانيها كوكب الأرض اليوم.

إنّ الكابلات والقطع التي تدعم التوربينات، وتحمل الطاقة من محطات الرياح إلى البرّ تستدعي مراقبة وصيانة مستمرة. وبالنسبة لتوربينات الرياح البحرية، فإنّ إجراء هذا العمل يتطلّب تكلفةً تشغيلية عالية جدًا، حيث أنّ الشركات تقوم بإرسال سفنٍ كبيرة، وهذا يستهلك كمياتٍ ليست بالقليلة من الوقود، بالإضافة إلى أنّ طاقم هذا النوع من السفن قد يفوق الخمسين شخصًا من مهندسين، وغطاسين، وطهاة، وعمال نظافة وغيرهم. وطوال فترة عملها، يمكن أن تكون إحدى هذه السفن مسؤولة عمّا يصل إلى 275000 طن من انبعاثات الكربون.

وأمام هذه المعطيات، يمثّل الاستعانة بالتقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة البحرية فرصةً لتقليل التأثير السلبي على البيئة، وإحداث تطوّر لافتٍ في هذه الصناعة. ومن الأمثلة على ذلك نذكر المركبات التي تعمل تحت الماء، وتقنية تحدید الموقع والتخطیط التزامني والمعروفة اختصارًا بمصصلح “SLAM” والتي تسمح للروبوت باستقاء معلومات تتعلّق بالبیئة المحیطة لتمكينه من تقدير موقعه.

وتستخدم العديد من شركات الطاقة البحرية المركبات التي تعمل عن بعد تحت الماء (ROVs)، بهدف جمع بيانات الفيديو لفحص البنى التحتية، ويجري التحكّم بها من قبل طاقم على الأرض أو من سفينة قريبة عبر حبلٍ يضم كابلات الطاقة والاتصالات، بالإضافة إلى أجهزة استشعار مدمجة للفيديو مثل الكاميرا والأضواء، ونظام التعويم والسونار والأدوات الأخرى، ليتمّ بعدها مراجعة تلك البيانات بواسطة فريقٍ من البشر. أمّا المركبات ذاتية القيادة تحت الماء (AUVs) فهي تستطيع الحصول على المعلومات من خلال رسم خريطة وتخطيط لإطار البيئة التي تتواجد بها وذلك عن طريق استخدام مجموعة من الخوارزميات، لتقوم بعدها بتنفيذ مهمتها المطلوبة.

غير أنّ الأمر لا يخلو من التحدي، فالبيانات التي يتمّ جمعها من المركبات المائية التي تعمل عن بعد (ROVs) كبيرة جدًا بحيث لا يمكن نقلها عبر الأقمار الصناعية. وعادةً ما يتمّ تحليل عشرات أو حتى مئات الساعات من ملفات الفيديو بدقة 4K يدويًا من على متن السفن لتحديد المشكلات أو الأضرار المحتملة. وبالتالي، فهذا يستهلك الكثير من الوقت والجهد للكادر البشري. ولحلّ هذه المشكلة، يجري تقليل سعة الفيديو من خلال ضغط الفيديو على سحابة ثلاثية الأبعاد، مع صورٍ منفصلة وتشغيلها من خلال منصة سحابية ذات عرض نطاق ترددي منخفض، ما يساعد المسّاحين على تسريع العملية بشكلٍ كبير. كما يؤدي استخدام تحليل التعلم الآلي لتوفير المزيد من الوقت من خلال التعرّف على الميزات الرئيسية والتشوّهات وتصنيفها، ما يتيح للمشغّلين البشريين فحص العمل ببساطة وتأكيد النتائج، فضلًا عن أتمتة عملية قد تكون طويلة ومملّة.

وبمعزل عن بعض التحديات المواجهة، من الواضح أنّ هذه التقنيات لديها إمكانات واعدة، لاسيّما وأنّ البيئة البحرية توفّر منصة اختبارٍ حقيقية لتطوير وتدريب الروبوتات المستقلة. ومن خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة البحرية، تخطو الشركات خطواتٍ ثابتة نحو الانتقال إلى طاقة نظيفة وأكثر استدامة. وبحلول عام 2026، تتوقع “Vaarst” البريطانية وهي شركة رائدة في مجال الروبوتات القائمة على الحوسبة السحابية والطاقة أن تتخلّى عن 75 سفينة كبيرة في أعمال الصيانة البحرية، وهذا لوحده كفيل بأن يؤدي إلى تقليل التلوث بغاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار أكثر من 800 ألف طن سنويًا على ما صرّح مديرها التنفيذي.

محمد معاذ

باحث وكاتب تقني في مجال الذكاء الاصطناعي

المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى