نابغون

حامد الموصلي.. المزج ما بين البحث العلمي والتطبيق العملي من أجل التنمية المستدامة

اشتعل الرأس شيبا، ونحل الجسد، وبدا عليه وهن العمر الذي تجاوز واحدا وسبعين عاما، لكن القلب لازال ينبض بحب حقيقي لمصر، وتلك الأمة، والعقل لازال يفكر كل يوم في الجديد الذي يدفع بالقضايا التي أفنى عمره يعمل من أجلها.

لا أذكر متى سمعت وعرفت عن الأستاذ الدكتور حامد الموصلي في أحد أعوام تسعينيات القرن العشرين، حينما كان عضوا في المجلس الأعلى لنقابة المهندسين، ومضت أعوام، كنت أتطلع فيها لكل ورقة أو مقالة يكتبها، على قلتها، وربما كان أولها مقال له يستعرض فيها نتائج دراسته للصناعات الصغيرة في محافظة الفيوم، نشرته مجلة نقابة مهندسي القاهرة، وفي بداية عملي محررا للقسم العلمي بموقع إسلام أون لاين الذي بدأته عام 2000 استضفته وأستاذنا الدكتور سيد دسوقي حسن للنقاش حول بناء القدرات التكنولوجية للأمة، فن الممكن، وكتبت مقالا من وحي ورقات علمية له كان عنوانه “الخامات المحلية تغني الفقراء”، وكتبت عن دراسة له صدرت عام 2006 حول استخدام البواقي الزراعية في منطقة الشرق الأدنى، ثم استضفته حينما توليت إدارة قسم نماء بموقع إسلام أون لاين، ليتحدث في صالون نماء بساقية الصاوي عام 2009، وبعد ثورة يناير أسست له صفحة غير رسمية على موقع الفيسبوك، وكتبت عنه للصفحة العلمية بجريدة الأهرام، معتبرًا أنه أحد الدرر المكنونة في تلافيف الجامعات المصرية، وأنه نموذج فريد سواء في فلسفته، أو فيما يقوم به في صمت من أعمال تمزج ما بين البحث العلمي والتطبيق العملي في المستوى القاعدي للتنمية، وذلك من خلال الاستراتيجية التي يتبناها، والتي يطلق عليها: إعادة اكتشاف الخامات والموارد المحلية المتجددة والمهدرة في آن واحد.

الدكتور حامد الموصلي والمولود في 8 أبريل عام 1943، والحاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة عين شمس عام 1964، والدكتوراه في نفس التخصص من معهد ماكينات العدد والأدوات بموسكو عام 1971، يعرف نفسه في محاضرته التي ألقاها في ساقية الصاوي عام 2009 بأنه “سفير مخلوقات الله المهملة”، لذا فقد آثر أن يعيش ما يزيد عن ثلاثين عاما من حياته المهنية ليقوم بالواجب الذي رأى غاندي أن على أبناء الأمم النامية المتعلمين أن يقوموا به وهو أن يساعدوا أبناء الأرياف والبوادي في بلادهم على تنمية حياتهم ومنتجاتهم وآلاتهم، ومن ثم تنمية مجتمعاتهم اقتصاديا واجتماعيا، ومن ثم فإنه من خلال إدارته لمركز تنمية الصناعات الصغيرة بالكلية الذي أسسه عام 1990، ثم من خلال الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية التي أسسها عام 2003، أو من خلال مركز تطوير الصناعات الصغيرة القائمة على المواد المتجددة عام 2008، عمل في كثير من مجتمعات مصر الريفية سواء في الفيوم أو الواحات أو الساحل الشمالي غربا، إلى سيناء شرقا، مرورا بقرى الدلتا شمالا، إلى أفقر قرى الصعيد جنوبا، من خلال العديد من المشروعات التطبيقية والبحثية نذكر منها على سبيل المثال:

عدد من المشروعات بمحافظات الوادي الجديد والفيوم والصعيد منذ عام 1993 لتحويل جريد النخل إلى ألواح خشب كونتر بديلا عن استيرادها أو استخدام الخامة في دائرة الفقر، مشروع تحويل جريد النخل والمخلفات الزراعية إلى مركبات بيو بلاستيك منذ عام 2003 أقيم مصنع في قوص لتصنيعها من مصاصة القصب، مشروع تصنيع الخشب الحبيبي من حطب القطن 1997 –2002، مشروع صناعة الأخشاب من نواتج تقليم أشجار الفاكهة 1999، مشروع تحويل المخلفات الزراعية إلى أعلاف حيوانية بقرية كفر العرب مركز فارسكور عام 2008، وهو ما أنقذ اقتصاد القرية القائم على منتجات الألبان من الانهيار بعد ارتفاع أسعار العلف، وأخيرا مشروع صناعة أخشاب وأثاث وعلف ومنتجات أخرى من جريد وخوص النخيل في قرية القايات بالمنيا وهي واحدة من أفقر 10 قرى بالمحافظة.

للدكتور حامد الموصلي عدة كتب تحمل فكره وتجاربه بالعربية والإنجليزية، منها كتاب عن الصناعات التقليدية صادر عن دار القلم، وكتابه عن الإبداع الناس وهو صادر عن مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية، وكتابه الإل كتروني تأملات في التنمية صادر عن هنداوي، وكتابيه بالإنجليزية الصادران عن دار لامبرت أحدهما عن موارد المواد المتجددة The Renewable Material Resources ،

والثاني يلخص تجاربه حول القيمة المضافة التي أضافها من خلال البحث العلمي والتنمية بالمشاركة على المشروعات الصناعية التي أشرف عليها في المجتمعات المحلية في الريف والبادية بعنوان Added Value from Industries, Introduced in Villages, Oases and Reclaimed Lands، هذا فضلا عن عشرات البحوث والمقالات العلمية وعشرات الرسائل وبراءات الاختراع التي حصل عليها هو وتلامذته الذين أشرف عليهم، وقد حظي الدكتور حامد الموصلي بالتكريم لفوزه بجائزة أفضل مشروع تنموي من جائزة خليفة لنخيل التمر عام 2013، لكنه لم يحظ بأي تكريم يليق به وبعلمه وجهده وعطائه في بلده، مصداقا لمقولة “لا كرامة لنبي في بلده”، لكن حسبه من علمهم ومن ألهمهم بفكره، ومن أفادهم بمشروعاته التنموية، ومن سيظل يلهمهم ويعلمهم أمد الله في عمره.

د. مجدي سعيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى