حلول مبتكرة

المنصات التعاونية.. نحو اقتصاد تشاركي حقيقي

في المجتمعات الحية، تأتي الكثير من الأفكار المبتكرة من خلال القدرة على “الرؤية التقدية” للواقع، ومن ثم القدرة على “اقترح البدائل”، بينما في المجتمعات التي يقل فيها مستوى الحياة، يأخذ الناس المنتجات النهائية لـ”تطورات” الواقع، بفرح وسعادة، دون القدرة على قراءتها قراءة نقدية. من ذلك مثلا فرح المجتمعات العربية ببعض “مظاهر” الاقتصاد “التشاركي” وتجلياته مثل أوبر وإيربي إن بي Uber & Airbnb.

لكن القوم في مجتمعات الغرب الذين جاءت من عندهم تلك التجليات كانت لديهم القدرة على نقدها، وعلى الخروج بالبديل الجديد والمبتكر، والذي أصبح يشكل ملامح حركة عالمية جديدة ناشئة، ونحن عنها غافلون.

في مقالها المنشور على موقع شيرابل في 16 أغسطس 2016 والي يهدف إلى التعريف المعمق بهذه الحركة البديلة، تقول مايرا سولتون Maira Sulton أن الاقتصاد التشاركي حينما بدأ كانت هناك عدة آمال معقودة عليه، وهي: مساعدة الناس على بناء المجتمع، والحد من الاستهلاك غير الضروري، وتوليد دخل إضافي. وأنه كان مبنيا على فكرة بسيطة، وهي أننا عندما نتشارك، فإن كل شخص يجني المزيد، لكن تلك الآمال اختفت بسرعة، حيث أفسدت منصات الشركات التي تخضع لرقابة صارمة والمدفوعة بالربح ذلك الوعد، حيث أصبحت معاملاتها تعتمد في كثير من الأحيان على تحميل التكاليف والمخاطر للمستخدمين ومقدمي الخدمات الفرديين، فضلا عن سوء الخدمة، والعنصرية، وعدم كفاية تدابير السلامة، مما أدى إلى تراجع الثقة في هذه الشركات التي تستفيد من المستخدمين من أجل جني مكاسب مالية هائلة، وأن هذا الوباء استشرى في منصات ما يسمى بـ”المشاركة” عبر العالم.

كل ذلك أدى إلى نشوء أفكار وممارسات ومن ثم حركة بديلة، وهي حركة المنصات التعاونية أو Platform Cooperative Movement or Platform Co-ops & Platform Cooperativism والتي تجعل ملكية المنصات تشاركية وإدارتها ديمقراطية موزعة على المشاركين فيها – سواء أولئك الذين يعملون في المنصة أو أولئك الذين يستخدمون الخدمة التي تقدمها.

وكما يشير نفس المقال، فإن نشوء وارتقاء تلك الحركة كان في الولايات المتحدة بين عامي 2014 و2016 وذلك على النحو التالي:

– جاءت الدعوة المبكرة لبديل أكثر إنصافًا في مؤتمر SHARE في سان فرانسيسكو في عام 2014، عندما تحدت Janelle Orsi، المديرة التنفيذية والمؤسسة المشاركة لمركز القانون الاقتصادي المستدام، الشركات التشاركية أن يتشاركوا في ملكيتها وثروتها مع المستخدمين.

– في وقت لاحق من ذلك العام، قام تريبور شولتز Trebor Scholtz، الأستاذ المشارك للثقافة والإعلام بكلية يوجين لانج التابعة للمدرسة الجديدة للفنون الليبرالية، بصياغة مصطلح أعطى للحركة اسمها في مقالته “منهاج المنصات التعاونية مقابل الاقتصاد التشاركي”.

– بعد أيام، كتب ناثان شنايدر Nathan Schneider، الباحث في مقر الدراسات الإعلامية بجامعة كولورادو بولدر، مقالاً لموقع شيرابل عن منهاج المنصات التعاونية والذي رأى أنه بدأ يتكشف. وقد أسست مقالته تلك والتي حملت عنوان “التملك هو التشارك الجديد”، المنصات التعاونية باعتبارها حركة تضم العديد من الأمثلة الملموسة وقدمها لمجتمع القراء العالمي لدينا.

– ونظرًا للاهتمام المتزايد بالحركة، نظم شولتز وشنايدر أول مؤتمر لمنهاج المنصات التعاونية Platform Cooperativism في نوفمبر 2015 في The New School بمدينة نيويورك، ضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من العلماء والمبرمجين ورجال الأعمال وصانعي السياسة والرؤساء التنفيذيين وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة.

– في أعقاب المؤتمر، نشر شولتز كتابًا عن منهاج المنصات التعاونية في نفس العام، والذي حدَّد أيضًا المفهوم مع أنماطه ومبادئه المحيطة بالحركة. كما قام شنايدر وشولز بتحرير مجموعة من المقالات حول المنصات التعاونية شارك فيها أكثر من 50 مساهم. كتابهم، الذي من المقرر نشر في أواخر عام 2016، يدعى Ours to Hack and to Own: The Rise of Platform Cooperativism أو نحن ندير ونتملك: صعود منهاج المنصات التعاونية، والذي قدما فيه رؤية جديدة لمستقبل العمل وإنترنت أكثر عدالة.

وبذلك تم تدشين الحركة “واستوت على الجودي”، وانطلقت العديد من المنصات التي تأخذ ذلك النهج التعاوني التشاركي الحقيقي في شرق العالم وغربه. ونأمل أن تجد تلك الأفكار التشاركية الحقيقية صداها لدى شباب ثورات الربيع العربي الذين حلموا بعالم أكثر عدلا وتشاركا، حتى وإن انتكس الواقع على الأرض، فلا زال في الفضاء الأزرق فرصا لتحقيق ذلك وإن في المجالات التنموية والاقتصادية المختلفة.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى