ريادة

“شيدولاي”.. قوارب التنمية البنغالية

“الحاجة أم الاختراع”.. هذه هي المقولة التي تنطبق على تجربة جمعية “شيدولاي سوانيرفار سانجيستا” التي تعمل على تحسين حياة المزارعين الفقراء والمهمشين من سكان المجتمعات الواقعة على ضفاف الأنهار وتجمعات المياه في بنجلاديش، واتخذت في سبيل ذلك مسالك إبداعية أهلتها لحصد العديد من الجوائز المحلية والدولية.

“استعن بالله ولا تعجز”، هذه هي الرسالة الثانية التي نتلقاها من مطالعتنا لتلك التجربة، فلم تكن ظروف الحياة في منطقتي “شالانبيل” و”راجشاهي” شديدتي الفقر في بنجلاديش حائلا دون السعي في تحسينها وتحقيق طموحات أهلها في حياة أفضل، فالمنطقة معزولة لا تصل إليها الطرق ولا يمكن الانتقال إليها إلا عبر القوارب، خاصة في وقت الأمطار الموسمية التي تغمر كثيرا من أراضيها.

والكثير من سكان تلك المناطق لا يمتلك أرضا يرتزقون من خيراتها، حيث يعملون عمالا أجراء باليومية، وليس لديهم كهرباء ولا مصادر للطاقة الحديثة، ولا خطوط للاتصال التليفوني، وليست لديهم وسائل للإصحاح البيئي، ورغم أن المنطقة تعيش على زراعة الأرز والبقول والقمح والخضراوات وتربية الدواجن، فإنهم لا يستطيعون ري أراضيهم في مواسم الجفاف، كما يعيشون أيضا على صيد الأسماك، لكن المياه الضحلة وانعدام مصادر الطاقة تقلل من قدرتهم على الصيد الليلي.

أطفال هذا الإقليم مهتمون بالحصول على قدر من التعليم، إلا أنه من الصعب أن تجد مدرسين يقبلون الإقامة في تلك المناطق التي يصعب التنقل فيها، والتي تغمر مدارسها المياه في مواسم المطر، ومن ثم يصعب الحصول على فرص لتعليم الأبناء، خاصة الفتيات، لكن كل تلك الظروف الصعبة لم تقف حائلا بينهم وبين تحقيق طموحاتهم في تحسين حياتهم وفرص العيش لديهم، فقد استعانوا بعقولهم المبدعة لإيجاد مخرج من مأزق حياتهم البئيسة.

حينما يصير التهديد فرصة

في عام 1998 أسس “أبو الحسنات محمد رضوان” جمعية صغيرة لخدمة أهالي قرية “شيدولاي”، وفي عام 2002 فكر أنه إذا لم يستطع أطفال القرية أن يذهبوا إلى المدرسة فلتذهب المدرسة إليهم، ومن ثم قام بتأسيس “مدرسة القارب”، وما لبثت الفكرة أن تطورت، وكبرت الجمعية، وصارت تغطي بخدماتها كثيرا من قرى وتجمعات المنطقة لتقدم حلولا عملية للكثير من مشكلاتهم المزمنة، مستخدمة في تقديم تلك الحلول أسطولا من القوارب المصممة خصيصا كي تكون مستوية القيعان تستطيع أن تجوب المياه الضحلة، كما أنها مزودة بخلايا للطاقة الشمسية تمدها بالكهرباء.

ومن خلال تلك القوارب المضاءة بالطاقة الشمسية والمصنوعة من الخامات المحلية قدمت الجمعية الخدمات التالية:

* جعلت من القوارب رياضا تعليمية للأطفال خاصة من الفتيات، يسع الواحد منها 30 تلميذا، وتحتوي على مكتبة مزودة ب 500 كتاب.

* تعقد حلقات تدريبية ليلية للمزارعين تقدم من خلالها التدريب على فنون الزراعة المستديمة، تعرض خلالها بعضا من أفلام التدريب والإرشاد الزراعي، وقد أفادت المسوح التي أجريت أن دخول المزارعين قد زادت بنسبة 45 % من جراء تلك البرامج التدريبية، كما قل استخدامهم للكيماويات الزراعية المخلقة بنسبة 60 %، وزادت كفاءة الأنهار والمجاري المائية نتيجة لزراعة الأشجار والعشب على حوافها، فقللت تلك الأشجار من مستويات الفيضان وغمر المياه لأراضيهم. وتقدم أيضا على القوارب برامج للتدريب على إصلاح وصيانة أنظمة الطاقة الشمسية وطلمبات المياه التي تعمل بالبدال.

* يتاح في كل قارب هاتف محمول يقدم خدماته لسكان التجمعات المحاذية للنهر، كما يتاح بالقوارب من خلال الطاقة الشمسية أجهزة كمبيوتر متصلة بالإنترنت، وأجهزة لتشغيل السي دي والدي في دي التعليمية والترفيهية، كما تقدم برامج للتدريب على استخدام الكمبيوتر.

* وزعت الجمعية 13 ألفا و 500 وحدة للطاقة الشمسية المنزلية التي تعمل القوارب كمحطات شحن أسبوعية لها، وللمصابيح الشمسية المحمولة التي وفرت الجمعية 2500 مصباح منها، وتستطيع أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية تشغيل 2 – 3 مصابيح تعمل لمدة 30 ساعة، مما يتيح فرصة لاستذكار الأبناء وعمل الآباء في الحرف اليدوية التي تزيد من دخولهم، كما قلل اعتمادهم على مصابيح الكيروسين وما تسببه من تلوث وارتفاع احتمالات حوادث الحريق، وهو ما زاد من دخول الصيادين بمقدار 300 تكا (جنيهان إسترلينيان) شهريا في المتوسط، مع انخفاض احتمالات وقوع حوادث الاصطدام بين القوارب. وتقدم الجمعية كل تلك الخدمات مجانا، باستثناء خدمة الاتصال بالتليفون المحمول.

للتنمية أبعاد أخرى

لا تكتفي جمعية شيدولاي التي تصل خدماتها الآن إلى 400 ألف من سكان شمال بنجلاديش بالخدمات التنموية المحمولة عبر القوارب، ل كنها تسعى لمد أنشطتها إلى مناطق أخرى من بنجلاديش، حيث إن هناك ما يقرب من 20 مليون من سكان بنجلاديش يعيشون في مناطق لا يمكن الوصول إليها إلا بالقوارب.

وإضافة لخدمات التنمية بالقوارب تقدم الجمعية طلمبات لرفع المياه عبارة عن دراجات كلاسيكية مطورة تعمل ببدالات لضخ 60 – 100 لتر ماء في الدقيقة يمكنها أن تروي نصف هكتار من الأرض من مياه الآبار والأنهار، وقد وزعت الجمعية 15 ألفا من تلك الطلمبات.

كما تقوم الجمعية بتوزيع قروض متناهية الصغر ( 10 آلاف تكا) للنساء الفقيرات ليقمن بمشروعات مدرة للدخل، خاصة في مجال جمع المخلفات القابلة للتدوير وغيرها من المشاريع، وتقوم الجمعية بتسويق ما يتم جمعه لدى مصانع إعادة التدوير في دكا وغيرها من المدن الكبرى.

والجمعية تتلقى دعما من بعض المؤسسات الدولية المانحة (مؤسسة ليفي شتراوس، مؤسسة جيتس، الصندوق العالمي للأطفال، العالمية للإغاثة المباشرة)، كما تستفيد من التسهيلات والتخفيضات التي تقدمها شركة جرامين للتليفون المحمول وشركة مايكروسوفت، وشركة راحيمافروز المتخصصة في توريد بطاريات الطاقة الشمسية، كما أن الجمعية توفر 25 % من ميزانيتها من خلال إدارتها لنشاط جمع المخلفات الصلبة القابلة للتدوير، وقد استفادت من كل ذلك في دعم وتطوير وتوسيع رقعة برنامجها الناجح.

يقوم بالعمل في الجمعية 180 من العاملين، و 2000 من المتطوعين حققوا نجاحا وانتشارا للجمعية حتى صار أسلوب عملها نموذجا يحتذى من عدد من الجمعيات المحلية (ثلاث جمعيات حتى الآن) وعدد من الجمعيات في بعض بلدان العالم النامي، كما ساعدت الجمعية على تأسيس بعض الجمعيات التخصصية كجمعية حقوق الفتيات والتي تقوم بتقديم برنامج لتعليم الفتيات الصغار عن بعد وتوعيتهن بحقوقهن، كما أنشأت الجمعية مؤسسة أخرى لمستخدمي المياه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى